شرح حديث (من خير معاش الناس لهم رجلٌ ممسكٌ عنانَ فرسه في سبيل الله) فذكر
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
رحمه الله
باب
استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقع في حرام وشبهات
ونحوها
شرح حديث (من خير معاش الناس لهم رجلٌ ممسكٌ عنانَ فرسه في سبيل الله) فذكر
شرح حديث (ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنمَ) فذكر
إن الحمد لله تعالى ،
نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله تعالى من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي
والصلاة والسلام على
المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين
الحديث رقم 605 - 606 باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
605 - وعن أبي هُريرة رضي الله عنهُ، عن النبي ﷺ قال: (ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنمَ) فقال أصحابهُ:
وأنت؟ قال: (نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهلِ مكةَ)
رواه البخاري.
606 - وعن أبي هُريرة رضي الله عنهُ عن رسول الله ﷺ أنهُ
قالَ (من خير معاش الناس لهم رجلٌ ممسكٌ عنانَ فرسه في
سبيل الله، يطيرُ على متنهِ، كلما سمع هيعة أو فزعة، طار عليه يبتغي القتل، أو
الموت مظانه، أو رجلٌ في غُنيمةٍ في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن وادٍ من هذه
الأودية، يُقيمُ الصلاة، ويؤتى الزكاة، ويعبد ربه حتى يأتيهُ اليقين، ليس من الناس
إلا في خيرٍ) رواه مسلم.
(يطير)
أي يُسرع. (ومتنهُ) : أي ظهرُهُ. (والهيعةُ) : الصوتُ للحرب.
و (الفزعة): نحوه. و (مظان الشيء): المواضع آلتي يظن وجوده فيها. و (الغنيمة)
بضم الغين: تصغير الغنم. و (الشعفة) بفتح الشين والعين: هي أعلى الجبل.
الشَّرْحُ
هذان الحديثان في باب استحباب العزلة عن الناس عند خوف الفتنة: الأول
حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم)
، يعني ما من نبي من الأنبياء أرسله الله عزّ وجلّ إلى عباده إلا رعى الغنم،
قالوا: وأنت؟ قال: (نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل
مكة) ، حتى النبي عليه الصلاة والسلام رعى الغنم.
قال العلماء: والحكمة من ذلك أن يتمرن الإنسان على رعاية الخلق
وتوجيههم إلى ما فيه الصلاح، لأن الراعي للغنم تارة يوجهها إلى وادٍ مزهر مخضر،
وتارة على وادٍ خلاف ذلك، وتارة إلى أرض ليس فيها هذا ولا هذا، وتارة لا يرعاها
أبداً، وتارة يبقيها واقفة، فالنبي عليه الصلاة والسلام سيرعى الأمة ويوجهها إلى
الخير عن علم وهدى وبصيرة؛كالراعي الذي عنده علم بالمراعي الحسنة، وعنده نصح
وتوجيه للغنم إلى ما فيه خيرها، وما فيه غذاءها وسقاءها.
واختيرت الغنم لأن الغنم صاحبها صاحب سكينة وهدوء والاطمئنان، بخلاف
الإبل؛ الإبل أصحابها في الغالب عندهم شدة وغلظة؛ لأن الإبل كذلك فيها الشدة
والغلظة، فلهذا اختار الله سبحانه وتعالى لرسله أن يرعوا الغنم، حتى يتعودوا
ويتمرنوا على رعاية الخلق.
فرسول الله ﷺ رعاها على قراريط لأهل مكة، وموسى عليه الصلاة والسلام رعاها مهراً
لابنه صاحب مدين، فإنه قال: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ
أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ
حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) (القصص: 27) .
وأما الحديث الثاني: ففيه أيضاً دليل على أن العزلة خيرٌ فيكون
الإنسان ممسكاً بعنان فرسه، يطير عليه كلما سمع هيعة، يعني أنه بعيد عن الناس يحمي
ثغور المسلمين، مهتم بأمور الجهاد منعزل عن الناس لكنه على أتم استعداد للنفور
والجهاد كلما سمع هيعة ركب فرسه فطار به، أي مشى مشياً مسرعاً.
وكذلك من كان في مكان من الأودية والشعاب منعزلاً عن الناس، يعبد الله
عزّ وجلّ، ليس من الناس إلا في خير، فهذا فيه خير.
ولكننا سبق أن قلنا: إن هذه النصوص تُحمل على ما إذا كان في الاختلاط
فتنة وشر، وأما إذا لم يكن فيه فتنة وشر؛ فإن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على
آذاهم، خيرٌ من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.
شرح حديث (من خير معاش الناس لهم رجلٌ ممسكٌ عنانَ فرسه في سبيل الله) فذكر
Reviewed by احمد خليل
on
1:23:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: