باب الصّبر: الدرر السنية
شرح
حديث / قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه
أحاديث
رياض الصالحين: باب الصبر
٥١ - وعن ابن عباسٍ -رضي اللَّه عنهما- قال: قَدِمَ
عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَنَزَلَ عَلَى ابنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ
مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنيهِمْ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- وَكَانَ القُرَّاءُ
أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا،
فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنَ أَخِيهِ: يَا أبْنَ أَخي لَكَ وجْهٌ عِنْدَ هذَا
الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، فَاسْتَأَذَنَ لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ
-رضي اللَّه عنه- فَلَمَّا دَخَل: قَالَ هِي يَا أبْنَ الخَطَّابِ: فَوَاللَّه مَا
تُعْطِينَا الجَزْلَ، وَلا تَحْكُمُ فِينا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ -رضي
اللَّه عنه- حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ
المُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ:
{خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ
الجَاهِلينَ} [الأعراف: ١٩٩] وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ. واللَّهِ مَا
جاوزَهَا عُمرُ حِينَ تَلاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّه
تَعَالَى. رواه البخاري
الشرح:
كان
أصحابُ النَّبيِّ ﷺ
أكثرَ النَّاسِ فَهْمًا لِكتابِ اللهِ تعالى، وعملًا به ووُقوفًا عند حدودِه، وكان
الفاروقُ عُمرُ -رضِي اللهُ عنه- مِن أكثرِهم وقوفًا عنْدَ حُدودِ اللهِ تعالى،
ومِن صُورِ ذلك ما في هذا الحديثِ حيثُ قدِمَ عُيينةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذيفةَ ونزَلَ
في بيتٍ لابنِ أخيه الحُرِّ بنِ قيسٍ، وكان الحُرُّ بنُ قيسٍ مِنَ القُرَّاءِ
الَّذين يَحفظونَه ويَفهمونَه، وكان عُمرُ -رضِي اللهُ عنه- يُقرِّبُه في مَجالسِه
ويأخذُ مَشورتَه هو ومَن مِثلُه مِنَ القُرَّاءِ كُهولًا كانوا أو شبابًا،
والكَهلُ هو مَن بدَأَ يعلُوه الشَّيبُ وهو بعدَ سِنِّ الثَّلاثينَ.
فطَلبَ
عُيَينةُ مِن الحُرِّ أنْ يَستأذنَ له؛ لِيدخُلَ على عُمرَ -رضِي اللهُ عنه- لِمَا
له مِنَ الوجاهةِ عنده، ففعَلَ الحُرُّ واستأذَنَ له لِيدخلَ عليه، فلمَّا دخَلَ
عليه عُيينةُ قال لِعمرَ -رضِي اللهُ عنه-: هِيْ يا ابنَ الخطَّابِ! و(هِيْ):
كلمةٌ تُقالُ لِلتَّهديدِ، فَواللهِ ما تُعطينا الجَزْلَ ولا تَحكمُ بينَنا
بِالعدلِ، يعني: لا تُعطينا العطاءَ الكثيرَ ولا تَعدِلُ بيننا، فغضِبَ عُمرُ -رضِي
اللهُ عنه حتَّى همَّ به، أي: أرادَ أنْ يُعاقِبَه.
فقال
له الحُرُّ: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ الله تعالى، قال لِنبيِّه ﷺ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]، وإنَّ هذا
مِنَ الجاهلِينَ، فَامتثلَ عُمرُ -رضِي اللهُ عنه- لِكتابِ اللهِ تعالى، ولم
يُجاوزْ حُدودَه، ولم يُعاقبِ الرَّجلَ، وكان -رضِي اللهُ عنه- وقَّافًا عند كتابِ
اللهِ وحدودِه.
في
الحديث: أنَّ اللهَ يرفعُ بهذا القرآنِ أقوامًا ويضعُ به آخرين.
وفيه:
أنَّ التقديمَ يكونُ لِأهلِ الفضْلِ والعِلْمِ والفَهْمِ والفِقْهِ والقرآِنِ.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال