شرح حديث/ أريت أن قتلتُ في سبيل الله
أحاديث رياض الصالحين باب تحريم
الظلم والأمر بردّ المظالم
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ أريت أن قتلتُ في سبيل الله
شرح حديث/ كلا
إني رايته في النار في بردة غلها
أحاديث رياض الصالحين
باب تحريم الظلم والأمر بردّ المظالم الحديث رقم 221 -222
221
-عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفرٌ من أصحاب النبي ﷺ فقالوا: فلانٌ شهيدٌ، وفلانٌ شهيدٌ،
حتى مروا على رجل فقالوا: فلانٌ شهيدٌ. فقال النبي ﷺ:) كلا إني رأيتهُ في
النار في بُردةٍ غلها -أو عباءة (رواه
مسلم [1].
222
-عن أبي قتادة الحارث بن ربعي-رضي الله عنه -عن رسول الله ﷺ أنه قام فيهم، فذكر لهم إن الجهاد
في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، أريت
أن قتلتُ في سبيل الله، تكفرُ عني خطاياي؟ فقال له رسول الله ﷺ:) نعم إن قتلت في سبيل
الله وأنت صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غير مدبر (ثم
قال رسول الله ﷺ:) كيف قلت؟ (قال:
أرايت
إن قتلتُ في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله ﷺ :) نعم وأنت صابرٌ
محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبرٍ إلا الدّين فإن جبريل قال لي ذلك (رواه
مسلم [2].
الشرح
قال
المؤلف -رحمه الله -في بيان فضيلة الجهاد في سبيل الله والشهادة، فالجهاد في سبيل
الله ذروة سنام الإسلام، كما أخبر بذلك النبي ﷺ
والشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، وكذلك إذا غلّ الإنسان شيئًا مما
غنمه يعني أخفاه وجحده، ففي الحديث الأول أن نفرًا من أصحاب النبي ﷺ يوم خيبر أقبلوا -يعني على النبي ﷺ وهم يقولون: فلان شهيد، فلان شهيد حتى مروا على
رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال النبي ﷺ: "كلا". الحديث.
والبردة
نوع من الثياب، العباءة معروفة، غلها: يعني كتمها، غنمها من أموال الكفار وقت
القتال، فكتمها يريد أن يختص بها لنفسه، فعُذب بها في نار جهنم، وانتفت عنه هذه
الصفة العظيمة وهي الشهادة؛ لأن النبي ﷺ قال:
" كلا"، يعني ليس بشهيد؛ لأنه غلّ
هذا الشيء البسيط، فأحبط جهاده، نسأل الله العافية، وصار في النار، قال الله
تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا
غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
]آل عمران: 161[، ففي هذا دليلٌ على أنه لا ينبغي لنا أن
نحكم على شخص بأنه شهيد، وإن قُتل في معركة بين المسلمين والكفار، لا نقول: فلان
شهيد لاحتمال أن يكون غل شيئًا من الغنائم أو الفيء، ولو غلّ قرشًا واحدًا، أو
مسمارًا زال عنه اسم الشهادة، وكذلك لاحتمال أن تكون نيته غير صواب، بأن ينوي بذلك
الحمية أو أن يُرى مكانُه.
ولهذا
سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الرجل يُقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليُرى
مكانُه. أي ذلك في سبيل الله؟ قال: " من قاتل
لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " [3]، والنية أمر باطني
في القلب لا يعلمه إلا الله.
ولهذا
قال النبي عليه الصلاة والسلام: " ما من مكلوم
يكلم في سبيل الله "، أي ما من مجروح يجرح في سبيل الله، " والله
أعلم بمن يكلم في سبيله"، انتبه لهذه القضية جيدًا، قد نظن أنه يقاتل في سبيل
الله ونحن لا نعلم، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، " إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثغب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك"[4].
ولهذا
ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه قال: باب لا يُقال فلان شهيد، يعني لا تعين وتقول
فلان شهيد إلا إذا عينه الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ذكر عند الرسول ﷺ وأقره، فحينئذ يحكم بشهادته بعينه، وإلا فلا تشهد
لشخص بعينه.
ونحن
الآن في عصرنا هذا أصبح لقب الشهادة سهلًا ويسيرًا، كل يُعطى هذا الوسام، حتى لو
قتل ونحن نعلم أنه قتل حمية وعصبية، ونعلم عن حاله بأنه ليس بذاك الرجل المؤمن، مع
ذلك يقولون: فلان شهيد، استشهد فلان.
وقد
نهى عمر رضي الله عنه أن يقال: فلان شهيد، قال: إنكم تقولن: فلان شهيد، فلان قُتل
في سبيل الله، ولعله يكون كذا وكذا، يعني غلّ، ولكن قولوا: من قتل في سبل الله أو
مات فهو شهيد. عمم،
أما قول فلان شهيد، وإن كان في المعركة يتشحط بدمه، فلا تقل شهيدًا، علمه عند
الله، قد يكون في قلبه شيء لا نعلمه. ثم نحن شهدنا أو لم نشهد، أن كان شهيدًا عند
الله فهو شهيد وإن لم نقل إنه شهيد، وإن لم يكن شهيدًا عند الله فليس بشهيد وإن
قلنا إنه شهيد، وإذا نقول: نرجو أن يكون فلان شهيدًا، أو نقول عمومًا: من قتل في
سبيل الله فهو شهيد وما أشبه ذلك.
أما
الحديث الثاني ففيه دليلٌ على أن الشهادة إذا قاتل الإنسان في سبيل الله صابرًا
محتسبًا مقبلًا غير مدبر فإن ذلك يكفر عنه خطيئاته وسيئاته إلا الدّين، إذا كان
عليه دين فإنه لا يسقط بالشهادة؛ لأنه حق آدمي، وحق الآدمي لا بدَّ من وفائه.
وفي
هذا دليلٌ على عظم الدّين، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يتساهل به، ومع الأسف أننا في
عصرنا الآن يتساهل الكثير منا في الدّين، فتجد البعض يشترى الشيء وهو ليس في حاجة
إليه، بل هو من الأمور الكمالية، يشتريه في ذمته بالتقسيط أو ما أشبه ذلك، ولا
يهمه هذا الأمر.
وقد
تجد إنسانًا فقيرًا يشترى سيارة بثمانين ألفًا أو يزيد، وهو يمكنه أن يشتري سيارة
بعشرين ألفًا، كل هذا من قلة الفقه في الدّين، وضعف اليقين، احرص على ألا تأخذ
شيئًا بالتقسيط، وإن دعتك الضرورة إلى ذلك فاقتصر على أقل ما يمكن لك، الاقتصار
عليه بعيدًا عن الدّين. نسأل الله أن يحمينا وإياكم مما يغضبه، وأن يقضي عنا وعنكم
دينه ودين عباده.
الحمد لله رب العالمين
1-أخرجه مسلم، كتاب
الإيمان، باب غلظ تحريم الغلول. رقم (114).
2-أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب من
قتل في سبيل الله. رقم (1885).
3-تقدم تخريجه ص (27).
4-تقدم تخريجه ص (28).
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل
الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث/ أريت أن قتلتُ في سبيل الله
Reviewed by احمد خليل
on
1:19:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: