شرح حديث / رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها
كتاب الجهاد
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها
١٢٩٦ - وعن
أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ قال: «لغدوة في سبيل الله، أو روحة، خير من الدنيا وما فيها»
متفق عليه.
١٢٩٧ - وعن أبي سعيد الخدري
- رضي الله عنه - قال: أتى رجل رسول الله ﷺ
فقال: أي الناس أفضل؟ قال: «مؤمن
يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله» قال: ثم من؟ قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله، ويدع الناس من شره»
متفق عليه.
١٢٩٨ - وعن سهل بن سعد - رضي
الله عنه - أن رسول الله ﷺ، قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من
الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من
الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى، أو
الغدوة، خير من الدنيا وما عليها» متفق عليه.
الشرح
سبق لنا الكلام على قوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ
أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
[الصف:١٠-١٢].
وبقي قوله تعالى: {وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ
قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: ١٣]، {وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا} يعني ولكم أخرى تحبونها.
ثم بينها بقوله:
{نَصْرٌ
مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، {نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ} ينصركم الله به على أعدائكم ولا شك أن
الإنسان إذا انتصر على عدوه فإن ذلك له حب عظيم، لأن الله تعالى يجعل عذاب عدوه
على يده كما قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ
وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ
غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ} [التوبة:
١٤-١٥] فوائد عظيمة إذا عذب الله تعالى عدوك على يديك ولهذا قال: {نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} وقد حصل هذا للمؤمنين في صدر هذه الأمة
فتح الله عليهم فتوحات عظيمة وغنموا غنائم كثيرة لأنهم قاموا بما يجب عليهم من
الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله - عز وجل - ثم قال: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} يعني: بشر بهذه الأمور كلها من كان مؤمنا
بها قائما بما يجب عليه من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله.
ثم ذكر المؤلف -
رحمه الله - أحاديث في فضل الجهاد والرباط في سبيل الله وأن الغدوة، والروحة في
سبيل الله، أو غدوة، وروحة في الرباط خير من الدنيا وما فيها، وهذا فضل عظيم خير
من الدنيا كلها من أولها إلى آخرها وما فيها.
وليس خيرا من
دنياك التي أنت تعيشها فقط بل من الدنيا وما فيها، ومن متى الدنيا من زمن لا يعلمه
إلا الله وكذلك لا يدري متى تنتهي كل هذا خير من الدنيا وما فيها.
قال: وموضع سوط
أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ويقال في ذلك ما قيل في الأول إن الدنيا
كلها من أولها إلى آخرها موضع السوط في الجنة خير منها والغدوة والروحة في سبيل
الله خير منها والرباط في سبيل الله خير منها.
وفي هذه
الأحاديث أن النبي ﷺ سأل أي الرجال خير؟ فبين أنه الرجل الذي يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه،
ثم أي قال: ورجل مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره يعني: أنه
قائم بعبادة الله كاف عن الناس، ولا يريد أن ينال الناس منه شر، وهذا أحد الأدلة
الدالة على أن العزلة خير من الخلطة مع الناس.
ولكن الصحيح في
هذه المسألة أن في ذلك تفصيلا من كان يخشى على دينه بالاختلاط بالناس فالأفضل له
العزلة، ومن لا يخشى فالأفضل أن يخالط الناس لقول النبي ﷺ: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم
خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على آذاهم».
فمثلا: إذا فسد
الزمان ورأيت أن اختلاطك مع الناس لا يزيدك إلا شرا وبعدا من الله فعليك بالوحدة،
اعتزل، قال النبي ﷺ: «يوشك أن يكون خير مال الرجل غنما يتبع بها شعث الجبال ومراتع القطر».
فالمسألة تختلف
العزلة في زمن الفتن، والشر، والخوف من المعاصي خير من الخلطة، أما إذا لم يكن
الأمر كذلك فاختلط مع الناس، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على آذاهم،
وعاشرهم ربما ينفع الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم إذا هداه الله على يديك
والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها
Reviewed by احمد خليل
on
9:12:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: