شرح حديث/ يا غلام إني أعلمك كلمات
الأربعين النووية
شرح العلامة الشيخ عبد
العزيز بن عبد الله بن باز
شرح حديث/ يا غلام إني أعلمك كلمات - الأربعين النووية
الحديث
التاسع عشر: الإيمان بالقضاء والقدر.
عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ
عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النبي ﷺ يَومَاً فَقَالَ: «يَا
غُلاَمُ إِنّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحفَظك، احْفَظِ اللهَ
تَجِدهُ تُجَاهَكَ، إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ
فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ
بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى
أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ،
رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفّتِ الصُّحُفُ» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
[١].
وفي
رواية غير الترمذي: «اِحفظِ اللهَ تَجٍدْهُ
أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ، وَاعْلَم أن
مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ،
وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ
مَعَ العُسرِ يُسراً» [٢].
الشرح:
قوله
ﷺ: «احْفَظِ
اللهَ يَحفَظك»؛ أي: اِحْفظ أَوامِره، ربُّنَا -سُبْحانه وَتَعالَى- غَنِي
عَنَّا، لَيْس فِي حَاجَة إِليْنَا، وَلكِن المقْصود حِفْظ أَوامِره وحفْظ
طَاعَتِه، وترْك معْصيَته، وَهذَا مَعنَى نصرِة، أيْضًا يَقُول سُبْحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ
يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧]،فحفْظ اللَّهِ وانْصرُ
اَللَّه طَاعَةُ أَوامِره وترْك نَواهِيه، والْوقوف عِنْد حُدودِه، والْحَذر مِن
معْصيَته جلَّ وَعلَا، هَكذَا يَكُون اَلمُؤمن مُراقِبًا مُحاسِبًا.
«احْفَظِ اللهَ يَحفَظك»، الجزَاء مِن جِنْس العمل،
فَمِن حَفِظَ اَللَّه حَفِظَه مِن نَفسِه وَهَواه وشيْطانة.
قوله:
«احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ»؛ أي:
أمامَك.
قوله:
«إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ
اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ»؛ يَعنِي: فِي حَاجَتِك بِرَبك سُبْحانه
وَتَعالَى، اِسْألْه مِن فَضلِه، واسْتَعنَّ بِه، واسْأَلْه حاجاتك؛ لِأَنه غَنِيُّ
حميد، والْقادر على كُلِّ شَيْء جلَّ وَعلَا، وَهذَا لَا يَمنَع مِن الأسْباب،
فَيَضرَّعُ إِلى اَللَّه، وَيَسألَه حاجاته، ويسْتعين بِه، ومع هذَا يَتَعاطَى
الأسْباب: مِن البيْع والشِّراء والزِّراعة وَغيرِها مِن وُجُوه الأسْباب، وهكذَا
الاسْتعانة بِإخْوانه فِيمَا ينْفعه مِمَّا أَبَاح اَللَّه فِيمَا يُقدِّرون عليْه
وَهُم أَحيَاء قادرون، أُمًّا الاسْتعانة بِالْأمْوات أو بِالْأشْجار أو
بِالْكواكب أو الأصْنام فَهذَا شِركُ أَكبَر، هذَا شِركُ بِاللَّه، أَعُوذ
بِاللَّه، وكفرُ بِاللَّه، نَسأَل اَللَّه العافية، لَكِن الاسْتعانة بأخيك الحاضر
اَلحَي القادر، تَستعِين بِه فِي عِمارة بَيتِك بِأجْرةِ أو بِغَير أُجرَةِ، فِي
غَرْس شجر، فِي حَفْر بِئْر، فِي إِصلَاح سَيَّارة بِأجْرة أو بِغَير أُجرَة هذَا
لَا بَأْس بِه، هَذِه أُمُور جَائِزة بَيْن المسْلمين؛ لِأنَّ أَخَاك يَسمَع كلامك
وَحاضِر، أو بِالْمكانيَّة، أو بِالْهاتف، كُلُّ هذَا لَا بَأْس بِه.
ثُمَّ
بَيْن الرَّسول ﷺ أنَّ الأشْياء مَقدُورةُ قد
مضى بِهَا عِلْم اَللَّه، فعليْك أن تَأخُذ بِالْأسْباب، وأن تَعتَمِد على اَللَّه
جلَّ وَعلَا، وَتعرِف أنَّ أُمُورَك مَضبُوطة مَحفُوظة لَا يضيع مِنهَا شَيْء،
كُلُّ مَا كَتَبَ اَللَّه لَك لَا بُدَّ أن يَحصُل، ومَا لَم يَكتُب لَك لَا يَحصُل؛
فَلِهذَا قال: «وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة»؛ أي:
كلها «لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ
يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ
يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفعَت
الأَقْلامُ، وَجَفّتِ الصُّحُفُ»، والْمراد: اَلحَث على الاتِّكال على
اَللَّه، والاعْتماد عليْ ، وقطْع التَّعَلُّق بِغيْره، والْأَخْذ بِالْأسْباب
النَّافعة، والْحَذر مِن الأسْباب اَلتِي حرمهَا اَللَّه -عزَّ وجلَّ-.
وَفِي
اللَّفْظ الآخر يَقُول ﷺ: «اِحفظِ اللهَ تَجٍدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في
الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ»؛ يَعنِي: اِجتهَد فِي أَيَّام العافية
والْقدْرة حَتَّى تُعْرَفَ فِي أَيَّام الشِّدَّة والضَّرورة، فَيحسِن إِلَيك
ويلْطف بِك.
«وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا
أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ»، فلَا بُدَّ مِن الإيمان بِالْقَدر، ولَا
يَمنَع ذَلِك مِن تَعاطِي الأسْباب الشَّرْعيَّة والْحسِّيَّة المباحة، وَلذَلِك
قال ﷺ: «وَاعْلَمْ
أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ»، اِصْبِر وَيأتِي النَّصْر، اِصْبِر على
طَاعَة اَللَّه وَاصبِر على الأسْباب حَتَّى يَأتِي النَّصْر، «وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً»،
كُلمَا اِشْتدَّتْ جاء الفرج. رِزْق اَللَّه اَلجمِيع التَّوْفيق والْهداية [٣].
[١]
"سنن الترمذي" (٢٥١٦).
[٢]
رواه أحمد (٢٨٠٤)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١١٢٤٣)، والحاكم في
"المستدرك" (٦٣٠٤)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (١٠٤٣)، وذكره
عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" (٤/٢٨٥)، وقال: حديث صحيح.
[٣]
ينظر: "شرح رياض الصالحين"(١٥٥/١-١٥٧).
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: