كتاب
حمد الله تعالى وشكره
شرح العلامة
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
حمد
الله تعالى وشكره
أحاديث
رياض الصالحين: كتاب حمد الله تعالى وشكره
الشرح
قال المؤلف النووي - رحمه
الله - في كتابه (رياض الصالحين) باب حمد الله وشكره.
حمد الله يعني: وصفه
بالمحامد والكمالات وتنزيهه عن كل ما ينافي ذلك، ويضاده فهو - سبحانه وتعالى - أهل
الحمد يحمد على جميل إحسانه وعلى كمال صفاته - جل وعلا - مع المحبة والتعظيم، وقد
حمد الله نفسه في ابتداء خلقه فقال: {الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ
وَالنُّورَ} [الأنعام: ١]، وحمد نفسه حين أنزل على عبده الكتاب فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ
الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا} [الكهف: ١]، وحمد نفسه على تنزيهه عن الشريك والند فقال: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ
شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ
تَكْبِيرًا} [الإسراء: ١١١] وحمد نفسه - جل وعلا
- عند انتهاء الخلق فقال - سبحانه وتعالى -: {وَتَرَى
الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: ٧٥]، فهو - جل وعلا - محمود في ابتداء الخلق
وانتهاء الخلق واستمرار الخلق، ومحمود على ما أنزل على عبده من الشرائع، محمود على
كل حال.
ولهذا كان النبي ﷺ إذا أتاه ما يسره قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات» وإذا أتاه ما يخالف ذلك قال: «الحمد لله على كل حال» وما يقوله بعض الناس اليوم: الحمد لله
الذي لا يحمد على مكروه سواه، فهو خطأ غلط لأنك إذا قلت الحمد لله الذي لا يحمد
على مكروه سواه فهو عنوان على إنك كاره لما قدره عليك، ولكن قل كما قال النبي ﷺ: «الحمد لله على كل حال» هذا هو الصواب وهو السنة التي جاءت عن النبي
ﷺ، وقد حمد الله نفسه وأمر بحمده فقال الله
تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ
اصْطَفَىٰ}
[النمل: ٥٩]، فأمرنا أن نحمده - جل وعلا - بل جعل حمدنا إياه من أركان الصلاة لا
تتم الصلاة إلا به فالفاتحة أولها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] لو أسقطت هذه الآية من
الفاتحة ما صحت صلاتك.
فحمد الله تعالى واجب على كل إنسان وكذلك
الشكر، الشكر على إنعامه كم أنعم عليك من نعمة عقل، سلامة بدن، مال، أهل، أمن، نعم
لا تحصى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: ١٨]، لو لم يكن من نعمته عليك إلا
هذا النفس الذي لو منعته لفقدت الحياة مع أنه يخرج دون أن كلفة، وبدون أن تتعب له،
وانظر الذين ابتلوا بضيق النفس كيف يتكلفون عند إدخال النفس وإخراجه، وهذا النفس
مستمر دائم نعمة لا تحصى أبدا العقل، الأولاد، المال، الدين، كل هذه نعم عظيمة
يستحق - جل وعلا - أن يشكر عليها.
والشكر قال أهل العلم: هو القيام بطاعة
المنعم، هذا الشكر أن تقوم بطاعة المنعم ولاسيما جنس هذه النعمة، فإذا أنعم الله
عليك بمال، فليكن عليك أثر هذا المال في لباسك في بيتك في مركوبك في صدقاتك في نفقاتك
ليرى أثر نعمة الله عليك في هذا المال، في العلم إذا أنعم الله عليك بعلم فليرى
عليك أثر هذا العلم من نشره بين الناس تعليمه الناس، والدعوة إلى الله - عز وجل -
وغير ذلك فالشكر يكون من جنس النعمة التي أنعم الله بها عليك أو بأعم.
إذا فمن عصى
الله فإنه لم يقم بشكر نعمة الله كافر بنعمة الله - والعياذ بالله - قال الله
تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا
وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ
الْقَرَارُ}
[إبراهيم: ٢٨-٢٩]، فالعاصي لم يقم بشكر نعمة الله - عز وجل - وينقص من شكره بقدر
ما أتى من المعصية حتى لو قال الإنسان بلسانه اشكر الله، الشكر لله وهو يعصي الله
فإنه لم يصدق فيما قال الشكر.
القيام بطاعة المنعم والشكر له فائدتان
عظيمتان: منها الاعتراف بالله تعالى في حقه وفضله وإحسانه، ومنها أنه سبب لمزيد
النعمة كلما شكرت زادت نعم الله عليك، قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ
إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: ٧]، إذا شكر الإنسان زاده الله، وإذا كفر عرض نفسه لعذاب الله،
وعذاب الله تعالى شديد وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا
مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة: ١٧٢]، واشكروا الله تعالى على
هذه النعمة التي أنعمها عليكم وسهل لكم الوصول إليها فوصلت إليكم من غير حول ولا
قوة، هذه الطيبات التي نأكلها لو شاء الله تعالى لم نقدر عليها، إما لعسر فينا
وإما لفقد لهذه النعم قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ
تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا
فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ
الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا
تَشْكُرُونَ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ
شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا
لِّلْمُقْوِينَ} [الواقعة: ٦٣-٧٣].
فالمهم أن علينا
أن نشكر نعمة الله ويكون الشكر من جنس النعمة فتبذل من العلم والمال بحسب ما أعطاك
الله - عز وجل - الصحة أنت، أعطاك الله صحة ونشاطا واحتاج إخوانك إلى المساعدة
والمعاونة، فمن شكر النعمة أن تعينهم والله الموفق.
قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا
لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:١٥٢]، وقال تعالى: {لَئِن
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:٧]، وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الإسراء:١١١]، وقال
تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ
أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:١٠].
قال المؤلف النووي - رحمه
الله - في كتابه (رياض الصالحين) باب حمد الله وشكره وقد سبق الكلام على هذا،
ولكننا لم نتكلم على الآية الأولى وهي قوله تبارك وتعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} فاعلم أن ذكر
الله - عز وجل - هو ذكر القلب، وأما ذكر اللسان مجردا عن ذكر القلب فإنه ناقص،
ويدل لهذا قوله - عز وجل-: {وَلَا تُطِعْ مَنْ
أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: ٢٨]، ولم
يقل من أمسكنا لسانه عن ذكرنا، قال: من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، فالذكر النافع هو
ذكر القلب، وذكر القلب يكون في كل شيء يعني معنى ذلك: أن الإنسان وهو يمشي، وهو
قاعد، وهو مضجع إذا تفكر في آيات الله - عز وجل - فهذا من ذكر الله، ومن ذكر الله
أيضا ما جاء في السنة مثل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو
على كل شيء قدير وسبحان الله وما أشبه ذلك.
ومن ذكر الله أيضا: الصلاة فإنها من ذكر
الله، قال الله تبارك وتعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: ٤٥]، قال بعض العلماء المعني: ولنا فيها من ذكر الله أكبر،
فعلى كل حال ينبغي للإنسان عند ذكر الله باللسان أن يكون ذاكرا لله بقلبه حتى
يتطابق القلب واللسان وتحصل الفائدة لأن مجرد الذكر باللسان ينفع الإنسان، ولكنه
ناقص لكن الذكر بالقلب هو الأصلي والمهم وأعلم أن الله تعالى يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، وقد ثبت عن النبي ﷺ أن الله قال: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني
في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» يعني: الإنسان إذا ذكر الله في نفسه وليس حوله أحد،
ذكره الله في نفسه وإن ذكر الله وحوله ملأ يعني: في جماعة ذكره الله في ملأ خير
منهم، وهذا يدل على فضيلة الذكر أن الله تعالى التزم بأن من ذكره في نفسه ذكره في
نفسه، ومن ذكره في ملأ ذكره في ملأ خير منهم، وقال: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}، وقد سبق معنى الشكر، ومعنى الكفران.
ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا
الباب في الأحاديث القادمة.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
