باب فضل الغني الشاكر
باب فضل الغَنِيّ الشاكر وهو مَن أخذ المال من وجهه
وصرفه في وجوهه المأمور بِهَا
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
باب فضل الغني الشاكر
أحاديث
رياض الصالحين: باب فضل الغَنِيّ الشاكر وهو مَن أخذ المال من وجهه وصرفه في وجوهه
المأمور بِهَا
قَالَ الله تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: ٥-٧].
وقال
تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي
يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا
ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: ١٧-٢١].
وقال
تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا
هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
[البقرة: ٢٧١].
وقال
تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى
تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ
عَلِيمٌ} [آل عمران: ٩٢].
والآيات
في فضلِ الإنفاقِ في الطاعاتِ كثيرة معلومة.
الشرح:
قال
المؤلف رحمه الله تعالى: باب فضل الغني الشاكر، وهو الذي يأخذ المال بحثه ويصرفه
في حقه.
فالغني
هو الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى، ما يستغني به عن غيره من مال أو علم أو جاه أو
غير ذلك، وإن كان الأكثر استعمالًا أن الغني هو الذي أعطاه الله المال الذي يستغني
به عن غيره.
والله
سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالمال، يعني: بالغنى وبالفقر، فمن الناس من لو أغناه
الله لأفسده الغنى، ومن الناس من لو أفقره الله لأفسده الفقر، والله عز وجلّ، يعطي
كل أحد بحسب ما تقتضيه الحكمة {وَنَبْلُوكُمْ
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الانبياء: ٣٥].
وإذا
أعطى الله الإنسان المال فإنه ينقسم إلى قسمين:
القسم
الأول: من يعطيه الله المال يكتسبه من طريق حرام؛ كالمرابي، والكذاب، والغشاش في
البيع والشراء، ومن أكل أموال الناس بالباطل وما أشبه ذلك، فهذا غناه لا ينفعه؛
لأنه غني في الدنيا، ولكنه فقير -والعياذ بالله- في الدنيا والآخرة.
إذ
إن هذا الشي الذي دخل عليه من هذا الوجه سوف يعاقب عليه يوم القيامة، وأعظمه
الربا، فإن الله عز وجل، يقول في كتابه: {الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ
الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ
مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ
فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢٧٥]، ويقول الله
تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ
تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}
[البقرة: ٢٧٨-٢٧٩].
القسم
الثاني من الأغنياء: من أغناه الله بالمال لكن عن طريق الحلال، يبيع بالبيان
والنصح والصدق، ويأخذ كذلك، ولا يكتسب إلا المال الحلال، فهذا هو الذي ينفعه غناه؛
لأن من كان كذلك؛ فالغالب أن الله يوفقه لصرفه فيما ينفع.
فهذا
هو الغني الشاكر الذي يأخذ المال بحقه، ويصرفه في حقه على الوجه الذي شرعه الله
له.
ثم
ذكر المؤلف رحمه الله آيات في هذا المعنى، فذكر قول الله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: ٥-٧] يعني: بذل المال في وجهه، واتقى
الله سبحانه وتعالى، في بذله وفي جمعه، فهذا ييسر لليسرى.
وقال
سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ
إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل: ٨-١٢].
وقال
تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا} يعني: النار {الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا
لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ
الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: ١٧-٢١] يعني: سيجنب
هذه النار {الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}
يعني: على وجه يتزكى به، وعلى وجه يقربه إلى الله -عز وجل.
{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى}
يعني: ليس يعطي المال من باب المكافأة، مكافأة نعمة يجزي عليها غيره، ولكنه يعطي
المال لله، ولهذا قال: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ
رَبِّهِ الْأَعْلَى} لكن يعطي المال ابتغاء وجه ربه الأعلى {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} بما يجازيه الله به.
فعلى
المؤمن إذا أغناه الله عز وجل أن يكون شاكرًا لله قائمًا بما أوجب الله عليه من
بذل المال في حقه على الوجه الذي يرضي الله -عز وجلَّ. والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: