كتاب الأذكار: باب فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها
لغير عذر
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن
عبد الله بن باز
شرح
حديث / ما أجلسكم قالوا جلسنا نذكر اللّه
أحاديث
رياض الصالحين: باب فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير
عذر
١٤٥٧
- وعن أَبي واقِدٍ الحارِثِ بن عَوْفٍ – رضي الله عنه - أَنَّ رسُولِ اللَّهِ ﷺ بيْنَما هُو جَالِسٌ في المسْجِدِ، والنَّاسُ
معهُ، إِذ أَقْبلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، فأَقْبَل اثْنَانِ إِلي رسولِ اللَّهِ ﷺ وذَهَب واحدٌ، فَوقَفَا عَلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ.فَأَمَّا أَحدُهُما فرأَى فُرْجَةً في الحلْقَةِ،
فجَلَسَ فِيهَا، وأَمَّا الآخَرُ فَجَلَس خَلْفَهُمْ، وأَمَّا الثالثُ فَأَدبر
ذاهِبًا. فَلمَّا فَرَغَ رسُول اللَّهِ ﷺ
قَالَ: «أَلا أُخبِرُكم عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ،
أَمَّا أَحدُهم، فَأَوى إِلي اللَّهِ فآواه اللَّه، وأَمَّا الآخرُ فَاسْتَحْيي فَاسْتَحْيَى
اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخرُ فأَعْرضَ فأَعْرض اللَّهُ عنْهُ» متفقٌ
عَلَيْهِ.
١٤٥٨
- وعن أَبي سعيد الخُدْريِّ – رضي الله عنه - قَالَ: خَرج معاوِيَة – رضي الله عنه
- علَى حَلْقَةٍ في المسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسكُمْ؟ قالُوا: جلَسْنَا
نَذْكُرُ اللَّه. قَالَ: آللَّهِ مَا أَجْلَسكُم إِلاَّ ذَاكَ؟ قالوا: مَا
أَجْلَسنَا إِلاَّ ذَاكَ، قَالَ: أَما إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُم تُهْمةً لَكُم
وَمَا كانَ أَحدٌ بمنْزِلَتي مِنْ رسُولِ اللَّهِ ﷺ
أقلَّ عنْهُ حَدِيثًا مِنِّي: إِنَّ رسُول اللَّهِ ﷺ
خرَج علَى حَلْقَةٍ مِن أَصحابِه فَقَالَ: «مَا
أَجْلَسكُمْ؟» قالوا: جلَسْنَا نَذكُرُ اللَّه، ونحْمدُهُ علَى ماهَدَانَا
لِلإِسْلامِ، ومنَّ بِهِ علينا. قَال: «آللَّهِ مَا
أَجْلَسكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟» قالوا: واللَّه مَا أَجْلَسنا إِلاَّ ذَاكَ.
قالَ: «أَما إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهمةً
لكُمْ، ولِكنَّهُ أَتانِي جبرِيلُ فَأَخْبرني أَنَّ اللَّه يُباهِي بِكُمُ الملائكَةَ»
رواهُ مسلمٌ.
الشيخ:
الحمد
لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما
بعد:
فهذان
الحديثان يتعلقان بحلق الذكر ومجالس العلم والذكر، سبق ما يدل على أن مجالس الذكر
يباهي الله بهم الملائكة، وأن الملائكة تحضرهم وتحفها بأجنحتها ثم تصعد إلى السماء
ويسألها ربها عن ذلك، فتخبره أنها أتتهم يسبحون ويحمدون ويكبرون إلى آخره كما
تقدم، تقدم حديث أبي سعيد: «ما من قوم يجلسون في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم
الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده» فمجالس الذكر
لها شأن عظيم فيها التعليم والتوجيه والتذكير بالله.
والحديث
الآخر: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل: يا رسول الله ما رياض الجنة؟ قال: حلق
الذكر وفي هذا الحديث يقول ﷺ لما كان جالسا في
أصحابه ذات يوم: دخل ثلاثة المسجد فجاء أحدهم إلى الحلقة فوجد فرجة فدخل والنبي ﷺ يذكر أصحابه، والثاني استحيا ما وجد فرجة جلس خلفهم
ما أحب يزاحم، والثالث خرج أدبر وخرج، فلما فرغ النبي من حديثه ﷺ قال للصحابة: ألا أنبئكم بخبر الثلاثة؟ قالوا: بلى
يا رسول الله، قال: أما أحدهم: فأوى إلى الله فآواه الله هو الذي جلس في داخل
الحلقة، والثاني: استحيا فاستحيا الله منه، والثالث: أعرض فأعرض الله عنه، هذا فيه
الحث على الدخول في الحلقة والحرص على أن يكون فيها وأن يلتمس فرجة لأن هذا أكمل
في الرغبة وأكمل في الحرص على الفائدة، وإن لم يتيسر جلس خلفهم، وهكذا حلقة خلف
حلقة لسماع الفائدة، سواء كانوا في المساجد أو في الصحراء أو في أي مكان، الإنسان
يحرص على الفائدة، يجتهد في أن يكون في مقدم الحاضرين حتى يكون استماعه أكمل،
والحرص على العلم له فضل عظيم لأن الإنسان خلق غير متعلم لا يعلم شيئا جاهلا كما
قال - جل وعلا -: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: ٧٨]، فهو في حاجة
إلى التعلم حتى يعلم ما أوجب الله عليه وما حرم الله عليه، هو مخلوق للعبادة لا
بدّ أن يتعلم هذه العبادة التي خلق لها، وكل من كان أعظم اجتهادا وأكثر حرصا صار
أجره أعظم، وينبغي في هذا إخلاص النية وأن يكون القصد وجه الله والدار الآخرة
ليتفقه في الدين ليتعلم، ولهذا في الحديث الذي بعده عن أبي سعيد فيه أن الرسول ﷺ خرج إلى أصحابه وهم يتذاكرون فسألهم قالوا: نتذاكر
ما من الله علينا من الإسلام وما رزقنا فيه من العلم، نتذكر أمور الجاهلية ويحمدون
الله على ما هداهم للإسلام وما يسر لهم من العلم، فقال: آلله ما أجلسكم إلا هذا؟
قالوا: ما جلسنا إلا لهذا، فقال ﷺ: لم
أستحلفكم تهمة لكم، يعني: لا شك فيكم ولكن إن الله يباهي بكم الملائكة يعني: بهذه
الجلسة التي لأجله والمذاكرة في دينه والحرص على فهم الإسلام والتناصح والتعاون
على الخير، هذه مجالس علم ومجالس خير يباهي الله بأهلها ملائكته لله ملائكة سياحون
في الأرض يلتمسون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلس الذكر تنادوا هلموا إلى حاجتكم،
وبعضهم يلتمس المصلين على النبي ﷺ فيحملون
صلاتهم ويبلغونها للنبي ﷺ: إن لله ملائكة
سياحين يبلغوني عن أمتي السلام اللهم صل عليه وسلم، فالمشروع لكل مؤمن ولكل مؤمنة
الحرص على مجالس الذكر وعلى حلق الذكر، والسؤال عما أشكل عليه ليحظى بهذا الخير.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
