Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث/ يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس - الأربعين النووية

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح – حديث – يا – رسول – الله – دلني – على – عمل – إذا – عملته – أحبني – الله – وأحبني - الناس – الأربعين - النووية

شرح حديث/ يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس - الأربعين النووية


الحديث الحادي والثلاثون: الزهد في الدنيا.

عَنْ أَبي العَباس سَعدِ بنِ سَهلٍ السَّاعِدي -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي  فَقَالَ: يَا رَسُول الله دُلَّني عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمَلتُهُ أَحَبَّني اللهُ، وَأَحبَّني النَاسُ؟ فَقَالَ: «ازهَد في الدُّنيَا يُحِبَّكَ اللهُ، وازهَد فيمَا عِندَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ» حديث حسن، رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة [١].

 

الشرح:

قوله: (جاء رجل) لم يعين اسمه، ومثل هذا لا حاجة إليه، ولا ينبغي أن نتكلف بإضاعة الوقت في معرفة هذا الرجل، وهذا يأتي في أحاديث كثيرة، إلا إذا كان يترتب على معرفته بعينه اختلاف الحكم فلا بد من معرفته.

 

وقوله: (دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس) هذا الرجل طلب حاجتين عظيمتين، أولهما محبة الله عز وجل، والثانية محبة الناس.

فدله النبي على عمل معين محدد، فقال: «ازهَد في الدُّنيَا» والزهد في الدنيا الرغبة عنها، وأن لا يتناول الإنسان منها إلا ما ينفعه في الآخرة، وهو أعلى من الورع؛ لأن الورع: ترك ما يضر من أمور الدنيا، والزهد: ترك مالا ينفع في الآخرة، وترك ما لا ينفع أعلى من ترك ما يضر؛ لأنه يدخل في الزهد الطبقة الوسطى التي ليس فيها ضرر ولا نفع، فالزهد يتجنب مالا نفع فيه، وأما الورع فيفعل ما أبيح له، لكن يترك ما يضره.

 

وقوله: «يُحِبكَ الله» هو بالجزم على أنه جواب: ازهَد.

وقوله: «والدنيا» هي هذه الدار التي نحن فيها، وسميت بذلك لوجهين:

الوجه الأول: دنيا في الزمن.

الوجه الثاني: دنيا في المرتبة.

فهي دنيا في الزمن؛ لأنها قبل الآخرة، ودنيا في المرتبة؛ لأنها دون الآخرة بكثير جدا، قال النبي : «لَمَوضِعُ سوطِ أَحَدِكُم في الجَنَّةِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فيهَا» [٢]، وقال النبي : «ركعَتَا الفَجرِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فيهَا» [٣] إذاً الدنيا ليست بشيء.

ولذلك لا تكاد تجد أنه يمر عليك شهر أو شهران أو أكثر إلا وقد أصبت بالسرور ثم أعقبه حزن، وما أصدق وصف الدنيا في قول الشاعر:

فيوم علينا ويوم لنا... ويوم نساء ويوم نسر

 

وقوله: «وازهَد فيمَا عِندَ النَاس يُحِبكَ النَّاس»، أي: لا تتطلع لما في أيديهم، ارغب عما في أيدي الناس يحبك الناس، وهذا يتضمن ترك سؤال الناس، أي: أن لا تسأل الناس شيئاً؛ لأنك إذا سألت أثقلت عليهم، وكنت دانياً سافلاً بالنسبة لهم، فإن اليد العليا المعطية خير من اليد السفلى الآخذة.

 

من فوائد هذا الحديث:

١- علو همم الصحابة -رضي الله عنهم- فلا تكاد تجد أسئلتهم إلا لما فيه خير في الدنيا أو الآخرة أو فيهما جميعا.

وهنا السؤال: هل الصحابة -رضي الله عنهم- إذا سألوا مثل هذا السؤال يريدون أن يطلعوا فقط، أو يريدون أن يطلعوا ويعملوا؟

الجواب: الثاني، بخلاف كثير من الناس اليوم -نسأل الله أن لا يجعلنا منهم- يسألون ليطلعوا على الحكم فقط لا ليعملوا به، ولذلك تجدهم يسألون عالماً ثم عالماً ثم عالماً حتى يستقروا على فتوى العالم التي توافق أهواءهم، ومع ذلك قد يستقبلونها بنشاط وقد يستقبلونها بفتور.

 

٢- إثبات محبة الله عز وجل، أي: أن الله تعالى يحب محبة حقيقية.

ولكن هل هي كمحبتنا للشيء؟

الجواب: لا، حتى محبة الله لنا ليست كمحبتنا لله، بل هي أعلى وأعظم، وإذا كنا الآن نشعر بأن أسباب المحبة متنوعة، وأن المحبة تتبع تلك الأسباب وتتكيف بكيفيتها فكيف بمحبة الخالق؟! لا يمكن إدراكها.

الآن نحب الأكل، ونحب من الأكل نوعا نقدمه على نوع، وكذلك يقال في الشرب، ونحب الجلوس إلى الأصحاب، ونحب الوالدين، ونحب النساء، فهل هذه المحبات في كيفيتها وحقيقتها واحدة؟

الجواب: لا، تختلف.

 

فمحبة الخالق -عز وجل- لنا ليست كمحبتنا إياه، بل هي أعظم وأعظم، لكنها حقيقية. زعم أهل التعطيل الذين حكموا على الله بعقولهم وقالوا: ما وافق عقولنا من صفات الله تعالى أثبتناه وما لا فلا، ولهذا قاعدتهم في هذا، يقولون: ما أقرته عقولنا من صفات الله أقررناه، وما خالف عقولنا نفيناه، وما لم توافقه ولم تخالفه فأكثرهم نفاه وقالوا: لا يمكن أن نثبته حتى يشهد العقل بثبوته، وبعضهم توقف فيه.

 

وأقربهم إلى الورع الذين توقفوا ومع ذلك فلم يسلكوا سبيل الورع، إذ سبيل الورع أن نثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه مطلقا، سواء أدركته عقولنا أم لا، وأن ننفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه مطلقا، سواء أثبتته عقولنا أو لا، وما لم ترد عقولنا بإثباته أو نفيه نثبته إن أثبته الله تعالى لنفسه، وننفيه إن نفاه الله تعالى عن نفسه. وعلى هذا فمحبة الله تعالى للعباد ثابتة بالقرآن والسنة وإجماع السلف الصالح، قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤]، وقال عزّ وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤]، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} [الصف: ٤]، وآيات متعددة.

 

فيقول أهل العقل الذين حكموا على الله بعقولهم: محبة الله، يعني: إثابته على العمل.

فنقول: الإثابة على العمل أليس من لازمها المحبة؟؛ لأنه لا يمكن أن يثيب على عمل إلا وهو يحبه، إذ العقل لا يمكن أن يحكم بأن أحدا يثيب على عمل وهو لا يحب العمل، العقل ينفي هذا، فإذا رجعنا إلى العقل صار العقل دليلا عليه.

وحينئذ يجب أن نثبت المحبة بدون واسطة، فنقول: هي محبة حقيقية.

 

فلو أنكروا المحبة وقالوا: إن الله لا يحب فقد كذبوا القرآن، ولذلك نقول: إنكار حقيقة الصفات إن كان إنكار تكذيب وجحد فهو كفر، وإن كان إنكار تأويل فهذا فيه تفصيل:

أ- إن كان للتأويل مساغ لم يكفر، لكنه خالف طريق السلف، فيكون بهذا الاعتبار فاسقا مبتدعا.

ب- وإن كان التأويل لا مساغ له لم يقبل منه أبدا، ولهذا قال العلماء في الأيمان: لو قال شخص: والله لا أشتري الخبز، وذهب واشترى خبزا، فقلنا له: عليك كفارة، فقال: لا، أنا أردت بالخبز الثوب، فلا يقبل منه؛ لأن هذا ليس له مساغ في اللغة.

لكن لو قال: والله لا أنام إلا على فراش ثم خرج إلى الصحراء ونام عليها، وقلنا له: حنثت لأنك لم تنم على فراش، قال: أردت بالفراش الأرض كما قال الله عز وجل: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً} [البقرة: ٢٢] فإنه يقبل؛ لأن هذا سائغ.

وعلى كل حال: طريق السلامة، وطريق الأدب مع الله، وطريق الحكمة أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، سواء أدركته عقولنا أم لم تدركه، وأن ننفي ما نفاه الله عن نفسه سواء أدركته عقولنا أم لم تدركه، وأن نسكت عما سكت الله عنه.

 

٣- أن الإنسان لا حرج عليه أن يطلب محبة الناس، أي: أن يحبوه، سواء كانوا مسلمين أو كفارا حتى نقول: لا حرج عليه أن يطلب محبة الكفار له؛ لأن الله -عز وجل- قال: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: ٨]، ومن المعلوم أنه إذا برهم بالهدايا أو الصدقات فسوف يحبونه، أو عدل فيهم فسوف يحبونه، والمحذور أن تحبهم أنت، ولهذا جاء في الحديث وإن كان ضعيفا أن النبي إذا أقبل على البلد قال: «اللَّهمَّ حَبِّبْنَا إِلَى أَهْلِهَا، وَحبَب صَالِحي أَهْلِهَا إِلَينَا»، فلما أراد المحبة الصادرة منه قال: «صَالِحي أَهْلِهَا» ولما أراد المحبة الصادرة من الناس قال: «حَبِّبنَا إِلَى أَهْلِهَا مطلقاً».

 

٤- فضيلة الزهد في الدنيا، ومعنى الزهد: أن يترك مالا ينفعه في الآخرة.

وليس الزهد أنه لا يلبس الثياب الجميلة، ولا يركب السيارات الفخمة، وإنما يتقشف ويأكل الخبز بلا إدام وما أشبه ذلك، ولكن يتمتع بما أنعم الله عليه؛ لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وإذا تمتع بالملاذ على هذا الوجه صار نافعا له في الآخرة، ولهذا لا تغتر بتقشف الرجل ولبسه رديء الثياب، فربَّ حية تحت القش، ولكن عليك بعمله وأحواله.

 

٥- أن الزهد مرتبته أعلى من الورع؛ لأن الورع ترك ما يضر، والزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة.

 

٦- أن الزهد من أسباب محبة الله -عز وجل- لقوله: «ازهَد في الدنيَا يُحِبكَ اللهُ» ومن أسباب محبة الله للعبد وهو أعظم الأسباب: اتباع النبي لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١].

 

٧- الحث والترغيب في الزهد فيما عند الناس؛ لأن النبي جعله سببا لمحبة الناس لك، وهذا يشمل أن لا تسأل الناس شيئا، وأن لا تتطلع وتعرض بأنك تريد كذا.

مثال الأول: أن ترى مع شخص من الناس ما يعجبك من قلم أو ساعة، وتقول يا فلان: هذه ساعة طيبة، ألا تهديها عليَّ، فإن الهدية تذهب السخيمة، وتهادوا تحابوا، وأتى بالمواعظ من أجل أن يأخذ الساعة، لكن إذا كان هذا ذكيا قال: وأنت أيضا أهد عليَّ ساعتك ويأتي له بالنصوص.

أقول: إن سؤال الناس ما عندهم لا شك أنه من أسباب إزالة المحبة والمودة؛ لأن الناس يستثقلون هذا ويستهجنون الرجل ويستذلونه، واليد العليا خير من اليد السفلى.

 

مثال ثاني: أن تعرض بأنك تريده كأن تقول: ما شاء الله هذا القلم الذي معك ممتاز، ليتني أحصل على مثله، وهذا كأنك تقول له: أعطني إياه.

فمثل هذا عليك أن تردعه، إذا طلب منك هذا فقل له: ابحث عنه في السوق؛ لأنني لا أحب أن الناس تدنو أنفسهم إلى هذا الحد، دع نفسك عزيزة ولا تستذل.

 

ولكن هنا مسألة: إذا علمت أن صاحبك لو سألته لسره ذلك، فهل تسأله؟

الجواب: نعم؛ لأن النبي لما رأى اللحم على النار قال: «ألم أرَ البرمة على النار» قالوا: يا رسول الله: هذا لحم تصدق به على بريرة، فقال: «هو لها صدقة، ولنا هدية» [٤]؛ لأننا نعلم علم اليقين أن بريرة -رضي الله عنها- سوف تسر، فإذا علمت أن سؤالك يسر صاحبك فلا حرج والله الموفق.

 

[١] أخرجه أبن ماجه: كتاب الزهد، باب: الزهد في الدنيا، (٤١٠٢).

[٢] أخرجه الإمام أحمد: ج٥/ ص٣٣٠، في مسند الأنصار عن أبي مالك سهل بن سعد، (٢٣١٨٣). والبخاري بلفظ: "خير من الدنيا وما عليها"، كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل رباط يوم في سبيل الله، (٢٨٩٢)، والترمذي بلفظ: "وموضع سوط" كتاب: فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل المرابط، (١٦٦٤).

[٣] أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما، وتخفيفهما، والمحافظة عليهما، وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، (٧٢٥)، (٩٦).

[٤] أخرجه البخاري: كتاب الهبة، باب: قبول الهدية، (٢٥٧٨)، ومسلم: كتاب: العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، (١٥٠٤)، (١).


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

شرح حديث/ يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس - الأربعين النووية Reviewed by احمد خليل on 8:47:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.