شرح حديث/ جئت تسأل عن البر - فذكر
باب
الورع وترك الشبهات
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث/ جئت تسأل عن البر
أحاديث رياض الصالحين: باب الورع وترك الشبهات
٥٩٥- وعن النّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ -رضي الله عنهما- عن النَّبي ﷺ قَالَ: «الْبِرُّ
حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حاكَ في نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ
عَلَيْهِ النَّاسُ»
رواه مسلم.
وحاك، بالحاء المهملة والكاف، أي: تردد
فيه.
٥٩٦- وعن وَابصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ -رضي
الله عنه- قالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ،
فَقَالَ: «جِئْتَ تَسأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمُ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ،
قَالَ: «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ
وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْب، وَالإِثْمُ مَا حاكَ في النَّفْسِ وَتَردَّدَ في
الصَّدْرِ، وَإنْ أَفْتَاكَ النّاسُ وَأَفْتَوْكَ» حديث
حسن، رواه أحمد، والدارمي في "مسنديهما".
الشرح:
قال المؤلف الحافظ النووي -رحمه الله- في
كتابه: (رياض الصالحين) في باب: الورع وترك الشبهات.
عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- أن
النبي ﷺ قال: «الْبِرُّ
حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حاكَ في نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ
عَلَيْهِ النَّاسُ».
فقوله عليه الصلاة والسلام: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ»، يعني: أن حسن الخلق من
البر الداخل في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]، وحسن الخلق يكون في عبادة الله،
ويكون في معاملة عباد الله.
فحسن الخلق في عبادة الله: أن يتلقى
الإنسان أوامر الله بصدر منشرح، ونفس مطمئنة، ويفعل ذلك بانقياد تام، بدون تردد،
وبدون شك، وبدون تسخط، يؤدي الصلاة مع الجماعة منقادا لذلك، يتوضأ في أيام البرد
منقادا لذلك، يتصدق بالزكاة من ماله منقادا لذلك، يصوم رمضان منقادا لذلك، يحج
منقادا لذلك.
وأما في معاملة الناس: فإن يقوم ببر
الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والنصح بالمعاملة وغير هذا، وهو منشرح
الصدر، واسع البال، لا يضق بذلك ذرعا، ولا يتضجر منه، فإذا علمت من نفسك أنك في
هذه الحال، فإنك من أهل البر.
أما الإثم: فهو أن الإنسان يتردد في
الشيء، ويشك فيه، ولا ترتاح له نفسه، وهذا فيمن نفسه مطمئنة راضية بشرع الله.
وأما أهل الفسوق والفجور: فإنهم لا
يترددون في الآثام، تجد الإنسان منهم يفعل المعصية منشرحا بها صدره والعياذ بالله،
لا يبالي بذلك، لكن صاحب الخير الذي وفق للبر هو الذي يتردد الشيء في نفسه، ولا
تطمئن إليه، ويحيك في صدره، فهذا هو الإثم.
وموقف الإنسان من هذا أن يدعه، وأن يتركه
إلى شيء تطمئن إليه نفسه، ولا يكون في صدره حرج منه، وهذا هو الورع، ولهذا قال
النبي ﷺ: «وَإنْ
أَفْتَاكَ النّاسُ وَأَفْتَوْكَ» حتى لو أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز، ولكن
نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من الخير والبر.
إلا إذا علمت أن في نفسك مرضا من الوسواس
والشك والتردد فيما أحل الله، فلا تلتفت لهذا، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما
يخاطب الناس، أو يتكلم على الوجه الذي ليس فيه أمراض، أي: ليس في قلب صاحبه مرض،
فإن البر هو ما اطمأنت إليه نفسه، والإثم ما حاك في صدره وكره أن يطلع عليه الناس،
والله الموفق.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: