شرح حديث/ إن الله تعالى قال من عادى لي وليا - الأربعين النووية
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحديث الثامن والثلاثون: جزاء معادات الأولياء.
عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي
وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ
أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْه، ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ
إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ
الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي
يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ
لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ». رواه البخاري.
الشرح:
اَلحدِيث الثَّامن والثَّلاثون: عن
أَبِي هُريْرَة -رَضِي اَللَّه عَنْه- قال: قال رَسُول اَللَّه ﷺ:
«إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ
بِالحَرْبِ» أيٌّ: أعْلنَتْه بِالْحَرْب؛ هِي حَرْب لِي.
والْمؤْمنون هُم أَولِياء اَللَّه
إِذَا أطاعوه واتَّبعوا شريعَته، قال تَعالَى: {أَلَا
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)
الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونُس: ٦٢-٦٣].
وَقَال اَلنبِي ﷺ:
«أَلَّا إِن آل أَبِي، يَعنِي: فُلَانا، لَيسُوا لَيّ بِأوْلياء، وَإِنمَا وليِّي
اَللَّه وَصالِح المؤْمنين».
فالْمسْلم إِذَا أَطَاع اَللَّه
وَرسُوله فَهُو وَلِي لِلَّه، وَهُو اَلذِي قال فِيه اَلنبِي ﷺ
يَقُول اَللَّه: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً»؛ يَعنِي: مُؤْمِنا، «فَقَدْ
آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ» فَالذِي يُؤْذِي المؤْمنين حَارَب اَللَّه وَرسُوله، سَوَاء
كان يُؤْذيهم بِالضَّرْب، أو بِغَير ذَلِك مِن أَنوَاع الأذى: بِالسَّبّ، أو
بِالشَّتْم، أو بِغَير ذَلِك مِن أَنوَاع الظُّلْم، هذَا نَوْع مُحَاربَة لِلَّه
وَرسُوله، نَسأَل اَللَّه العافية، يَقُول اَللَّه سُبْحانه فِي كِتابه اَلعظِيم:
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}
[الأحْزاب: ٥٨].
وكثير مِن النَّاس لَا يُبَالِي،
فَيؤذِي النَّاس بِسَبه وَحسَدِه وغيْبَته ونميمته وَشرِه بِغَير مُوجِب؛ لَكنَّه
الحسد والْهَوى وَالشِر اَلذِي طبع عليْه، نَسأَل اَللَّه العافية.
يَقُول اَللَّه تَعالَى: «وَمَا
تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ
عَلَيْه»، فَأحَب شَيْء إِلى اَللَّه تَعالَى أن تَتَقرَّب إِلَيه بِفرائضه اَلتِي
فرضهَا عليْك: مِن صَلَاة، صَوْم، وَزَكاة، وحج، وبرَّ الوالديْنِ، وَصلَة رَحِم،
وجهاد فِي سبيل اَللَّه، وَأمَر بِمعْروف، ونهْي عن مُنكَر، وترْك لِمَا حرم
اَللَّه؛ لِأنَّ تَرْك المحارم فَرْض؛ فكوْن الإنْسان يَترُك مَحارِم اَللَّه: مِن
الزِّنَا والسَّرقة والْغيْبة والنَّميمة وَشُرب اَلمسْكِر والْعقوق لِلْوالديْنِ
وَقَطيعَة اَلرحِم وغيْر هذَا مِن المعاصي؛ هذَا فَرْض على المؤْمنين، يَفرِض
عليْه أن يدع المعاصي، كمَا أَنَّه فرض عليْه أن يُؤدِّي مَا أَوجَب اَللَّه
تَعالَى: مِن صَلَاة، وصوْم، وَغيَّر ذَلِك، فَإذَا أَدَّى هَذِه اَلأُمور فَهذَا
أحبَّ شَيْء إِلى اَللَّه تَعالَى.
وبعْض النَّاس يَتَقرَّب
بِالنَّوافل، ويضيع الفرائض، يَصُوم نَافِلة، أو يُصلِّي نَافِلة، ويضيع الفريضة،
وَهذَا جَهْل وَضَلال، الواجب البداءة بِالْفريضة، والنَّافلة إِنَّ تَيسرَت
وَإلَّا َلا تَضُر، اَلمهِم الفريضة، أن تُؤدِّي فَرائِض اَللَّه مِن الصَّلَاة
وَغيرِها، وأن تدع مَحارِم اَللَّه، فَإذَا يَسُر اَللَّه لَك نَافِلة فَهذَا
خَيْر إِلى خَيْر.
يَقُول اَللَّه تَعالَى: «فَإِذَا
أَحْبَبتُهُ» المحَبَّة الكاملة؛ «كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ،
وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ
الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا»، والْمعْنى: أنَّ اَللَّه تَعالَى يُوَفقه فِي هَذِه
اَلأُمور، أَمَّا فِي الرِّواية اَلأُخرى: «فَبِي يَسمَع وَبِي يُبْصِر وَبِي
يَبطِش وَبِي يَمشِي»؛ فمعْناهَا أَنَّه يُوفِّق فِي سَمعِه، وَفِي بَصرِه، وَفِي
مَشيِه، وَفِي أَخذِه وتناوله، يَكُون مُوَفقا فِي ذَلِك مَحفُوظا مِن المعاصي
والشُّرور، مُعَانا مِن اَللَّه -سُبْحانه وَتَعالَى- بِسَبب اِجْتهاده فِي أَدَاء
الفرائض، وترْك المحارم، واجْتهاده فِي أَنوَاع النَّوافل والطَّاعات، وَاَللَّه
يُسَدده ويعيِّنه؛ بِسَبب حِرْصِه على الخيْر، واجْتهاده فِي فِعْلِه، قال
تَعالَى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ
أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٤].
يَقُول اَلرَّب جلَّ وَعلَا:
«وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ»، إِذَا
اِتَّقى ربُّه واجْتَهد فِي الخيْرات، واسْتعان بِاللَّه أعانه، وَإِن سَألَه
أَعطَاه، وَإِن استغفْره غفر لَه، بِسَبب اِجْتهاده فِي الخيْر، وَبِسبَب عنايته
بِطاعة اَللَّه، وتوْبَته إِلى اَللَّه مِن ذُنوبه، وإقْلاعه عَنهَا، وترْكه مَا
حرم اَللَّه عليْه، وصبْره على ذَلِك، هذَا مِن أَسبَاب تَوفِيق اَللَّه حَتَّى
يَمُوت على الخيْر والْهدى والصَّلاح. رِزْق اَللَّه اَلجمِيع التَّوْفيق والْهداية.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: