شرح حديث / بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئا

شرح حديث / بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئا
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

شرح - حديث – بايعوني – على – أن – لا – تشركوا – باللّه – شيئا

شرح حديث / بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئا


مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: كتاب الإيمان

 

وعن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ به فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ» فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. متفق علية.

 

الشرح:

(وعن عبادة بن الصامت: - رضي الله عنه -) بضم العين وتخفيف الموحدة، يكنى أبا الوليد الأنصاري، كان نقيبا، وشهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، وشهد بدرا والمشاهد كلها، ثم وجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلما، فأقام بحمص، ثم انتقل إلى فلسطين ومات بها في الرملة، وقيل: ببيت المقدس سنة أربع وثلاثين وهو ابن ثنتين وسبعين.

 

روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله ، وحوله): نصبه على الظرف، وهو خبر لقوله: (عصابة): بالكسر اسم جمع كالعصبة، لما بين العشرة إلى الأربعين، من العصب وهو الشد، كأن بعضهم يشد بعضا، أو من العصب لأنه يشد الأعضاء، والجملة حالية (من أصحابه): صفة لعصابة (بايعوني) أي: عاقدوني وعاهدوني تشبيها لنيل الثواب في مقابلة الطاعة بعقد البيع الذي هو مقابلة مال بمال، ووجه المفاعلة أن كلا من المتبايعين يصير كأنه باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته.

 

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ} [التوبة: ١١١] الآية (على أن لا تشركوا بالله شيئا): مفعول به أو مفعول مطلق، قيل: الصحيح أن المراد به الرياء (ولا تسرقوا) وهو أخذ مال الغير محرزا بخفية (ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم): بدفنهم أحياء، فصبيانكم خشية إملاق وافتقار، وبناتكم خوف لحوق عار وعيب (ولا تأتوا ببهتان): الباء للتعدية وهو الكذب الذي يبهت سامعه، المراد به القذف (تفترونه) أي: تختلقونه وتخترعونه صفة بهتان (بين أيديكم وأرجلكم) أي: من عند أنفسكم، وعبر بهما عن الذات والنفس؛ لأن معظم الأفعال تزاول وتعالج باليد والرجل، وقيل: معناه: لا تبهتوا الناس بالعيوب كفاحا وشفاها كي لا يشاجر بعضكم بعضا، كما يقال: فعلت هذا بين يديك أي: بحضرتك، وهذا النوع أشد البهت، أو لا تنسبوه مبنيا على ظن فاسد وغير مبطن من ضمائركم وقلوبكم التي هي بين أيديكم وأرجلكم، وقيل: معناه: ولا تلحقوا بالرجال الأولاد من غير أصلابهم، فإن إحداهن في الجاهلية كانت تلتقط المولود وتقول لزوجها: هو ولدي منك، فعبر بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلحقه بزوجها كذبا؛ لأن بطنها الذي يحمله بين يديها، وفرجها الذي تلد منه بين رجليها.

 

(ولا تعصوا) بضم الصاد - تعميم بعد تخصيص (في معروف): ما عرف في الشرع حسنه، أو قبحه (فمن وفي منكم): بالتخفيف ويشدد (فأجره على الله) قال الطيبي: لفظ "وَفَى" دل على أن الأجر إنما ينال بالوفاء بالجميع؛ لأن الوفاء هو الاتيان بجميع ما التزمه من العهود والحقوق، وأما العقاب فإنه ينال بترك أي واحد كان اهـ.

 

وفيه أنه إن كان المراد بالأجر كماله فالأمر كذلك، وإلا فلا يتوقف أجر امتثال طاعة أو اجتناب معصية على الآخر، ويدل عليه المذهب الصحيح أن التوبة عن بعض الذنوب صحيحة خلافا للخوارج. (ومن أصاب من ذلك) أي: المذكور (شيئا فعوقب) أي: (به) كما في نسخة صحيحة، يعني: أقيم عليه الحد (في الدنيا فهو) أي: الحد والعقاب (كفارة له) وزاد في نسخة، وطهور -بفتح الطاء- أي: يكفر إثم ذلك، ولم يعاقب به في الآخرة، وهذا الخاص بغير الشرك، وأخذ أكثر العلماء من هذا أن الحدود كفارات، وخبر: «لا أدري الحدود كفارات أم لا» أجابوا عنه بأنه قبل هذا الحديث؛ لأنه فيه نفي العلم، وفي هذا إثباته، والمعنى: لا يعاقب عليه في الآخرة بل على عدم التوبة منه إن مات قبلها؛ لأن تركها ذنب آخر غير ما وقع العقاب عليه؛ لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: ١١]، ويمكن أن يجعل الخلاف لفظيا، والله أعلم.

 

(ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله) أي: ذلك الشيء المصاب أي: (عليه) كما في نسخة: وعلى غيرها، أي: ستر الله ذلك المصيب أي: ذنبه بأن لم يقم الحد عليه (فهو) أي: المستور (إلى الله) أي: أمره وحكمه من العفو والعقاب مفوض إليه، فلا يجب عليه سبحانه، عقاب عاص كما لا يجب عليه ثواب مطيع على المذهب الحق (إن شاء عفا عنه) قدم لسبق رحمته (وإن شاء عاقبه) رد على المعتزلة (فبايعناه على ذلك) وتسمى بيعة النساء كما في سورة الممتحنة؛ ولذا قيل: عليكم بدين العجائز (متفق عليه) ورواه الترمذي، والنسائي.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0