شرح حديث/ كل سلامى من الناس عليه صدقة

الأربعين النووية

شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

شرح حديث/ كل سلامى من الناس عليه صدقة - الأربعين النووية

الحديث السادس والعشرون: كثرة طرق الخير

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُ لَهُ عَلَيْهَا أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيْطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ» [١] رواه البخاري ومسلم.

 

الشرح:

الحديث السادس والعشرون: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ»، وفي رواية أبي ذر رضي الله عنه، «يُصْبِحُ عَلى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحدِكُمْ صَدَقةٌ» [٢]، يَعنِي: على كُلِّ مَفصِل، والْإنْسان فِيه ثَلَاث مِائَة وستُّون مُفَصلا، كمَا جاء فِي حديث عَائِشة رَضِي اَللَّه عَنهَا، عِنْد مُسْلِم: «إنَّه خُلِقَ كُلُّ إنْسانٍ مِن بَنِي آدَمَ علَى سِتِّينَ وثَلاثِ مِائَةِ مَفْصِلٍ» [٣].

 

قال عليه الصلاة والسلام: «تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ»؛ يَعنِي: يَصلُح بيْنهمَا، هَذِه صَدقَة.

«وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُ لَهُ عَلَيْهَا أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ»، وَمثَّل الدَّابَّة السَّيَّارة، فتعينه على تَحمِيل سيَّارَته، على تَنزِيل مِنهَا، على إِصْلاحهَا إِلى غَيْر ذَلِك.

«وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»، نَحْو: يَا أَخِي اِتَّق اَللَّه، اُذكُر اَللَّه، كَيْف أَنْت؟ عافاك اَللَّه، كَلمَة طَيبَة تَكُون صَدقَة.

«وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ»، خُطواتك إِلى الصَّلَاة صَدقَة، فاحْتَسب ذَلِك، واجْعل هذَا على بَالِك، حَتَّى تَكتَسِب أنْواعًا مِن الخيْرات، وأنْواعًا فِي ذَهابِك مِن بَيتِك إِلى اَلمسْجِد وَرجُوعك مِنْه.

 

«وَتُمِيْطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ»، كَحجَر أو شَوْك أو نحْوهمَا.

وَفِي رِواية أَبِي ذر رَضِي اَللَّه عَنْه: «وَيُجْزِئُ مِن ذلكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُما مِنَ الضُّحَى»، هاتان الرَّكْعتان تَقُوم مَقَام هَذِه الخصَال، يَسبَح ويحْمد ويكْبر ويهلِّل، ويأْمر بِالْمعْروف وينْهى عن اَلمُنكر، إِذَا صَلَّى ركْعتَيْنِ أَدَّت هاتان الرَّكْعتان هَذِه اَلأُجور اَلتِي تَتَعلَّق بِالسُّلاميات، وَإذَا ضمَّ إِلى ذَلِك التَّسْبيح والتَّهْليل والتَّحْميد، والْأَمْر بِالْمعْروف والنَّهْي عن اَلمُنكر، والدَّعْوة إِلى اَللَّه، وَغَيرهَا مِن وُجُوه الخيْر؛ ضمَّ خيْرًا إِلى خَيْر، وضمَّ أَسبَاب هُدًى إِلى أَسبَاب هُدًى، ولو لَم يَكُن فِي هذَا مِن الفائدة إِلَّا أنَّ اَللَّه -جلَّ وَعلَا- يحْفظه مِن الشَّيْطان، قال تَعالَى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: ٣٦]، فالْغافل تُسلِّط عليْه الشَّياطين، والذَّاكر يُحْرِز نَفسَه.

رُزِق اَللَّه اَلجمِيع التَّوْفيق والْهداية [٤].

 

[١] صحيح مسلم (١٠٠٩).

[٢] المصدر السابق (٧٢٠).

[٣] صحيح مسلم (١٠٠٧).

[٤] ينظر: شرح رياض الصالحين (١/٢٧٢، ٥٠٥)، (٤/ ١٥٣)، ومجموع فتاوى ابن باز (٥/٣٨).

الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال