شرح حديث / ليلني منكم أولو الأحلام والنهي

شرح حديث / ليلني منكم أولو الأحلام والنهي
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث
باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح - حديث - ليلني - منكم - أولو - الأحلام - والنهي
شرح حديث / ليلني منكم أولو الأحلام والنهي

أحاديث رياض الصالحين: باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل

٣٥٤ - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : «ليَلِنِي مِنكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم» ثلاثا «وإياكم وهيشاتِ الأسواق» رواه مسلم [١].
٣٥٥ - عن أبي يحيى وقيل: أبي محمد سهل بن أبي حثمة - بفتح الحاء المهملة وإسكان التاء المثلثة -الأنصاري- رضي الله عنه قال: انطلق عبد الله ابن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح، فتفرقا.
فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دَمِهِ قتِيلًا، فدفنه، ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي ، فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال: «كبر كبر» وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلما فقال: «أتحلفون وتستحقون قاتلكم؟» وذكر تمام الحديث. متفق عليه [٢].
وقوله : «كبر كبر» معناه: يتكلم الأكبر.
٣٥٦ - عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد يعني في القبر، ثم يقول: «أيهما أكثر أخذًا للقرآن؟» فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد. رواه البخاري [٣].
٣٥٧ - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي قال: «أراني في المنام أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما» رواه مسلم مسندًا، والبخاري تعليقًا [٤].
٣٥٨ - عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول : «إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط» حديث حسن رواه أبو داود [٥].

الـشـرح
هذه الأحاديث فيها الإشارة إلى ما سبق عن المؤلف - رحمه الله - من إكرام أهل العلم وأهل الفضل الكبير، فمن ذلك حديث عبد الله ين مسعود - رضي الله عنه - أن النبي قال: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم» قال ذلك: ثلاثًا، «وإياكم وهيشات الأسواق» وفي قوله: «ليلني منكم» اللام لام الأمر، والمعنى: أنه في الصلاة ينبغي أن يتقدم أولو الأحلام والنهي.
وأولو الأحلام: يعني الذين بلغوا الحلم وهم البالغون، والنهي: جمع نهية وهي العقل، يعني: العقلاء فالذي ينبغي أن يتقدم في الصلاة العاقلون البالغون؛ لأن ذلك أقرب إلى فهم ما يقوله النبي أو ما يفعله، من الصغار ونحوهم، فلهذا حث النبي أن يتقدم هؤلاء حتى يلوا الإمام.
وليس معنى الحديث لا يلني إلا أولو الأحلام والنهي، بحيث نطرد الصبيان عن الصف الأول، فإن هذا لا يجوز. فلا يجوز طرد الصبيان عن الصف الأول إلا أن يحدث منهم أذية، فإن لم يحدث منهم أذية؛ فإن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد أحق به.
وهناك فرق بين أن تكون العبارة النبوية: لا يلني إلا أولو الأحلام، وبين قوله: «ليلني أولو الأحلام»، فالثانية تحث الكبار العقلاء على التقدم، والأولى لو قدر أنها هي نص الحديث لكان بنهى أن يلي الإمام من ليس بالغًا، أو ليس عاقلًا.
وعلى هذا فنقول: إن أولئك الذين يطردون الصبيان عن الصف الأول أخطئوا من جهة أنهم منعوا ذوي الحقوق حقوقهم؛ فإن النبي قال: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له» [٦].
ومن جهة أخرى أنهم يكرهون الصبيان المساجد، وهذا يؤدي إلى أن ينفر الصبي عن المسجد إذا كان يطرد عنه.
ومنها أن هذه لا تزال عقدة في نفسه من الذي طرده فتجده يكرهه، ويكره ذكره، فمن أجل هذه المفاسد نقول: لا تطردوا الصبيان من أوائل الصفوف.
ثم إننا إذا طردناهم من أوائل الصفوف؛ حصل منهم لعب، لو كانوا كلهم في صف واحد كما يقوله من يقوله من أهل العلم، لحصل منهم من اللعب ما يوجب اضطراب المسجد، واضطراب أهل المسجد، ولكن إذا كانوا مع الناس في الصف الأول ومتفرقين؛ فإن ذلك أسلم من الفوضى التي تحصل بكونهم يجتمعون في صف واحد.
وقوله : «ليلني منكم أولو الأحلام والنهي» يستفاد منه أن الدنو من الإمام له شأن مطلوب، ولهذا قال: «ليلني» أي يكون هو الذي يليني.
وعلى هذا نقول: إذا كان يمين الصف بعيدًا، وأيسر الصف أقرب منه بشكل واضح، فإن الصف الأيسر أفضل من الأيمن، من أجل دنوه من الإمام؛ ولأنه لما كان الناس في أول الأمر إذا كان إمامهم واثنان معه، فإنهما يكونان عن يمينه واحد، وعن شماله واحد، ولا يكون كلاهما عن اليمين، فدل هذا على مراعاة الدنو من الإمام، وتوسط الإمام من المأمومين.
ولكن هذا الأمر أي كون الإمام واثنان معه يكونان في صف واحد، هذا نسخ، وصار الإمام إذا كان معه اثنان يصفان خلفه، ولكن كونه - حين كان مشروعًا - يجعل أحدهما عن اليمين والثاني عن اليسار؛ يدل على أنه ليس الأيمن أفضل مطلقًا، بل أفضل من الأيسر إذا كان مقاربًا أو مثله، أما إذا تميز بميزة بيّنة؛ فاليسار مع الدنو من الإمام أفضل.

وفي حديث الرؤيا التي رآها الرسول ، أنه كان يتسوك بسواك فجاءه رجلان فأراد أن يعطيه الأصغر، فقيل له: «كبّر كبّر». فيه دليل أيضًا على اعتبار الكبر، وأنه يقدم الأكبر في إعطاء الشيء.
ومن ذلك: إذا قدمت الطعام مثلًا أو القهوة أو الشاي فلا تبدأ باليمين، بل ابدأ بالأكبر الذي أمامك؛ لأن النبي لما أراد أن يعطيه الأصغر قيل له كبّر، ومعلوم أنه لو كان الأصغر هو الأيسر لا يذهب الرسول يعطيه إياه فالظاهر أنه أعطى الأيمن من أجل التيامن، لكن قيل له كبّر: يعني أعطه الأكبر، فهذا إذا كان الناس أمامك تبدأ بالكبير، لا تبدأ باليمين، أما إذا كانوا جالسين عن اليمين وعن الشمال فابدأ باليمين.
وبهذا يجمع بين الأدلة الدالة على اعتبار التكبير أي مراعاة الكبير، وعلى اعتبار الأيمن، أي مراعاة الأيمن، فنقول: إذا كانت القصة كما جاء عن النبي أنه كان معه إناء يشرب منه، وعلى يساره الأشياخ وعلى يمينه غلام وهو ابن عباس، فقال النبي للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء» فقال الغلام: لا والله، لا أوثر بنصيبي منك أحدًا. فأعطاه رسول الله [٧].
فإذا كان هكذا فأعطه من على يمينك، أما الذين أمامك فابدأ بالكبير، كما تدل عليه السنة، وهذا هو وجه الجمع بينهما.
ثم إن الإنسان إذا أعطاه الكبير فمن يعطي بعده؟ هل يعطي الذي على يمين الكبير ويكون عن يسار الصاب، أم الذي عن يمين الصاب؟
نقول: يبدأ بالذي عن يمين الصاب وإن كان على يسار الكبير؛ لأننا إذا اعتبرنا التيامن بعد مراعاة الكبر، فالذي على يمينك هو الذي عن يسار مقابلك فتبدأ به، ما لم يسمح بعضهم لبعض، ويقول: أعطه فلانًا. أعطه فلانًا؛ فالحق لهم، ولهم أن يسقطوه، والله أعلم.


الحمد لله رب العالمين
[١] رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف..، رقم (٤٣٢) [١٢٣].
[٢] رواه البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال، رقم (٣١٧٣)، ومسلم، كتاب القسامة، باب القسامة، رقم (١٦٦٩).
[٣] رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، رقم (١٣٤٣).
[٤] رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب السواك، رقم (٢٤٦)، ومسلم، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي ، رقم (٢٢٧١).
[٥] رواه أبو داود، كتاب الأدب في تنزيل الناس منازلهم، رقم (٤٨٤٣).
[
٦] رواه أبو داود، كتاب الخراج والإمارة، باب في إقطاع الأرضين، رقم (٣٠٧١).
[
٧] رواه البخاري، كتاب المساقاة، باب من رأى صدقة وهبته ووصيته جائزة . . .، رقم (٢٣٥١)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما..، رقم (٣٠٣٠). 
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0