شرح حديث / والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب اللّه بكم
باب
الرجاء
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه
الله
شرح
حديث / والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب اللّه بكم
أحاديث رياض الصالحين
باب الرجاء الحديث رقم ٤٢٣ -٤٢٤- ٤٢٥ -٤٢٧- ٤٢٨ -٤٢٩- ٤٣٠
٤٢٣
- عن عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - قال: قدم رسول اللّه ﷺ بسبي فإذا امرأة من السّبي
تسعى، إذ وجدت صبيّا في السبي أخذته فألزقته ببطنها، فأرضعته، فقال رسول اللّه ﷺ: «أترون
هذه المرأة طارحة ولدها في النّار؟» قلنا: لا واللّه. فقال: «للّه أرحم بعباده من هذه بولدها» متفق عليه [1].
٤٢٤ - عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - قال: قال رسول اللّه ﷺ: «لما
خلق اللّه الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي».
وفي رواية: «غلبت غضبي» وفي رواية «سبقت غضبي» متفق عليه [٢].
٤٢٥
- عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - قال: سمعت رسول اللّه ﷺ يقول: «جعل اللّه الرّحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل
في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتّى ترفع الدّابّة حافرها عن
ولدها خشية أن تصيبه».
وفي
رواية: «إنّ للّه تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة
واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوامّ، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف
الوحش على ولدها، وأخّر اللّه تعالى تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة»
متفق عليه [٣].
ورواه
مسلم أيضا من رواية سلمان الفارسيّ - رضي اللّه عنه - قال: قال رسول اللّه ﷺ: «إنّ
للّه تعالى مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسع وتسعون ليوم
القيامة [٤]».
وفي
رواية: «إنّ اللّه تعالى خلق يوم خلق السّموات والأرض
مائة رحمة كلّ رحمة طباق ما بين السّماء إلى الأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها
تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطّير بعضها على بعض فإذا كان يوم القيامة،
أكملها بهذه الرّحمة [٥]».
٤٢٧
- عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - قال: قال رسول اللّه ﷺ: «والّذي
نفسي بيده لو لم تذنبوا، لذهب اللّه بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون اللّه
تعالى، فيغفر لهم» رواه مسلم [٦].
428
- عن أبي أيّوب خالد بن زيد - رضي اللّه عنه - قال: سمعت رسول اللّه ﷺ يقول: «لولا أنّكم تذنبون، لخلق اللّه خلقا يذنبون، فيستغفرون،
فيغفر لهم» رواه مسلم [٧].
٤٢٩
- عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - قال: كنّا قعودا مع رسول اللّه ﷺ، معنا أبو بكر وعمر - رضي
اللّه عنهما - في نفر، فقام رسول اللّه ﷺ من بين أظهرنا، فأبطأ علينا،
فخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا، فقمنا، فكنت أوّل من فزع، فخرجت أبتغي رسول اللّه ﷺ، حتّى أتيت حائطا للأنصار
وذكر الحديث بطوله إلى قوله: فقال رسول اللّه ﷺ: «اذهب
فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ اللّه، مستيقنا بها قلبه فبشّره
بالجنّة» رواه مسلم [٨].
٤٣٠
- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص - رضي اللّه عنهما - أن النّبيّ ﷺ تلا قول اللّه عزّ وجلّ في
إبراهيم ﷺ:
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللْنَ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ
فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36]، وقول عيسى ﷺ: {إِنْ
تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ
الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فرفع يديه وقال: «اللّهمّ أمّتي أمّتي» وبكى، فقال اللّه عزّ وجلّ: «يا جبريل إذهب إلى محمّد وربّك أعلم، فسله ما يبكيه؟»
فأتاه جبريل فأخبره رسول اللّه ﷺ
بما قال: وهو أعلم، فقال اللّه تعالى: «يا جبريل اذهب
إلى محمّد فقل: إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوؤك» رواه مسلم [٩].
الـشـرح
هذه
الأحاديث في باب الرجاء، ذكرها المؤلف رحمه الله وهي كثيرة جدًا منها: أن الله -
سبحانه وتعالى - أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ودليل ذلك قصة المرأة التي كانت
في السبي فرأت صبيًا، فأخذته وألصقته على صدرها وأرضعته. فقال النبي ﷺ: «أترون
هذه المرأة طارحة ولدها في النار». قالوا لا. قال: «فالله أرحم بعباده من هذه بولدها».
وهذا
من تمام رحمته سبحانه وتعالى.
وآيات
ذلك كثيرة، منها النعم التي تترى علينا، وأعظمها نعمة الإسلام، فإن الله تعالى أضل
عن الإسلام أممًا، وهدى عباده المؤمنين لذلك وهي أكبر النعم.
ومنها:
أن الله أرسل الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل.
وكذلك
ذكر المؤلف الأحاديث التي فيها أن رحمة الله سبقت غضبه، ولهذا يعرض الله - عز وجل
- المذنبين أن يستغفروا ربهم، حتى يغفر لهم، ولو شاء لأهلكهم ولم يرغبهم في
التوبة. {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا
كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمّىً} [فاطر: 45]، ولهذا قال في الحديث الذي رواه
مسلم، قال: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم
يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم».
وهذا
ترغيب في أن الإنسان إذا أذنب، فليستغفر الله، فإنه إذا استغفر الله - عز وجل -
بنية صادقة، وقلب موقن فإن الله تعالى يغفر له، {قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]ومنها: أن النبي ﷺ لما تلا قول إبراهيم عليه
الصلاة والسلام في الأصنام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ
أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ
عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وقول عيسى:
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ
تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:
118]؛ رفع ﷺ
يديه وبكى، وقال: «يا رب؛
أمتي أمتي» فقال الله - سبحانه وتعالى – لجبريل: «اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك».
وقد
أرضاه الله - عز وجل - في أمته، بأن جعل لهذه الأمة أجرها مضاعفًا، كما جاء في
الحديث الصحيح: «أن مثل الأمة مع من سبقها، كمثل رجل
استأجر أجراء، من أول النهار إلى الظهر، فأعطاهم على دينار دينارًا، واستأجر أجراء
من الظهر إلى العصر وأعطاهم على دينار دينارً، واستأجر أجراء من العصر إلى الغروب
وأعطاهم على دينارين دينارين، فاحتج الأولون وقالوا: كيف تعطينا على دينار دينار
ونحن أكثر منهم عملًا وتعطي هؤلاء على دينارين دينارين» [١٠].
فقال
لهم الذي استأجرهم: هل ظلمتكم شيئًا؟ قالوا: لا.
إذًا
لا لوم عليه في ذلك؛ ففضل الله على هذه الأمة كثير.
وقد
أرضاه الله في أمته ولله الحمد من عدة وجوه، منها كثرة الأجر، وأنهم الآخرون
السابقون يوم القيامة، وأنها فضلت بفضائل كثيرة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب
مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي»
[11].
فهذه
الخصائص له ولأمته عليه الصلاة والسلام. فالحاصل أن هذه الأحاديث التي ذكرها
المؤلف رحمه الله، كلها أحاديث رجاء، تحمل الإنسان على أن يعمل العمل الصالح، يرجو
بذلك ثواب الله ومغفرته.
الحمد لله رب العالمين
[1]
رواه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم (5999)، ومسلم،
كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى. . .، رقم (2754).
[٢]
رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
نَفْسَهُ)، رقم (7404)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله رقم (2751).
[٣]
رواه البخاري، كتاب الأدب، باب جعل الله الرحمة مائة جزء، رقم (6000)، ومسلم، كتاب
التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى.، رقم (2752).
[٤]
رواه مسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمه الله تعالى. . .، رقم (2753).
[٥]
رواه مسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى. . .، رقم (2753) [21].
[٦]
رواه مسلم، كتاب التوبة، باب سقوط الذنب بالاستغفار توبة، رقم (2749).
[٧]
رواه مسلم، كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة، رقم (2748).
[٨]
رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على لأن من مات على التوحيد دخل الجنة، رقم
(31).
[٩]
رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، رقم (202).
[١٠]
رواه البخاري، كتاب الإجازة، باب الإجازة إلى نصف النهار، رقم (2268).
[١١]
رواه البخاري، كتاب التيمم، باب وقول الله تعالى (النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا
مَاءً. . .،)، رقم (335)، ومسلم، كتاب المساجد، دون ذكر الباب رقم (521).
شرح حديث / والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب اللّه بكم
Reviewed by احمد خليل
on
12:58:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: