كتاب
الفضائل باب فضل صلاة الجماعة
شرح العلامة
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث
ابن مسعود / من سره أن يلقي الله تعالى غدا مسلما
أحاديث
رياض الصالحين: باب فضل صلاة الجماعة الحديث.
١٠٧٦
- وعن ابنِ مسعودٍ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- قال: مَنْ سَرَّه أَن يُلْقِي اللَّه تَعَالَى غدًا مُسْلِمًا
فَلْيُحَافِظْ عَلى هَؤُلاءِ الصَّلَوات حَيْثُ يُنادَى بهنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ
شَرَعَ لِنَبِيِّكم ﷺ سَنَّنَ الهُدَى
وَإِنَّهُنَّ مِن سَنَّنَ الهُدى، وَلَو أَنَّكُمْ صلَّيْتم في بُيوتِكم
كَمَا يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّف فِي بَيتِهِ لَتَركتم سُنَّة نَبِيِّكم، ولَو
تَركتم سُنَّةَ نَبِيِّكم لَضَلَلْتُم، ولَقَد رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّف عَنها إِلَّا مُنَافِقٌ
مَعْلُومُ النِّفَاق، وَلَقَدْ كانَ الرَّجُل يُؤْتَى بِهِ، يُهَادَي بيْنَ
الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ. رَوَاهُ مُسلِم.
وفي رواية له قال: إنْ رَسولَ اللهِ ﷺ عَلَّمَنَا سُنَنَ
الهُدَى، وإنَّ مِن سُنَنَ الهُدَى الصَّلَاةَ في المَسْجِدِ الذي يُؤَذَّنُ فِيهِ.
الشرح:
ساق
المؤلف رحمه الله، في باب فضل الجماعة: هذا الأثر عن عبد الله بن مسعود -رضي الله
عنه- هذا الأثر الذي كأنما يخرج من مشكاة النبوة كأنه من كلام الرسول ﷺ في سلاسته وحسنه
ونظمه يقول -رضي الله عنه-: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هذه
الصلوات حيث ينادى بهن وكلنا يسره أن يلقى الله تعالى مسلما مؤمنا به -جل وعلا-
فمن أراد ذلك فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن أي: في المكان الذي
نادى به عليهن أي: المسجد، وذلك لوجوب صلاة الجماعة في المسجد فلا يجوز لأحد يقدر
على أن يصلي في المسجد إلا وجب عليه إذا كان من أهل وجوب الجماعة كالرجال.
ثم
ذكر -رضي الله عنه- أن الله سبحانه وتعالى، شرع لنبيه ﷺ سنن الهدى يعني: طرق
الهدى فكل ما جاء به النبي ﷺ
فهو هدى ونور شرعه الله له، وإنهن يعني: الصلوات الخمس من سنن الهدى، وصدق -رضي
الله عنه- بل الصلوات الخمس أعظم سنن الهدى بعد الشهادتين؛ لأن الصلاة أعظم أركان
الإسلام بعد الشهادتين.
ثم
قال: لو أنكم صليتم في بيوتكم كما صلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو
تركتم سنة نبيكم لضللتم يعني: لو أن كل واحد صلى في بيته كما صلى هذا المتخلف
لتركنا السنة، ولتعطلت المساجد، ولأنقطع الناس بعضهم عن بعض ولا تعارفوا ولا
تآلفوا ولا حصل هذا المظهر العظيم في الدين الإسلامي، ولكن من رحمة الله وحكمته أن
شرع للعباد أن يصلوا جماعة كل يوم خمس مرات تلقى أخاك تسلم عليه ويسلم عليك،
وتقتدي معه على إمام واحد فهي نعمة عظيمة من أعظم روابط الأخوة في المودة والمحبة.
ثم
قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق، والمنافقون كثيرون لاسيما إذا اعتز
الإسلام وقوي ما استطاع الإنسان أن يعلن كفره ولهذا لم يبرز النفاق ولم يكثر في
عهده ﷺ
إلا حين انتصر المسلمون في غزوة بدر لما انتصر المسلمون في غزوة بدر في السنة
الثانية من الهجرة بدأ النفاق يظهر، خاف الكفار على أنفسهم فصاروا يعلنون الإسلام
حتى إنهم يأتون إلى الرسول ﷺ
يقولون: نشهد إنك لرسول الله فيقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ
يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] يعني: ما قالوا صدقا بل قالوا بألسنتهم ما
ليس في قلوبهم.
قول:
ما يتخلف عنها إلا منافق لماذا يتخلف المنافق؛ لأن المنافق لا يرجو ثوابا ولا يؤمن
بالحساب فلا يحضرها، ولهذا قال الرسول ﷺ: «أثقل الصلوات على المنافقين العشاء والفجر»؛ لأن
صلاة العشاء لا يرى فيها الذي يتخلف. ففي عهد النبي ﷺ لم يكن يوجد كهرباء
ولا أنوار فيتخلف الإنسان ولا يدري عنه ثم إن صلاة العشاء والفجر تأتي في وقت
الراحة والنوم فهي ثقيلة على المنافقين لا يأتون إليها، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما
ولو حبوا.
ثم
ذكر -رضي الله عنه- أن الرجل من المسلمين يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في
الصف. فهو رجل مريض لا يستطيع أن يمشي وحده
يهادونه يمشون به رويدا، رويدا حتى يقام في النصف فيصلي مع الجماعة -رضي
الله عنهم- وبهذه الأعمال وغيرها ملكوا مشارق الأرض ومغاربها ولما تخلفت الأمة
الإسلامية واختلفت قلوبها صارت إلى ما ترون الآن أمة ذليلة على أنهم يبلغون مليارا
من البشر ومع ذلك هم في أذل ما يكون من الأمم؛ لأنهم متفرقون بل بعضهم متعادون بل
بعضهم يرى أن الآخر أشد عليه من اليهود والنصارى والعياذ بالله؛ لأنهم متنازعون
متفرقون، لكن في عهد الرسول ﷺ
لا يمكن أن يتخلف أحد عن الجماعة حتى ولو كان مريضا يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى
يقام في الصف فلو أننا عدنا إلى ما كان الصحابة عليه لصرنا أمه عزيزة مرموقة كل
يخافها وكل يصانعها وكل يتودد إليها، نسأل الله أن يعيد لنا مجدنا لديننا ويعيد
لنا كرامتنا إنه على كل شيء قدير.
الحمد لله رب
العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال