كتاب
الأدب: باب استحباب التَّبشير والتَّهنئة بالخير
شرح العلامة
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ أن رسول الله بشر خديجة ببيت في الجنة
أحاديث رياض الصالحين: باب استحباب
التَّبشير والتَّهنئة بالخير.
٧١٣- عن أَبي إِبراهيمَ وَيُقَالُ: أَبُو
محمد، ويقال: أَبو مُعَاوِيةَ عبدِ اللَّه بن أبي أَوْفى رضي الله عنه: أَنَّ
رسولَ اللَّه ﷺ بَشَّرَ خَدِيجَةَ رضي اللَّه
عنها، بِبَيْتٍ في الجنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيه وَلا نَصَبَ. [١] متفقٌ
عَلَيْهِ.
"القَصبُ" هُنَا: اللُّؤْلؤ
اَلمُجوف و "الصَّخبُ": الصِّياحُ واللَّغطُ. و "النَّصَبُ":
التَّعَبُ.
٧١٤- وعن أَبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه،
أَنَّهُ تَوضَّأَ في بيتهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: لأَلْزَمَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ، ولأَكُونَنَّ معَهُ يَوْمِي هَذَا، فجاءَ
المَسْجِدَ، فَسَأَلَ عَن النَّبِيِّ ﷺ،
فقَالُوا: وَجَّهَ ههُنَا، قَالَ: فَخَرَجْتُ عَلى أَثَرِهِ أَسْأَلُ عنْهُ، حتَّى
دَخَلَ بِئْرَ أَريسٍ، فجَلَسْتُ عِنْدَ الْبابِ حتَّى قَضَى رسولُ اللَّه ﷺ حاجتَهُ وتَوضَّأَ، فقُمْتُ إِلَيْهِ، فإذا هُو
قَدْ جلَس على بئرِ أَريسٍ، وتَوسَّطَ قُفَّهَا، وكَشَفَ عنْ ساقَيْهِ، ودلَّاهمَا
في البِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ. فجَلَسْتُ عِندَ البابِ
فَقُلتُ: لأكُونَنَّ بَوَّابَ رسُولِ اللَّه ﷺ
اليَوْم. فَجاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فدفَع
الْبَابَ، فقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بكرٍ، فَقلْتُ: عَلَى رِسْلِك،
ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رسُول اللَّه، هذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِن، فَقال:
«ائْذَنْ لَه، وبَشِّرْه بالجنَّةِ»،
فَأَقْبَلْتُ حتَّى قُلتُ لأبي بكرٍ: ادْخُلْ، ورسُولُ اللَّه ﷺ يُبَشِّرُكَ بِالجنَّةِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ
حتَّى جلَسَ عَنْ يَمِينِ النبيِّ ﷺ معَهُ في
القُفِّ، ودَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئْرِ كما صنَعَ رَسُولُ الله ﷺ، وكَشَف عَنْ ساقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ وجلَسْتُ،
وَقَدْ ترَكْتُ أَخي يتوضَّأُ ويَلْحقُني، فقُلْتُ: إنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلانٍ
-يُريدُ أَخَاهُ- خَيْرًا يَأْتِ بِهِ.
فَإِذا إِنْسانٌ يُحرِّكُ الْبَابَ،
فقُلتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقال: عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، فقُلْتُ: على رِسْلِك، ثمَّ
جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَسَلَّمْتُ
عليْهِ وقُلْتُ: هذَا عُمَرُ يَسْتَأْذِنُ؟ فَقَالَ: «ائْذَنْ
لَهُ، وبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ»، فَجِئْتُ عُمَر،َ فَقُلْتُ: أَذِنَ أُدخل
وَيُبَشِّرُكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالجَنَّةِ،
فَدَخَل فجَلَسَ مَعَ رسُول اللَّهِ ﷺ في
القُفِّ عَنْ يسارِهِ، ودَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئْر، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ
فَقُلْتُ: إنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلانٍ خَيْرًا –يَعْني: أَخَاهُ- يأْتِ بِهِ.
فَجَاءَ إنْسَانٌ فحرَّكَ الْبَابَ،
فقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ فقَال: عُثْمانُ بنُ عفَّانَ، فَقلْتُ: عَلى رِسْلِكَ،
وجِئْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرْتُه، فَقَالَ:
«ائْذَنْ لَهُ، وبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى
تُصِيبُهُ»، فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ، وَيُبَشِّرُكَ رسُولُ اللَّه ﷺ
بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصِيبُكَ، فَدَخَل، فَوَجَد القُفَّ قَدْ مُلِئَ،
فَجَلَس وجَاهَهُمْ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ:
فَأَوَّلْتُها قُبُورهمْ. [٢] متفقٌ عَلَيْهِ.
وزاد في روايةٍ: "وأمَرني رسولُ
اللَّه ﷺ بحِفْظِ الباب، وَفِيها: أَنَّ
عُثْمانَ حِينَ بَشَّرهُ حَمِدَ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ قَال: اللَّه المُسْتعَانُ".
قَولُه: "وجَّهَ" بِفَتح
اَلْواو وَتشدِيد الجيم، أيٌّ: توجَّهَ. وقوْله: "بِئْر أريس": هُو
بِفَتح اَلهمزة وكسْر الرَّاء وَبَعدهَا ياء مُثَناه مِن تَحْت سَاكِنة، ثُمَّ سِين
مُهمَلَة وَهُو مَصرُوف، ومنْهم مِن مَنْع صَرفهُ. و "اَلقُفُّ" بِضمِّ
اَلْقاف وَتشدِيد الفاء: هُو المبْنى حَوْل البئْر قوْله: "على رِسْلِك"
بِكَسر الرَّاء على المشْهور، وقيل بِفتْحِهَا، أَيْ: اُرْفُق.
الشرح:
ذكر المؤلف رحمه الله، في باب: "استحباب
التبشير بالخير والتهنئة"، به آيات سبق الكلام عليها، وبينا أن البشارة قد
تكون بخير في الدنيا وقد تكون في الآخرة.
ثم ذكر حديثين: حديث أبي إبراهيم عبد
الله بن أبي أوفي رضي الله عنه، أن النبي ﷺ: «بَشَّرَ
خَدِيجَةَ رضي اللَّه عنها، بِبَيْتٍ في الجنَّةِ» وكذلك حديث أبي موسى الأشعري
وسيأتي إن شاء الله، فقد بشر ﷺ خديجة
رضي الله عنها، ببيت في الجنة من قصب ليس فيه صخب ولا نصب. ولكن القصب الذي بني
منه قصر خديجة في الجنة ليس كالقصب الذي في الدنيا؛ الاسم هو الاسم والحقيقة غير
الحقيقة، كما أنه في الجنة نخل ورمان وفاكهة ولحم طير وغير ذلك، لكن التشابه في
الاسم فقط فالاسم هو الاسم والحقيقة غير الحقيقة، وهذا باب يجب على الإنسان أن
يتفطن له فإن أمور الغيب التي لها نظير في الدنيا لا تماثل نظيرها في الآخرة.
فمثلا في صفات الله عزَّ وجلَّ، لله عزَّ
وجلَّ وجه كريم، موصوف بالجلال والإكرام، ونحن أيضا لنا وجه، الأمر لا يختلف في
الاسم، لكن قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] فوجهه يليق
بجلاله وعظمته، ولا يمكن الإحاطة به لا وصفا ولا تصورا في الذهن ولا نطفا باللسان
فهو أعظم وأجل من أن تحيط به الأوصاف، وهكذا بقية صفاته عزَّ وجلَّ، اسمها يوافق
الاسم الذي نتصف به ولكن الحقيقة غير الحقيقة.
كذلك أيضا الجنة فيها عسل وماء وخمر ولحم ونساء
وفاكهة ورمان وغير ذلك، لكن ليست كالذي في الدنيا؛ لأن الله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى، قال في القرآن الكريم: {فَلَا تَعْلَمُ
نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧]، ولو كانت
مثل ما في الدنيا لكنا نعلمها، لكنها ليست مثلها ولا قريبا منها وكذلك قال
النبي ﷺ فيما يرويه عن الله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى، أنه قال: «أعْدَدْتُ لِعِبادِي
الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ
بَشَرٍ» [٣] نسأل الله أن يجعلنا والمسلمين ممن أعد الله لهم ذلك، فخديجة
رضي الله عنها، بشرها النبي ﷺ بواسطة
جبريل، هو الذي أخبر الرسول الله ﷺ بشرها
ببيت في الجنة من قصب، ولكن ليس القصب الذي في الجنة مثل القصب الذي في الدنيا ثم
قال: ليس فيه صخب ولا نصب.
و"الصخب" أي: الأصوات المزعجة
الشديدة، أهل الجنة كلهم أهل ليس عندهم صخب ولا نصب ولا كلام لغو كما قال تعالى: {لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} [الطور:
٢٣]، {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}
[يونس: ١٠] فكلامهم طيب؛ لأنهم جوار الطيب جَلَّ وَعَلَا، فهم طيبون في جنات عدن
مساكن طيبة عند الطيب جَلَّ وَعَلَا، كما أن قلوبهم في الدنيا طيبة وأفعالهم طيبة؛
لأن الله لا يقبل إلا الطيب وأفعالهم مقبولة فهم كذلك في الآخرة، فقصر خديجة ليس
فيه صخب وليس فيه نصب، وليس فيه تعب، لا يحتاج إلى كنس القمامة ولا غيره بل كله
طيب وهذه بشارة لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وأم المؤمنين خديجة هي أول
امرأة تزوجها النبي ﷺ، تزوجها
وهو ﷺ ابن خمس وعشرين سنة، ولها
أربعون سنة من زوج سابق قبله وولدت له بناته الأربع وأولاده الثلاثة أو الاثنان
ولم يتزوج عليها أحدا حتى ماتت رضي الله عنها، وكانت امرأة عاقلة ذكية حكيمة لها
مآثر طيبة معروفة يجدها من يراجع ترجمتها في كتب التاريخ، وكانت تسامى عائشة رضي
الله عنها، يعني: أنها هي عائشة أفضل نساء الرسول عليه الصلاة والسلام، وأحب نسائه
إليه واختلف العلماء أيهما أفضل فقيل: عائشة، وقيل: خديجة والصحيح أن لكل واحدة
منهما مزية تختص بها، لا تشاركها فيها الأخرى فلعائشة رضي الله عنها، في آخر
الرسالة وبعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام، من نشر الرسالة والعلم والشريعة ما
ليس لخديجة، وخديجة لها في أول الرسالة ومناصرة الني ﷺ ومعاضدته ما ليس لعائشة فلكل واحدة منهما مزية أما الفضيلة
الكبرى فكفى لهما فخرا أنهما أحب نساء النبي ﷺ إليه
ويكفى هذا وأما الفضائل فكل واحدة لها فضيلة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى، حديث أبي
موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه في يوم من الأيام توضأ في بيته وخرج يطلب
النبي ﷺ، ويقول: لألزمن رسول
الله ﷺ يومي هذا، ألزمن يعني:
أكون معه ذاهبا وآتيا وفي هذا: دليل على أن الإنسان ينبغي إذا خرج من بيته أن يكون
متوضئا لأجل أن يكون مستعدا للصلاة وهو خارج البيت، فإذا جاء وقت الصلاة وهو في
مكان لا يوجد فيه ماء كان على طهارة وصلي، وإذا حضرت جنازة صلى عليها وهو خارج
البيت أو على الأقل يكون على طهر؛ لأن كون الإنسان على طهور أفضل من أن يكون على
غير طهر، وربما أيضا يحصل له الموت في هذا الوقت فيكون على طهر فالإنسان يحرص ما
استطاع أن يكون على طهر لا سيما إذا خرج من بيته.
فخرج رضي الله عنه، يطلب النبي ﷺ فأتى المسجد؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام،
إما في المسجد وإما في بيته في مهنة أهله وإما في مصالح أصحابه عليه الصلاة
والسلام، فلم يجده في المسجد فسأل عنه فقالوا: وجه هاهنا وأشاروا إلى ناحية أريس
وهي بئر حول قباء، فخرج أبو موسى في إثره حتى وصل إلى البئر فوجد النبي ﷺ هنالك فلزم الباب رضي الله عنه، فقضى
النبي ﷺ حاجته وتوضأ ثم جلس على قف
البئر، يعني: على حافته ودلى رجليه وكشف عن ساقيه والظاهر والله أعلم أنه كان في
ذلك الوقت في حر، وهذا البئر فيه ماء والماء قريب وحوله الأشجار والنخل والظلال
وعادة أن الإنسان إذا حصل له مثل ذلك فعل مثل هذا الفعل فيكشف عن ساقيه ليبرد جسمه
وتأتيه من برودة الماء الذي في البئر، وفي هذا الظل فجلس عليه الصلاة والسلام،
متوسطا للقف، أي: حافة البئر ودلى رجليه وكشف عن ساقيه وكان أبو موسى على الباب
يحفظ باب البئر فاستأذن أبو بكر رضي الله عنه، لكنه لم يأذن له أبو موسى حتى
يستشير النبي ﷺ فقال النبي ﷺ هذا أبو بكر يستأذن فقال: «ائْذَنْ لَه،
وبَشِّرْه بالجنَّةِ» فأذن له وقال له: يبشرك رسول الله ﷺ بالجنة ويالها من بشارة يبشره بالجنة ثم يأذن
له أن يدخل ليكون مع الرسول ﷺ فدخل
ووجد النبي ﷺ متوسطا القف فجلس عن
يمينه؛ لأن النبي ﷺ يعجبه التيمن في
كل شيء فجلس أبو بكر عن يمينه وضع مثل فعل النبي ﷺ دلى
رجليه في البئر وكشف عن ساقيه كراهة أن يخالف النبي ﷺ في
هذه الجلسة، وإلا فليس من المشروع أن يجلس الإنسان على بئر ويدلي رجليه ويكشف عن
ساقيه لكنه لا يجب أن يجلس مع النبي ﷺ على
غير الهيئة التي كان النبي ﷺ يجلس
عليها، فقال أبو موسى وكان قد ترك أخاه يتوضأ ويلحقه إن يرد الله به خيرا يأت به
وإذا جاءا واستأذن فقد حصل له أن يبشر بالجنة.
ولكن استأذن الرجل الثاني فجاء أبو موسى
إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال هذا عمر قال: «ائْذَنْ لَه، وبَشِّرْه
بالجنَّةِ» فأذن له وقال له: يبشرك رسول الله ﷺ بالجنة
فدخل فوجد النبي ﷺ، وأبا بكر على
القف فجلس عن يسار الرسول عليه الصلاة والسلام، والبئر ضيقة ليست واسعة كثيرا
فهؤلاء الثلاثة كانوا في جانب واحد.
ثم استأذن عثمان وصنع أبو موسى مثل ما
صنع من الاستئذان فقال النبي ﷺ: «ائْذَنْ
لَهُ، وبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصِيبُهُ» فأذن له وقال: يبشرك
الرسول ﷺ بالجنة مع بلوى تصيبك،
فاجتمع في حقه نعمة وبلوى فدخل فوجد القف قد امتلأ؛ لأنه ليس واسعا كثيرا فذهب إلى
الناحية الأخرى تجاههم وجلس فيها ودلى رجليه وكشف عن ساقيه، أولها سعيد بن المسيب
أحد كبار التابعين على أنها قبور هؤلاء؛ لأن قبور الثلاثة كانت في مكان واحد
فالنبي ﷺ، أبو بكر، وعمر كلهم كانوا
في حجرة واحدة دفنوا جميعا في مكان واحد وكانوا في الدنيا يذهبون جميعا ويرجعون
جميعا، ودائما يقول النبي ﷺ: لم
ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وجئت أنا وأبو بكر وعمر فهما صاحباه ووزيراه ويوم القيامة يخرجون
من قبورهم جميعا، فجلس عثمان رضي الله عنه، تجاههم وبشره ﷺ بالجنة مع بلوى تصيبه، وهذه البلوى هي ما حصل
له رضي الله عنه، من اختلاف الناس عليه وخروجهم عليه وقتلهم إياه في بيته رضي الله
عنه، حيث دخلوا عليه في بيته وقتلوه وهو يقرأ القرآن، وكتاب الله بين يديه ويذكر
بعد المؤرخين أن قطرة من الدم نزلت على قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ
اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٣٧]. والله أعلم،
لكن على كل حال هو رضي الله عنه، كان معروفا بكثرة القراءة والتهجد فدخل عيه أولئك
المعتدون الظالمون فقتلوه، فقتل شهيدا وبذلك تحقق قول الرسول عليه الصلاة والسلام،
حينما صعد على جبل أحد وهو جبل معروف كبير في المدينة هو وأبو بكر وعمر وعثمان
وارتج بهم الجبل وهذا من آيات الله ليس هو ارتجاج نقمة وخسف لكنه ارتجاج فرح، فلما
ارتج بهم الجبل قال له النبي ﷺ: «اثْبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وصِدِّيقٌ،
وشَهِيدَانِ» [٤]، فالنبي هو: عليه الصلاة والسلام، والصديق: أبو بكر،
والشهيدان: عمر، وعثمان، وكلاهما رضي الله عنهما، قُتل شهيدا، أما عمر فقُتل وهو
متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين قُتل في المحراب، وأما عثمان فقُتل وهو يتهجد في بيته
في صلاة الليل فرضى الله عنهما، وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم
فهذه القصة فيها بشارة لأبي بكر، وعمر، وعثمان ولذلك ذكرها المصنف رحمه الله، في
هذا الباب فرضى الله عنهم، جميعا وجعلنا والمسلمين ممن يحشرون في زمرة محمد ﷺ.
[١] صحيح البخاري: (٣٨١٧)، مسلم: (٢٤٣٢).
[٢] صحيح البخاري: (٣٦٧٤)، مسلم: (٢٤٠٣).
[٣] صحيح البخاري: (٤٧٧٩)، مسلم: (٢٨٢٤).
[٤] صحيح البخاري: (٣٦٧٥).
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال