شرح حديث / وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله
كتاب
الفضائل -باب
استحباب الاجتماع على القراءة
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
باب
استحباب الاجتماع على القراءة الحديث رقم 1030
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله،
ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة،
وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.
الشرح
قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين)
باب استحباب الاجتماع على تلاوة القرآن يعني بذلك أنه من المستحب أن الناس يجتمعون
على تلاوة القرآن كما يوجد الآن في حلقات تحفيظ القرآن في المساجد فإن هذا النوع
يجتمعون يتعلمون القرآن ويعلمونه فإن هذا مما ندب إليه النبي ﷺ
وذلك فيما رواه أبو هريرة عنه ﷺ أنه قال (وما اجتمع قوم في
بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة
وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) هذه أربعة أشياء
تترتب على هذا الاجتماع بقوله ﷺ )ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله(وبيوت الله في الأرض المساجد قال الله تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ
تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ
الزَّكَاةِ ﴾ ]سورة النور:36-37[وأضاف الله هذه الأماكن إلى نفسه تشريفا وتعظيما ولأنها
محل ذكره وتلاوة كلامه والتقرب إليه بالصلاة وإلا فهو سبحانه وتعالى فوق عرشه فوق
سماوته لا يحل في شيء من خلقه ولا يحل فيه شيء من خلقه جل وعلا لكن هذه الإضافة
للتشريف.
وقد قال العلماء رحمهم الله المضاف إلى الله نوعان صفة
لا تقوم إلا بمحل فهذه تكون من صفات الله عز وجل مثل عزة الله قدرة الله كلام الله
سمع الله بصر الله هذه صفة لا تقوم إلا بموصوف فتكون من صفات الله عز وجل.
الثاني شيء بائن من الله عز وجل مخلوق فهذا ليس من صفات
الله وإنما هو مضاف إليه عز وجل على سبيل التشريف والتكريم مثل مساجد الله بيوت
الله ناقة الله ومثل قوله تعالى في آدم﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾] سورة الحجر:29[كذلك في
عيسى ابن مريم فإن الروح شيء بائن من الله تعالى مخلوق من مخلوقاته لكن أضيف إليه
على سبيل التشريف والتكريم.
وقوله: ﷺ) يتلون كتاب الله(تلاوة
كتاب الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 -تلاوة اللفظ 2 -تلاوة المعنى 3 -تلاوة العمل
أما تلاوة اللفظ فمعروف يقرأ هذا وهذا، وهذا وهي على
نوعين:
1 -أن يقرأ القارئ صفحة أو صفحتين ثم يتابع الباقون
يقرءون نفس ما قرأ وهذا غالبا يكون في التعليم.
2 -أن يقرأ القارئ صفحة أو صفحتين ثم يقرأ الثاني بعده
صفحة أو صفحتين غير ما قرأهما الأول وهلم جرا.
فإن قال قائل هذا النوع الثاني يفوت فيه ثواب بعضهم لأن
ما قرأه هذا غير ما قرأه ذاك فيقال لا يفوته شيء لأن المستمع كالقارئ له ثوابه
ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى في سورة يونس في قصة موسى ﷺ
حين دعا على آل فرعون ﴿ رَبَّنَا
اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا
حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾] سورة يونس:88[القائل هو
موسى كما في أول الآية: ﴿
وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا
إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ
أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا
الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾] سورة يونس:88[فقال الله
تعالى: ﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَت
دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ ﴾ ]سورة يونس:89[الداعي
واحد لكن قال العلماء إن هارون كان يستمع ويؤمن على دعائه فكان الدعاء لهما جميعا.
أما التلاوة المعنوية فأن يتدارس هؤلاء القوم كلام الله
عز وجل ويتفهموا معناه وقد كان السلف الصالح لا يقرءون عشر آيات حتى يتفهموها وما
فيها من العلم والعمل.
أما القسم الثالث من التلاوة فهي تلاوة العمل وهذه هي
المقصود الأعظم للقرآن الكريم كما قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾] سورة ص:29[العمل بما
جاء في القرآن وذلك بتصديق ما أخبر الله به والقيام بما أمر به والبعد عما نهى عنه
هذه التلاوة العملية لكتاب الله عز وجل يقول ﷺ
)إلا نزلت عليهم السكينة(، السكينة شيء يقذفه الله عز وجل في القلب فيطمئن ويوقن ويستقر ولا
يكون عنده قلق ولا شك ولا ارتياب هو ذاته مطمئن وهذه من أكبر نعم الله على العبد
أن ينزل السكينة في قلبه بحيث يكون مطمئنا غير قلق ولا شاك راضيا بقضاء الله وقدره
مع الله عز وجل في قضائه وقدره إن أصابته ضراء صبر وانتظر الأجر من الله وإن
أصابته سراء شكر وحمد الله على ذلك مطمئن مستقر مستريح هذه السكينة نعمة عظيمة
نسأل الله أن ينزل في قلوبنا وقلوبكم السكينة وقد قال الله تعالى: ﴿ هُوَ
الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا
مَّعَ إِيمَانِهِمْ
﴾] سورة الفتح:4[فهي من
أسباب زيادة الإيمان وغشيتهم الرحمة يعني غطتهم والغشيان بمعنى الغطاء كما قال
تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ﴾] سورة الليل:1[يعني يغطي
الأرض بظلامه غشيتهم الرحمة أي رحمة الله عز وجل فتغشاهم وتحيط بهم وتكون لهم
بمنزلة الغطاء الشامل لكل ما يحتاجون إليه من رحمة الله عز وجل )وحفتهم الملائكة( أحاطت بهم
يستمعون الذكر ويكونون شهداء عليهم )وذكرهم الله فيمن عنده( يذكرهم الله
تعالى في الملأ الأعلى وهذا كقوله تعالى في الحديث القدسي )من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه( وهذا الحديث يدل على فضيلة الاجتماع على كتاب الله عز وجل والله
الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله
Reviewed by احمد خليل
on
8:06:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: