أحاديث
رياض الصالحين: باب فضل السماحة في البيع والشراء
١٣٧٩
- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودُ الْبَدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قُبَلُكُمْ فَلَمْ
يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسُ،
وَكَانَ مُوسِرَا، وَكَانَ يَأْمَرُ غِلْمَانُهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ
الْمُعْسِرِ. قَالَ اللهُ عِزَّ وَجَلٍ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ
تَجَاوَزُوا عَنْهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشرح:
الإحْسانُ
إلى الناسِ، والعَفْوُ عنهم والتَّجاوُزُ عن مُعْسِرِهِم من مَكارِمِ الشَّريعَةِ
الإسْلاميَّةِ ومَحاسِنِها، ومن أعْظَمِ أسْبابِ نَجاةِ العبدِ يَومِ القِيامَةِ.
وفي
هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ ﷺ: «إنَّ رَجُلًا لم يعْمَلْ خيْرًا قَطُّ»، أي: لم
يعْمَلْ خيْرًا أبدًا فيما مَضَى مِن عُمُرِه، ولعلَّ المُرادَ أنَّه لم يَعمَلْ
من الخيرِ شيئًا قَطُّ إلَّا التَّوحيدَ، كما فسَّرها ابنُ مَسعودٍ في رِوايتِه
عندَ أحمدَ: «لَمْ يَعمَلْ مِنَ الخَيرِ شَيئًا قَطُّ
إلَّا التَّوحيدَ»؛ لأنَّ اللهَ تعالى، لا يَغفِرُ للذين يَموتون وهُمْ
كُفَّارٌ، وهذا سائِغٌ في لسانِ العربِ أنْ يُؤتَى بلَفْظِ الكُلِّ والمُرادُ
البعْضُ.
قال
النَّبيُّ ﷺ:
«وكان يُدايِنُ الناسَ»، أي: يُعامِلُهُم
ويُعطيهِم بالدَّيْنِ، فيقولُ لرَسولِهِ: يعني يقولُ: لعامِلِهِ عندَ وقْتِ جمْعِ
هذا الدَّينِ من الناسِ، «خُذْ ما تيسَّر»،
أي: خُذْ ما سَهُلَ للمديونِ أداؤُهُ، «واترُكْ ما
عَسُرَ» يعني: ما شَقَّ أداؤُه عليه، «وتَجاوَزْ»،
أي: لا تَتعرَّضْ له بمُطالَبَةِ ما يَشُقُّ عليه، واعْفُ عنهم، «لعلَّ اللهَ يتجاوَزُ عنا» يعني: يعفو عن ذُنوبِنا
وخَطايانا، «فلمَّا هَلَكَ»، أي: ماتَ.
«قال اللهُ له: هل عَمِلْتَ خيرًا قَطُّ؟» وهذا سؤالُ
العالِمِ بأحوالِ عِبادِهِ، وهو سُؤالُ تَقريرٍ للعبدِ؛ ليشْهَدَ على نَفسِهِ «قال: لا» وهذا العموم مُخصَّصٌ قَطعًا بأنَّه كان
مُؤمِنًا، ولولا ذلك لَمَا تَجاوَزَ عنه، «إلَّا
أنَّه كان لي غُلامٌ»، أي: خادِمٌ، "وكُنْتُ
أُدايِنُ الناسَ، فإذا بعَثْتُه يَتَقاضَى"، أي: لِيَقْبِضَ الدَّينَ،
«قلْتُ له: خُذْ ما تيسَّر، واترُكْ ما عَسُرَ،
وتَجاوَزْ، لعلَّ اللهَ يَتجاوَزُ عنَّا، قال اللهُ تَعالى: قد تَجاوَزْتُ عنك»،
أي: عَفَوْتُ عن ذُنوبِكَ، وغَفَرْتُها لك.
وفي
الحديثِ: أنَّ اليَسيرَ مِنَ الحَسَنَاتِ إذا كان خالِصًا للهِ كفَّر كثيرًا من
السَّيِّئاتِ.
وفيه:
حصولُ الأجْرِ للآمِرِ به، وإنْ لم يَتولَّ ذلك بنَفْسِه.
