باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم
أحاديث رياض الصالحين: باب استحباب تقديم
اليمين في كلِّ ما هو من باب التَّكريم: كالوضوءِ، وَالغُسْلِ، والتَّيَمُّمِ،
وَلُبْسِ الثَّوْبِ، وَالنَّعْلِ، وَالخُفِّ، وَالسَّرَاوِيلِ، وَدُخولِ المسجد،
والسِّواك، والاكتحال، وتقليم الأظافر، وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الإِبْطِ،
وَحَلْقِ الرَّأسِ، وَالسَّلامِ مِنَ الصَّلاةِ، وَالأَكْلِ، والشُّربِ،
وَالمُصافحَةِ، وَاسْتِلَامِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ، والخروجِ منَ الخلاءِ، والأخذ
والعطاء، وغيرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ في معناه، ويُسْتَحَبُّ تَقديمُ اليسارِ في
ضدِّ ذَلِكَ: كالِامْتِخَاطِ وَالبُصَاقِ عن اليسار، ودخولِ الخَلاءِ، والخروج من
المَسْجِدِ، وخَلْعِ الخُفِّ والنَّعْلِ والسَّراويلِ والثَّوبِ، والاسْتِنْجَاءِ
وفِعْلِ المُسْتَقْذَرَاتِ، وأشْبَاه ذَلِكَ.
قَالَ الله تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ
هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} الآيات [الحاقة: ١٩].
وقَالَ تَعَالَى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ
الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ} [الواقعة: ٨-٩].
الشرح:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: "باب
استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم"، والعكس بالعكس فيما يقصد
به الإهانة فإنه يبدأ باليد اليسرى.
وقد ذكر المؤلف رحمه الله تعالى، أشياء
متعددة مثل الوضوء والغسل والتيمم ولبس الثوب.
فالوضوء: يبتدئ فيه الإنسان باليمين،
يبتدئ باليد اليمنى قبل اليد اليسرى، وبالرجل اليمنى قبل الرجل اليسرى، هذا إذا
كانا عضوين متميزين أما إذا كان عضوا واحدا كالوجه مثلا فإننا لا نقول ابدأ بيمين
الوجه قبل يساره بل يغسل الوجه مرة واحدة كما جاءت به السُنّة. نعم لو فرض أن
الإنسان لا يستطيع أن يغسل وجهه إلا بيد واحدة فهنا يبدأ باليمين بما يقال: يبدأ
من اليمين وربما يقال: يبدأ من الأعلى، وكذلك مسح الأذنين لا تمسح الأذن اليمنى
قبل اليسرى بل يمسحان جميعا إلا إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يمسح بيديه جميعا
فيبدأ باليمنى قبل اليسرى.
وكذلك في الغسل إذا أراد الإنسان أن
يغتسل من الجنابة فإنه يتوضأ وضوؤه للصلاة ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات حتى
يروي ثم يغسل سائر جسده ويبدأ بالشق الأيمن منه قبل الأيسر لقول النبي ﷺ للنساء اللاتي كن يغسلن ابنته قال: «ابْدَأْنَ بمَيَامِنِهَا ومَوَاضِعِ الوُضُوءِ منها»
[١]. فإذا كنت تحت الصنبور وهو يصيب على رأسك وأنت تريد أن تغتسل فإذا غسلت
رأسك وأرويته فابدأ بغسل الجانب الأيمن من الجسد قبل الأيسر هذا هو السُنّة.
كذلك في التيمم، ولكن التيمم جاءت السُنّة
أن الإنسان يمسح وجهه بيديه جميعا ثم يمسح كل واحدة بالأخرى فلا يظهر فيها التيمن؛
لأن التيمم في عضوين فقط في الوجه والكفين، وإذا كان في الوجه والكفين فالوجه يمسح
مرة واحدة، والكفان يمسح بعضهما ببعض.
كذلك لبس الثوب والنعل والخف والسراويل
كل هذه يبدأ فيها باليمين، إذا أردت أن تلبس الثوب فأدخل اليد اليمنى في كمها قبل
اليد اليسرى، في السراويل أدخل الرجل اليمنى في كمها قبل أن تدخل الرجل اليسرى، في
النعل إذا أردت أن تلبس النعل ابدأ بالرجل اليمنى أدخلها في النعل قبل اليسرى.
كذلك في الخف والجوارب ابدأ بالرجل
اليمنى قبل الرجل اليسرى، هذه هي السُنّة كما جاءت عن النبي ﷺ، وكذلك دخول المسجد تبدأ بالرجل اليمنى قبل
الرجل اليسرى تقصد ذلك، فإذا أقبلت على المسجد فانتبه حتى تكون رجلك اليمنى هي
الداخلة الأولى.
كذلك أيضا السواك إذا أراد الإنسان يتسوك
فيبدأ بالجانب الأيمن قبل الأيسر، وكذلك الاكتحال إذا أراد أن يكتحل يبدأ بالعين
اليمنى قبل اليسرى، كذلك تقليم الأظفار يبدأ بالأيمن قبل الأيسر فيبدأ مثلا في
اليمنى بالخنصر ثم البنصر ثم الواسطي ثم السبابة ثم الإبهام، وفي اليد اليسرى يبدأ
بتقليم الإبهام ثم السبابة ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر، ويبدأ أيضا بالقدم
اليمنى في تقليم أظافرها قبل القدم اليسرى.
كذلك في قص الشارب ابدأ بالجانب الأيمن
منه قبل الأيسر، كذلك نتف الإبط وحلق الرأس، نتف الإبط سُنّة فإذا أردت أن تنتف
الآباط، يعني: تنتف الشعر فابدأ بالإبط الأيمن قبل الأيسر، وكذلك في حلق الرأس
ابدأ بالجانب الأيمن من الرأس قبل الأيسر، وكذلك أيضا السلام من الصلاة يلتفت
الإنسان عن يمينه قبل أن يلتفت عن يساره.
وكذلك الأكل والشرب فيأكل بيمينه ويشرب
بيمينه ولا يجوز أن يأكل باليسرى أو يشرب باليسرى؛ لأن النبي ﷺ نهى عن ذلك وقال: «فإنَّ
الشَّيطانَ يأكلُ بشمالِه ويشربُ بشمالِه» [٢] فإذا رأيت رجلين أحدهما يأكل
باليمين ويشرب باليمين، والثاني يأكل بالشمال ويشرب بالشمال فالأول على هدى
النبي ﷺ، والثاني على هدى الشيطان
وهل يرضى أحد من الناس أن يتبع هدى الشيطان ويعرض عن هدى محمد ﷺ لا أحد يريد ذلك أبدا، لكن الشيطان يزين
للناس الأكل بالشمال والشرب بالشمال وربما بعض الناس يظن أن هذا تقدم وحضارة؛ لأن
الغربيين الكفرة يقدمون اليسار عن اليمين ولهذا يجب على الإنسان أن يأكل باليمين
وأن يشرب باليمين إلا للضرورة، ويجب علينا أيضا أن نعلم أولادنا الصغار أن يأكلوا
باليمين ويشربوا باليمين.
كذلك المصافحة يصافح باليمين ولا يصافح
باليسار فإن مد إليك يده اليسرى للمصافحة فلا تصافحه، اهجره؛ لأنه خالف السُنّة
إلا إذا كانت اليد اليمنى شلاء لا يستطيع أن يحركها فهذا عذر، كذلك استلام الحجر
الأسود باليمين، وكذلك إذا لم يستطع الإنسان مسحه فإنه يشير إليه ويكون ذلك باليد
اليمنى، وكذلك استلام الركن اليماني يكون باليمين، ونحن نرى الآن بعض الطائفتين
يمسح الحجر الأسود باليسرى أو يشير إليه باليسرى أو يشير إليه باليدين جميعا، أما
الركن اليماني فإن استطعت أن تستلمه، يعني: تمسحه باليد فافعل وإلا فلا تشر إليه؛
لأنه لم يرد عن النبي ﷺ أنه أشار
إليه، والغالب أن هذا جهل منهم فإذا رأيت أحدا يمسح الركن اليماني أو الحجر الأسود
باليد اليسرى فنبهه أن هذا ليس من الإكرام فليس من إكرام بيت الله أن تمسح الركن
اليماني أو الحجر الأسود باليد اليسرى، بل امسحهما باليد اليمنى، كذلك الخروج من
الخلاء، يعني: إذا دخلت الحمام لقضاء الحاجة من بول أو غائط ثم خرجت فقدم الرجل
اليمنى؛ لأن خارج الخلاء أحق بالتكريم من الخلاء فإذا خرجت فابدأ بالرجل اليمنى.
كذلك الأخذ والإعطاء، وغير ذلك الأخذ
والإعطاء، يعني: إذا أردت أن تناول صاحبك شيئا فناوله باليمين وإذا أردت أن تأخذ
شيئا يناولك إياه فخذه باليمين، هذه أخلاق الإسلام لكن بعض الناس يناولك باليسار
ويأخذ منك باليسار ظنا منه أن هذا هو التقدم؛ لأن الكفرة يأخذون باليسار ويعطون
باليسار وسبحان الله العظيم، أصحاب الشمال لهم الشمال؛ لأن الكفرة أصحاب الشمال
والمؤمنون هم أصحاب اليمين، ولهذا تجد الكافر دائما يفضل اليسار؛ لأنه أهل اليسار
وأهل الشمال فهو من أهل اليسار في الدنيا وفي الآخرة والعياذ بالله، إذا كل هذه
الأمور ابدأ فيها باليمين وكذلك غيرهما مما يشمله التكريم، كل شيء للتكريم فإنه
يبدأ فيه باليمين؛ لأن اليمين أكرم وأفضل، أما اليسار فبالعكس.
ثم ذكر المؤلف أشياء مما يقدم فيها
اليسار، كالامتخاط والبصاق فإنه يكون باليسار.
الامتخاط، يعني: إذا استنثر الإنسان
ليخرج ما في أنفه من الأذى فإنه يكون باليد اليسرى، وكذلك لو أراد أن يمسح المخاط
فإنه يكون باليد اليسرى، وكذلك عند دخول الخلاء يقدم الرجل اليسرى، وأما الخروج
منه فقد سبق أنه يقدم الرجل اليمنى، وكذلك إذا خرج من المسجد فإنه يقدم الرجل
اليسرى، وكذلك إذا أراد أن يخلع النعل أو أن يخلع الخف أو أن يخلع الثوب أو أن
يخلع السراويل فإنه يبدأ بإخراج الرجل اليسرى، وتكون اليمنى هي الأولى عند اللبس،
كذلك الاستنجاء يكون باليد اليسرى وقد نهى النبي ﷺ أن
يستنجئ الرجل بيمينه؛ لأن اليمين محل الإكرام ويؤكل بها ويشرب بها فينبغي إبعادها
عن القاذورات، وكذلك كل شيء مستقذر فإنه يكون باليد اليسرى، وأما اليمنى فهي لما
يكون فيه الإكرام ولغيره مما إكرام فيه ولا إهانة، فاليسرى تكون الأذى، واليمنى
لما سواها.
واعلم أن الناس حينما ظهرت الساعات التي
تتعلق باليد صاروا يلبسونها باليد اليسار من أجل أن تبقى اليد اليمنى طليقة ليس
فيها ساعة يتأذى بها الإنسان عند الحركة؛ لأن حركة اليمنى أكثر من حركة اليسرى
ويحتاج الإنسان لحركة اليمنى أكثر فكانوا يجعلونها في اليد اليسرى؛ لأن ذلك أسهل؛
ولأن اليد اليمنى هي التي يكون فيها العمل غالبا فربما تتعرض الساعة لشيء يضرها
ولذلك جعلوها باليسار، وقد ظن بعض الناس أن الأفضل جعلها في اليمين بناء على تقديم
اليد اليمنى، ولكن هذا ظن ليس مبنيا على صواب؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يتختم بيمينه ويتختم أحيانا بيساره،
وربما كان تختمه بيساره أفضل ليسهل أخذ الخاتم باليد اليمنى، والساعة أقرب ما تكون
للخاتم فلا تفضل فيها اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى، الأمر في هذا واسع
وإن شئت جعلتها باليمين وإن شئت جعلتها باليسار كل هذا لا حرج فيه.
ثم ذكر المؤلف آيتين من كتاب الله هما.
قوله تعالى: {فَأَمَّا
مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}،
وهذا يكون يوم القيامة فإن الناس يؤتون كتبهم، أي: كتب أعمالهم التي كتب فيها عمل
الإنسان إما باليمين وإما بالشمال {مَنْ أُوتِيَ
كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} جعلنا الله منهم فإنه يأخذه فرحا مسرورا، يقول
للناس: انظروا إلى {اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}
كما نشاهد الآن الطالب إذا أخذ ورقة النجاح صار يريها أصدقاءه وأقاربه فرحا بها {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} فإنه
على العكس من ذلك يتمنى أنه لم يؤت الكتاب فضلا عن أن يطلع عليه غيره.
والآية الأخرى التي ذكرها المؤلف فهي
قوله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا
أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ} فذكر الله سبحانه أن الناس يكونون يوم القيامة ثلاثة أقسام:
أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون.
فالسابقون: هم المقربون، وأصحاب الميمنة:
ناجون، وأصحاب المشأمة: هالكون فهم يوم القيامة ثلاثة أصناف، وهم كذلك عند خروج
الروح من البدن ثلاثة أصناف، ذكر الله في سورة الواقعة أحوالهم يوم القيامة وذكر
في آخرها أحوالهم عند الاختصار فقال: {فَلَوْلَا
إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ
أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلَا
إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ
وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة: ٨٣-٨٩]، والمقربون هم السابقون
الذين يسبقون إلى الخيرات في كل نوع من أنواع الخير {وَأَمَّا
إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ
أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ
الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ
جَحِيمٍ} [الواقعة: ٩٠-٩٤]، وهؤلاء هم أصحاب المشأمة والعياذ بالله،
فهم المكذبون الضالون -أعاذنا الله من حالهم- وأشار المؤلف رحمه الله، في هاتين
إلى أن أهل اليمين للفضائل الدائمة في الدنيا وفي الآخرة ويأتي إن شاء الله بقية
الكلام على هذا.
[١] أخرجه البخاري: (١٦٧)، ومسلم: (٩٣٩).
[٢] أخرجه أحمد: (٨٢٨٩).
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا
ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: