شرح حديث/ اتق الله حيثما كنت - الأربعين النووية
شرح العلامة الشيخ عبد
العزيز بن عبد الله بن باز
الحديث الثامن عشر: الخلق الحسن.
عَنْ أَبِيْ ذَرٍّ
جُنْدُبِ بنِ جُنَادَةَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذِ بِنِ جَبَلٍ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ:
«اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ
السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه
الترمذي وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسنٌ صحيح [١].
الشرح:
الحديث
الثامن عشر: يقول فيه النبي ﷺ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ»؛ أيْ: فِي جميع
الأحْوال: فِي البيْتِ، وَفِي اَلطرِيق، وَفِي اَلمسْجِد، والسَّفر، والْإقامة،
والشِّدَّة، والرَّخاء، والصِّحَّة، والْمَرض، وَفِي جميع الأحْوال، هَكذَا يَجِب
على اَلمُؤمن والْمؤْمنة، تَقوَى اَللَّه حَيْث كان، فِي جميع أُموره: فِي
صَلاتِه، فِي صَومِه، فِي زَكاتِه، فِي حُجَّة، فِي بَيعِه وشرائعه، فِي مُعَاملَة
أَهلِه، فِي مُعَاملَة جِيرانه، فِي جميع الأحْوال، عليْه أن يَتقِي اَللَّه،
يُراقِبه وَيلزِم مَا أَوجَب عليْه -سُبْحانه وَتَعالَى-.
قال
ﷺ: «وَأَتْبِعِ
السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا»؛ يَعنِي: بَادَر بِحسنَات عِنْد فِعْل السَّيِّئة،
إِذَا زَلَّت قَدمَك فبادر بِالْحسنات يَمْح اَللَّه بِهَا السَّيِّئة، {إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ} [هود:
١١٤].
والتَّوْبة
مِن أَحسَن الحسنات، فَعلَى اَلمُؤمن أن يَتُوب إِلى اَللَّه إِذَا زَلَّت قَدمَه،
وَإذَا وقع مِنْه شَيْء مِمَّا حرم اَللَّه بَادَر بِالتَّوْبة، فالتَّوْبة حَسنَة
بَعْد سَيئَة، يَمحُو اَللَّه بِهَا السَّيِّئة، يَقُول جُلٌّ وَعلَا: {وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ
لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} [النور: ٣١]، وَيقُول ﷺ
فِي اَلحدِيث اَلصحِيح: «التَّائبُ من الذَّنبِ كمن
لا ذنبَ له» [٢].
قال
ﷺ: «وَخَالِقِ
النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، كَذلِك هذَا مِن الحسنات، طَيِّب الوجْه،
طَيِّب الكلَام، حسن المقابلة، هَذِه هِي المخالقة، «وَخَالِقِ
النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، لَا بِالسَّبِّ، ولَا بِالشَّتْم، ولَا
بالتعبيس والاكْفهْرار، وَلكِن بِالْكلام الطَّيِّب والْوَجْه المنْبسط، قال عليْه
الصَّلَاة والسَّلام: «لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف
شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ» [٣]؛ إِلَّا مِن شرع
اَللَّه هَجرَه، فيسْتثْنى مِن هذَا، مِن شرع اَللَّه هَجرَه يُهجِّر، وَحُسن المعاشرة.
رِزْق اَللَّه اَلجمِيع التَّوْفيق والْهداية [٤].
[١]
"سنن الترمذي" (١٩٨٧).
[٢]
رواه ابن ماجه (٤٢٥٠) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وحسن إسناده في ابن
حجر "فتح الباري" (١٣/٤٧١).
[٣]
رواه مسلم (٢٦٢٦) من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-.
[٤]
ينظر: "شرح رياض الصالحين" (١/١٥٥).
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: