شرح حديث (إن العين تدمع والقلب يحزن)
كتاب
عيادة المريض - باب
جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
شرح حديث (إن العين تدمع والقلب يحزن) - فذكر
أحاديث رياض الصالحين
باب
جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة: الحديث رقم 932
باب
جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة أما النياحة فحرام وسيأتي فيها باب في
كتاب النهي إن شاء الله تعالى وأما البكاء فجاءت أحاديث كثيرة بالنهي عنه وأن
الميت يعذب ببكاء أهله وهي متأوله ومحمولة على من أوصى به والنهي إنما هو عن
البكاء الذي فيه ندب أو نياحة والدليل على جواز البكاء بغير ندب ولا نياحة أحاديث
كثيرة منها
932
- وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ
دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله ﷺ تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف
وأنت يا رسول الله فقال (يا ابن عوف إنها رحمة ثم
أتبعها بأخرى فقال إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا
لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) رواه البخاري وروى مسلم بعضه.
والأحاديث
في الباب كثيرة في الصحيح مشهورة والله أعلم
الشرح
سبق
لنا الكلام على الأحاديث الثلاثة الماضية التي ذكرها النووي رحمه الله في رياض
الصالحين في باب جواز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة ثم ذكر حديثين عن
رسول الله ﷺ أنه بكى حين رأى طفلين في النزع
أما الأول فهو ابن ابنته رفع إليه وهو في سياق الموت فذرفت عينا رسول الله ﷺ رحمة بهذا الصبي لأنه يراه ينازعه الموت فرق له
وبكى ﷺ وهو أرحم الخلق بالخلق فقال له سعد بن
عبادة ما هذا يا رسول الله يعني كيف تبكي فقال ﷺ
هذه رحمة يعني أني رحمت هذا الصبي الذي ينازع نفسه فرققت له وإنما يرحم الله من
عبادة الرحماء كلما كان الإنسان بعباد الله أرحم كان أقرب من رحمة الله ولهذا
ينبغي لك أن تعود نفسك على الرحمة والرقة للأطفال والحيوان وغير ذلك ممن هو أهل
للرحمة حتى تكون أهلا لرحمة الله عز وجل إنما يرحم الله من عباده الرحماء وفي هذا
دليل على جواز البكاء على الميت لأن النبي ﷺ بكى
وقال هذه رحمة وفيها دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يتعرض لرحمة الله عز وجل بكل
وسيلة إن رحمت الله قريب من المحسنين وفي قوله ﷺ
إنما يرحم الله من عباده الرحماء إشارة إلى أن جزاء الله من جنس العمل فلما كان
هذا الإنسان راحما لعباد الله كان الله تعالى راحما له لأن الله تعالى في حاجة
العبد إذا كان العبد في حاجة أخيه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته أما
الحديث الثاني حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فهو أن النبي ﷺ رفع إليه ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهذا الولد
ليس من زوجته خديجة بل من مارية التي أهداها
له ملك القبط فسراها النبي ﷺ أي وطئها
بملك اليمين فأتت له بهذا الولد وبقى ستة عشر شهرا ومات في حياة النبي ﷺ رفع إليه وهو يجود بنفسه أي ينازعه الموت وأشرف
مال عند الإنسان نفسه وهذا المحتضر كأنما يسلمها للملائكة يجود بها فذرفت عيناه ﷺ فقيل له ما هذا يا رسول الله فقال ﷺ إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا بفراقك يا
إبراهيم لمحزونون ثم قالها مرة أخرى العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي
ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ثم توفي الولد وله ستة عشر شهرا فدل ذلك
على الإنسان لا حرج عليه إذا بكى رحمة بالميت وحزنا على فراقه فإن الرسول هنا قال
إنه محزون على فراق ابنه.
وفيه
أيضا دليل على جواز إخبار الإنسان عن نفسه بأنه محزون من هذه المصيبة لأنه قال
القلب يحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون وفيه دليل على أن النبي ﷺ يموت له الولد ويتألم لذلك وأنه يلحقه ما يلحق
البشر فكان له من الأولاد سبعة ثلاثة ذكور وأربع بنات وأشهر الذكور هو إبراهيم رضي
الله عنه أما الإناث فأفضلهن فاطمة وهي مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزينب
امرأة أبي العاص بن الربيع وأم كلثوم ورقية كانتا مع عثمان بن عفان لما ماتت
إحداهما زوجه النبي ﷺ الثانية ولم يزوج الرسول
ﷺ أحدا من صحابته ابنتين إلا عثمان فتميز
عثمان رضي الله عنه بأن الرسول زوجه ابنتيه لكن بعد أن ماتت الأولى زوج الثانية.
أما
أولاده فهم القاسم وعبد الله وإبراهيم لكن الذي اشتهر وبقي مدة هو إبراهيم وكل
هؤلاء من خديجة رضي الله عنها إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية ولم يبق أحد من
أولاده لا ذكورهم ولا إناثهم بعد موته إلا فاطمة فقد ماتوا جميعا في حياته وهذا من
حكمة الله عز وجل فإنه لا أحد يستطيع أن يدفع الموت ولو كان أعظم الناس جاها عند
الله حتى النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث (إن العين تدمع والقلب يحزن)
Reviewed by احمد خليل
on
5:06:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: