شرح حديث/ أن عمر بن الخطاب كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة الاف
باب
الورع وترك الشبهات
شرح
العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
شرح حديث/ أن عمر بن
الخطاب كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة الاف
أحاديث
رياض الصالحين: باب الورع وترك الشبهات
٥٩٥
- وعن عائشةَ -رضيَ
اللَّهُ عنها- قَالَتْ: كانَ لأبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضيَ اللَّهُ عنه- غُلامٌ
يُخْرِجُ لَهُ الخَراجَ، وكانَ أَبو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ
يَومًا بِشَيءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلامُ: تَدْرِي
مَا هَذا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ومَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ
في الجاهِلِيَّةِ، ومَا أُحْسِن الكَهَانَةَ إِلا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيني، فَأَعْطَاني
بِذلكَ هَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَه، فَقَاءَ
كُلَّ شَيءٍ فِي بَطْنِهِ. رواه البخاري.
٦٠٠ - وعن نافِعٍ: أَنَّ عُمَرَ بنَ
الخَطَّابِ -رضيَ اللَّهُ عنه- كَانَ فَرَضَ للْمُهاجِرِينَ الأَوَّلِينَ
أَربَعَةَ آلافٍ، وفَرَضَ لابْنِهِ ثلاثةَ آلافٍ وخَمْسمئةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ
مِنَ المُهاجِرِينَ، فَلِمَ تنقصه؟ فَقَالَ: إِنَّما هَاجَر بِهِ أَبُوه، يَقُولُ:
لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ. رواهُ البخاري.
٦٠١ - وعن عطِيَّةَ بنِ عُرْوةَ السَّعْدِيِّ
الصَّحَابِيِّ -رضيَ اللَّهُ عنه- قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: «لا يبلغ العبدُ أَنْ يَكُونَ منَ المُتَّقِينَ حَتَّى
يَدَعَ ما لا بَأْس بِهِ؛ حَذرًا لما بِهِ بَأْسٌ» رواهُ الترمذي وقال:
حديثٌ حسنٌ.
الشيخ:
بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه
ومن اهتدى بهداه.
أما
بعد:
فهذه
الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحثِّ على الورع وترك الشّبهات والحيطة في
الدين، فالمؤمن يحتاط لدينه، ويترك المشتبهات ويتورع عنها، كما قال ﷺ: «مَن اتَّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومَن وقع في
الشّبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمَى يُوشِك أن يقع فيه»،
وقال ﷺ
لوابصة: «البِرُّ: ما اطمأنَّت إليه النفسُ، واطمأنَّ
إليه القلب، والإثم: ما حاك في نفسك، وكرهتَ أن يطّلع عليه الناس».
وفي هذا أن الصديق -رضي الله عنه- كان له
غلام يؤدي خراجًا له، ولا بأس أن يُجعل للغلام خراج، فإذا كان للإنسان مماليك -عبيد-
وجعلهم كل يوم يُعطونه كذا، أو كل شهر يُعطونه كذا والباقي لهم، فيقول للملوك:
أعطني في الشهر عشرة ريالات والباقي لك، أو أعطني مئةً والباقي لك، فلا بأس، وهذا
يُسمَّى: خراجًا، فأعطاه غلامُه خراجَه ذات يومٍ، فأكل منه الصديق، ثم قال له
الغلام: أتدري ما هذا؟ قال: وما هو؟ قال: هذا كنتُ تكهَّنْتُ لإنسانٍ في الجاهلية،
وما أُحْسِن الكهانة، فأعطاني هذا الشيء، فأدخل الصديقُ يدَه في جوفه فقاءه؛
كراهةً لهذا الكسب الخبيث الذي ذكره الغلام، وهذا من ورع الصديق وحرصه على الخير،
وإلا فلا شيء عليه إذا ما قاء، لكن من ورعه وحرصه على ألا يدخل جوفَه شيءٌ فيه
شبهة فعل ذلك.
ومن ورع عمر -رضي الله عنه- أنه كان فرض
للمهاجرين من بيت المال أربعة آلاف كل سنة، مثل المساعدة السنوية الآن في الدولة
والتي يُسمونها: مناخ، يعني: مساعدة للشعب، للمهاجري والأنصاري، كل واحد يُعطى
أربعة آلاف سنويًّا، وأعطى ابنه عبد الله ثلاثة آلاف وخمسمئة، ونقصه عن الكبار،
فسألوه، فقال: لأنَّ عبدالله كان صغيرًا، هاجر مع أبويه، ولم يُهاجر مستقلًّا،
فرأيتُ أن أنقصه عن الكبار، وهذا من ورع عمر -رضي الله عنه- والحرص على براءة
ذمّته، وكان عبد الله حين هاجر فوق العاشرة، ابن عشر سنين أو إحدى عشرة سنة، وكان
يوم أحد ابن أربع عشرة، ويوم الخندق ابن خمس عشرة.
ومن ذلك حديث عطية السّعدي: يقول ﷺ: «لا يبلغ العبدُ أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به؛
حذرًا مما به بأس»، هذا من كمال التقوى، وتقدم قول الحسن -رضي الله عنه- عن
النبي ﷺ
أنه قال: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»،
وقوله ﷺ:
«مَن اتَّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضِه».
والمقصود من هذه الأحاديث كلها أن المؤمن يحرص على أن يكون كسبه
جيدًا وسليمًا وبعيدًا عن الشبهة. وفَّق الله الجميع.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: