باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام
كتاب الفضائل - باب وجوب صوم رمضان
وبيان فضل الصيام وما يتعلق به
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
باب
وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام
باب وجوب صوم رمضان وبيان
فضل الصيام وما يتعلق به
قال
الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}
[البقرة:١٨٣].
إلى
قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن
شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٥] الآية.
الشرح
قال
المؤلف- رحمه الله -في كتابه رياض الصالحين باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصوم وما
يتعلق به.
ذكره
رحمه الله بعد الكلام على الزكاة لأن هذا هو الترتيب الذي جاء في حديث عمر بن الخطاب-
رضي الله عنه -في مسألة جبريل النبي ﷺ
عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها.
صوم
رمضان: هو التعبد لله- سبحانه وتعالى -بترك الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى
غروب الشمس هذا هو الصيام أن يتعبد الإنسان لله بترك هذه الأشياء لا أن يتركها على
العادة أو من أجل البدن ولكنه يتعبد لله بذلك يمسك عن الطعام والشراب والنكاح وكذلك
سائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من هلال رمضان إلى هلال شوال.
وصيام
رمضان أحد أركان الإسلام هذه منزلته في دين الإسلام وهو فرض بإجماع المسلمين لدلالة
الكتاب والسنة على ذلك.
ثم
ذكر المؤلف الآيات التي تدل على هذا فقال: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ} فوجه الله
الخطاب للمؤمنين لأن صيام رمضان من مقتضيات الإيمان ولأن صيام رمضان يكمل به الإيمان
ولأن ترك صيام رمضان ينتقص به الإيمان.
واختلف
العلماء فيما لو تركه تهاونا أو كسلا هل يكفر أم لا؟ والصحيح أنه لا يكفر وأنه لا يكفر
الإنسان بترك شيء من أركان الإسلام سوى الشهادتين والصلاة وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أي: فرض وقوله: {كَمَا كُتِبَ} أي: كما فرض {عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} وإنما ذكر الله تعالى أنه فرض على
من قبلنا ولم يذكر مثل ذلك في الصلاة لأن الصيام فيه مشقة فيه تعب فيه ترك المألوف
ولا يخفى أنه في أيام الحر وطول النهار يكون شديدا على النفوس فذكر الله أنه فرضه على
من قبلنا تسلية لنا لأن الإنسان إذا علم أن هذا الشيء له ولغيره هان عليه وذكره أيضا
من أجل أن يبين أنه جل وعلا أكمل لنا الفضائل كما أكمل لمن سبقنا ما شاء من الفضائل.
وقوله:
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي: لأجل أن تتقوا الله،
لأن الصيام جنة.
يقيك
من المعاصي، ويقيك من النار لأن من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي من أجل التقوى وهذه
هي الحكمة من إيجاب الصوم ويدل على هذا قوله ﷺ: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع
طعامه وشرابه) لأن الله لم يرد أن يعذب العباد بترك ما يشتهون ويألفون ولكنه
أراد أن يدعوا قول الزور والعمل به والجهل.
ثم
قال: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} ذكرها على وجه
التقرير ليبين أن المسألة ليست شهورا ولا سنوات ولكنها أيام وليست طويلة أياما معدودات.
{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وهذا أيضا تفسير آخر، أولا: الأيام قليلة أيام معدودة
ثانيا: أن من كان يشق عليه الصوم أو سافر فإنه يفطر وعليه عدة من أيام أخر.
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} وهم مقيمون {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ
خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} هذا في أول الأمر أول ما فرض
الله الصوم قال للذين يطيقونه عليكم فدية طعام مسكين فإن تصدقتم فهو خير لكم وأن تصوموا
خير لكم فخير الله الناس في أول الأمر بين أن يصوم الإنسان أو يطعم عن كل يوم مسكينا
ثم تعين الصيام في الآية التي بعدها.
{إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إن كنتم من ذوي العلم الذين
يفهمون.
ووجه
ذلك أن الصوم أشق على كثير من الناس من إطعام المسكين فلما كان أشق علم أنه أفضل لأن
الإنسان إذا عمل عبادة شاقة بأمر الله كان أجرها أعظم ومن ثم كان الأبعد من المسجد
أعظم أجرا من الأدنى من المسجد لأنه أكثر عملا لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يطلب المشقة
في العبادات التي يسرها الله هذا من التنطع في الدين لكن إذا كلفك الله بعبادة وشقت
عليك صار هذا أعظم أما أن تتطلب المشقة كما يفعل بعض الجهال في أيام الشتاء مثلا يذهب
فيتوضأ بالماء البارد يقول: لأن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات
ويمحو به الخطايا نقول: يا أخي ما هذا أراد الرسول ﷺ إنما أراد الرسول ﷺ أن الإنسان إذا توضأ بماء
بارد في أيام الشتاء كان أعظم أجرا ولكنه لم يقل: اقصد الماء البارد فإذا من الله عليك
بالماء الساخن تستطيع أن تسبغ الوضوء فيه إسباغا كاملا فهذا أفضل.
{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا} والمرض ثلاثة أقسام:
1
- قسم مرضي لا يرجى برؤه بل هو مستمر فهذا لا صيام على المريض ولكن عليه أن يطعم عن
كل يوم مسكينا لأنه من جنس الكبير العاجز عن الصوم الذي لا يرجى زوال عجزه.
2
- القسم الثاني: المريض مرضا يضره الصوم، ويخشى عليه أن يهلك به كمريض لا يستطيع الاستغناء
عن الماء مثل بعض أنواع المرض السكري وما أشبه ذلك فهذا يحرم عليه الصوم لقول الله
تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:٢٩].
3
- والقسم الثالث: مرض يشق معه الصوم لكن لا ضرر فيه والأفضل أن يفطر ولا يصوم ويقضي
بعد ذلك وأما المرض الذي لا يتأثر به الصيام كمرض العين اليسير ومرض السن وما أشبه
ذلك فإنه لا يجوز فيه الفطر لأن الحكمة من الرخصة هي إزالة المشقة وهذا لا مشقة عليه
إطلاقا فلا يحل له الفطر والأصل وجوب الصوم في وقته إلا بدليل بين واضح يبيح للإنسان
أن يفطر ثم يقضي بعد ذلك.
وأما
السفر فإنه ينقسم كالمرض أيضا إلى ثلاثة أقسام:
قسم
يضره الصوم ويشق عليه مشقة شديدة بسبب سفره مثل أن يسافر في أيام الحر والأيام الطويلة
ويعلم أن لو صام لتضرر به وشق عليه مشقة غير محتملة فهذا يكون عاصيا إذا صام والدليل
لذلك أن النبي ﷺ
شكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصوم وهم في سفر فدعا بماء فشربه والناس ينظرون إليه
حتى لا يكون في صدورهم حرج إذا أفطروا وكان ذلك بعد العصر ولكن بعض الصحابة رضي الله
عنهم بقوا على صومهم فجيء إلى النبي ﷺ وقيل له إن بعض الناس قد
صام فقال: (أولئك العصاة، أولئك العصاة) فوصفهم
بالعصيان لأنهم لم يقبلوا رخصة الله مع مشقة ذلك عليهم مشقة شديدة.
والقسم
الثاني من يشق عليه مشقة ولكنها محتملة فهذا يكره له الصوم وليس من البر أن يصوم ودليل
ذلك أن النبي ﷺ
كان في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، قال: (ما هذا؟)
قالوا: صائم، فقال ﷺ:
(ليس من البر الصيام في السفر).
والقسم
الثالث: من لا يتأثر بالسفر إطلاقا يعني صائم ولا يتأثر لأن النهار قصير والجو بارد
ولا يهمه فهذا اختلف فيه العلماء أيهما أفضل يفطر أو يصوم أو يخير والصحيح أن الأفضل
أن يصوم لأن ذلك أشد اتباعا لسنة النبي ﷺ ولأنه أيسر على المكلف
فإن الصيام مع الناس أيسر من القضاء ولأنه أسرع في المبادرة في إبراء الذمة ولأنه يوافق
الزمن الذي يكون فيه الصوم أفضل وهو شهر رمضان فمن أجل هذه الأربعة كان الصوم أفضل.
قال
أبو الدرداء- رضي الله عنه -كنا مع النبي ﷺ في رمضان في حر شديد حتى
إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وكان الصيام في السفر وأكثرنا ظلا صاحب الكساء
وما فينا صائم إلى رسول الله وعبد الله بن رواحة.
هذا
حكم الصوم في السفر والسفر عام فيمن يسافر للعمرة أو يسافر لغير ذلك وفيمن سفره دائم
وسفره عارض وعلى هذا فإن أصحاب سيارات الحمولة يفطرون ولو كان سفرهم مستمرا لأن لهم
وطنا يأوون إليه فإذا فارق الرجل الوطن فهو مسافر فإن سأل سائل متى يصومون قلنا يصومون
في أيام الشتاء أو إذا قدموا إلى بلدهم.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات
النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام
Reviewed by احمد خليل
on
5:07:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: