شرح حديث/ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني

الأربعين النووية

شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

شرح حديث/ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني

الحديث الثاني والأربعون: سعة مغفرة الله.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آَدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابْنَ آَدَم، لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آَدَمَ، إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَ تُشْرِك بِيْ شَيْئَاً، لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحَيْحٌ.

 

الشيخ:

اَلحدِيث الثَّاني والْأرْبعون: عن أنس بْن مَالِك -رَضِي اَللَّه عَنْه- قال: سُمعَت رَسُول اَللَّه ﷺ يَقُول: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آَدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ»؛ أيٌّ: إِذَا كان يَدعُوه ويضْرع إِلَيه ويرْجو رحْمته عن تَوبَة وعن إِقلَاع، لاَ مُجرَّد كَلَام؛ فالتَّوْبة هِي اَلتِي تَمحُو الذُّنوب، فَإذَا كان دعَا دَعوَة صَادِقة وَرَجاء، فَإِن هذَا يَكُون معه النَّدم والْإقْلاع؛ وَلِهذَا قال: «غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ» فالدُّعاء والرَّجاء مع التَّوْبة الصَّادقة يَمحُو اَللَّه بِهَا الذُّنوب.

 

وهكذَا قوْله -جلَّ وَعلَا-: «لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ»؛ يَعنِي: اِسْتغْفار معه التَّوْبة، معه النَّدم، أَمَّا مُجرَّد كَلَام مع الإصْرار على الذُّنوب فلَا يَكفِي؛ وَلِهذَا قال سُبْحانه فِي كِتابه اَلكرِيم: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عِمْرَان: ١٣٥].

 

وهكذَا قوْله -جلَّ وَعلَا-: «إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَ تُشْرِك بِيْ شَيْئَاً، لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً»؛ أيٍّ: مِن يَلْق اَللَّه لاَ يُشْرِك بِه شيْئًا، قد أَخلُص لِلَّه سُبْحانه وَتَعالَى، وعبْده عن صِدْق وإيمَان؛ فَإِن اَللَّه تَعالَى يَغفِر لَه، لَكِن إِذَا كان توْحيده قد أَضعَفه بِالذُّنوب؛ قد جُرحَه بِالذُّنوب والسَّيِّئات، فتوْحيده وإيمانه يَكُون ضعيفًا، لاَ يَقوَى على تخْليصه مِن عَذَاب اَللَّه؛ إِلَّا أن يَعفُو اَللَّه عَنْه، كمَا قال سُبْحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النِّسَاء: ٤٨].

 

وقد ثبتَ فِي الأحاديث المتواترة أنَّ كثيرًا مِن أَهْل المعاصي لاَ يَغفِر لَهُم؛ بل يُعذِّبون ويمحَّصون فِي النَّار على قَدْر ذُنوبِهم، ويبْقون فِيهَا مَا شاء اَللَّه، كُلٌّ على قَدْر ذَنبِه، ثُمَّ يَشفَع فِيهم الشُّفعاء، ويخْرجهم اَللَّه بِرحْمَته؛ لِأنَّهم مَاتُوا على التَّوْحيد، ودخلوا النَّار بِالْمعاصي اَلتِي أَوجَبت دُخولَهم النَّار، فيخْرج اَللَّه بقيَّتَهم بِفَضل رَحمَتِه سُبْحانه وَتَعالَى، ولَا يَبقَى فِي النَّار إِلَّا من كان مِن أَهْل اَلكُفر بِاللَّه الَّذين مَاتُوا على غَيْر التَّوْحيد، فَهؤُلاء هُم المخلَّدون فِيهَا أبد الآبَاد، نَسأَل اَللَّه العافية، كمَا قال اَللَّه سُبْحانه وَتَعالَى فِي حَقهِم: {كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقَرة: ١٦٧]، وَقَال سُبْحانه وَتَعالَى: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [المائدة: ٣٧]، هَذِه حال الكفَرة المشْركين الَّذين مَاتُوا على غَيْر التَّوْحيد، نَسأَل اَللَّه السَّلامة، وَفْق اَللَّه اَلجمِيع.

الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال