شرح الحديث النبوي الشريف/ اليد العليا خير من اليد السفلى من رياض الصالحين
باب
القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه
الله
أحاديث رياض الصالحين: باب
القناعة والعفاف والاقتصاد
٥٢٩ - عن حكيم بن حِزام -رضي الله عنه-
قال: سألت رسول الله ﷺ فأعطاني،
ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: «يا
حكيمُ، إن هذا المال خضر حُلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذهُ
بإشرافِ نفسٍ لم يبارك لهُ فِيه، وكان كالذِي يأكلُ ولا يشبعُ، واليد العُليا خيرٌ
من اليد السفلى».
قال حكيم؛ فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ
أحدًا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعو حكيمًا
ليعطيه العطاءَ، فيأبى أن يقبل منه شيئا.
ثم إن عمر -رضي الله عنه- دعاه ليعطيهُ، فأبى أن
يقبلهُ. فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرضُ عليه حقهُ الذي قسمهُ
الله له في هذا الفيء، فيأبى أن يأخذهُ. فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النبي ﷺ حتى تُوفي. متفق عليه.
(يرزأ): براء ثم زأي ثم همزة، أي: لم يأخذ من أحد شيئًا،
وأصل الرزء: النقصان، أي: لم ينقص أحدًا شيئًا بالأخذ منه. و(إشراف النفس): تطلعها
وطمعها بالشيء. و(سخاوة النفس) هي: عدم الإشراف إلى الشيء، والطمع فيه، والمبالاة
به والشره.
٥٣٢ - عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «اليدُ العليا خيرٌ
من اليد السُفلى، وابدأ بمن تعُولُ، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه
الله، ومن يستغن يُغنه الله» متفق عليه.
وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أخصر.
٥٣٣ - عن أبي سُفيان صخر بن حرب -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله ﷺ: «لا تُلحفوا في المسألة، فو الله لا يسألني أحد منكم شيئًا،
فتخرج له مسألتهُ مني شيئًا وأنا له كارة، فيبارك له فيما أعطيتهُ» رواه
مسلم.
٥٣٥ - عن ابن عُمر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: «لا تزالُ المسألةُ
بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجههِ مزعةُ لحمٍ» متفق عليه.
(المزعة) بضم الميم وإسكان الزأي وبالعين المهملة:
القطعة.
الشرح:
الشرح:
قال
المؤلف رحمه الله تعالى، فيما نقله عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أنه سأل
النبي ﷺ
فأعطاه؛ أي سأله مالًا فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه.
وكان
من هدي النبي ﷺ
وكرمه وحسن خلقه أنه لا يرد سائلًا سأله شيئًا، فما سئل شيئًا على الإسلام إلا
أعطاه عليه الصلاة والسلام، ثم قال لحكيم: «إن هذا
المال خضر حلو» خضر يسر الناظرين، حلو يسر الذائقين، فتطلبه النفس وتحرص
عليه.
«فمن أخذه بسخاوة نفسه بورك به فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه» فكيف بمن أخذه بسؤال؟ يكون أبعد وأبعد، ولهذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمر بن الخطاب: "ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك". يعني: ما جاءك بإشراف نفس وتطلع وتشوف فلا تأخذه، وما جاءك بسؤال فلا تأخذه.
ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لحكيم بن حزام: «اليد العليا خير من اليد السفلي» اليد العليا هي: يد المعطي، واليد السفلى هي: يد الآخذ، فالمعطي يده خير من يد الآخذ؛ لأن المعطي فوق الآخذ، فيده هي العليا كما قال النبي ﷺ.
فأقسم حكيم بن حزام -رضي الله عنه- بالذي بعث النبي ﷺ بالحق ألا يسأل أحدًا بعده شيئًا، فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزًا أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا.
فتوفي الرسول -عليه الصلاة والسلام- وتولى الخلافة أبو بكر -رضي الله عنه- فكان يعطيه العطاء فلا يقبله، ثم توفي أبو بكر، فتولى عمر فدعاه ليعطيه، فأبى، فاستشهد الناس عليه عمر، فقال: اشهدوا أني أعطيه من بيت مال المسلمين ولكنه لا يقبله، قال ذلك - رضى الله عنه - لئلا يكون له حجة على عمر يوم القيامة بين يدي الله، وليتبرأ من عهدته أمام الناس، ولكن مع ذلك أصر حكيم -رضي الله عنه- ألا يأخذ منه شيئًا حتى توفي.
وفي اللفظ الآخر الذي ساقه المؤلف أن الرسول ﷺ قال: «اليد العليا خيرٌ من اليد السفلي وابدأ بمن تعول» فالإنسان يبدأ بمن يعول، يعني: بمن يلزمه نفقته، فالإنفاق على الأهل أفضل من الصدقة على الفقراء؛ لأن الإنفاق على الأهل صدقة وصلة وكفاف وعفاف، فكان ذلك أولى، ابدًا بمن تعول والإنفاق على نفسك أولى نم الإنفاق على غيرك، كما جاء في الحديث: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك».
وذكر المؤلف رحمه الله حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم».
يعني: لا يزال الرجل يسأل الناس -يعني يسأل المال- حتى يأتي يوم القيامة وليس في
وجهه مزعة لحم. نسأل الله العافية.
وهذا وعيد شديدٌ يدل على تحريم كثرة السؤال من الناس، ولهذا قال العلماء: لا يحل لأحد أن يسأل شيئًا إلا عند الضرورة، إذا اضطر الإنسان فلا بأس أن يسأل، أما أن يسأل للأمور الكماليات لأجل أن يسابق الناس فيما يجعله في بيته، فإن هذا لا شك في تحريمه، ولا يحل له أن يأخذ ولا الزكاة حتى لو أعطيها فلا يأخذ الزكاة من أجل الكماليات التي لا يريد منها إلا أن يسابق الناس ويماريهم، أما الشيء الضروري فلا بأس به. والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح الحديث النبوي الشريف/ اليد العليا خير من اليد السفلى من رياض الصالحين
Reviewed by احمد خليل
on
5:51:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: