شرح الحديث النبوى الشريف ( من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده) من رياض الصالحين
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
شرح أحاديث رياض الصالحين باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل
من المأكول والمشروب والملبوس
شرح الحديث النبوى الشريف ( من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده) من رياض الصالحين
جميع احاديث
رياض الصالحين
موجودة هنا
وكلها فى
الصحيحين مع
الشرح لها
على مدونة
فذكر
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،
وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ، أما بعد
الحديث رقم 516 باب فضل الجوع وخشونة العيش
وعن عُبَيد اللَّه بِن مِحْصَنٍ
الأَنْصارِيِّ الخَطْمِيِّ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه ﷺ:
« منْ
أَصبح مِنكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ ، معافى في جَسدِه ، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ ،
فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها » . رواه الترمذي وقال
: حديثٌ حسنٌ .
« سِرْبِهِ » بكسر السين المهملة ، أَي : نَفْسِهِ ، وقِيلَ : قَومِه .
« سِرْبِهِ » بكسر السين المهملة ، أَي : نَفْسِهِ ، وقِيلَ : قَومِه .
شرح
الحديث
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فقد روى الإمام الترمذي في سننه من
حديث عبيدالله بن محصن الخطمي: أن النبي ﷺقال: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في
جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت(1) له الدنيا"(2) .
قوله
: "أصبح " أي :
أصبح في ذلك اليوم، وفيه إشارة إلى أن المؤمن عليه ألا يحمل هم المستقبل، فإن أمره
بيد الله، وهو الذي يدبر الأمور، ويقدر الأقدار، وعليه أن يحسن الظن بربه، ويتفاءل
بالخير.
قوله
: "آمنًا في سربه" ،
قيل: المعنى: في أهله وعياله، وقيل : في مسكنه وطريقه، وقيل : في بيته، فهو آمن أن
يقتله أحد، أو يسرق بيته، أو ينتهك عرضه.
والأمن
من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإيمان والإسلام، ولا يشعر بهذه النعمة إلا
من فقدها، كالذين يعيشون في البلاد التي يختل فيها النظام والأمن، أو الذين عاصروا
الحروب الطاحنة التي تهلك الحرث والنسل، فهم ينامون على أزيز الطائرات وأصوات
المدافع، ويضع الواحد منهم يده على قلبه ينتظر الموت في أي لحظة، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ )الأنعام: 82.)
وقد
وعد الله المؤمنين بالأمن إن حققوا التوحيد وأخلصوا الإيمان، وعملوا الصالحات، قال
تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ ﴾ (النور: 55).
وقال
تعالى:
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (يونس: 62 – 64).
قوله: " معافى في بدنه "، أي: صحيحًا سالمًا من العلل والأسقام، روى
الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس: أن النبي ﷺ كان يقول: " اللهم إني أعوذ
بك من البرص والجنون والجذام، ومن سيء الأسقام"(3).
وكان النبي ﷺ يسأل ربه صباحًا ومساءً هذه العافية في
دينه ودنياه ونفسه وأهله وماله، وأمر أصحابه بذلك، روى الإمام أبوداود من حديث عبد
الله بن عمر- رضي الله عنه - قال: لم يكن رسول الله ﷺ يدع هؤلاء الدعوات حين
يمسي وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك
العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي.." الحديث (4).
وروى الترمذي في سننه من حديث معاذ بن
رفاعة عن أبيه قال: قام أبوبكر الصديق على المنبر، ثم بكى، فقال: قام رسول الله ﷺ
عام الأول على المنبر ثم بكى، فقال: "سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعط بعد
اليقين خيرًا من العافية"(5).
وأخبر النبي ﷺأن الكثير من الناس مفرط ومغبون في هذه
النعمة، روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: قال
النبي ﷺ: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس:
الصحة والفراغ" (6).
وأرشد النبي ﷺأمته إلى اغتنام الصحة قبل المرض، روى
الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي ﷺ
قال: " اغتنم خمسًا قبل خمس... وذكر منها:
صحتك قبل سقمك"(7).
وكان
ابن عمر- رضي الله عنه - كما في صحيح البخاري يقول: " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا
أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"(8) .
والذي
يزور مستشفيات المسلمين ويرى ما ابتلي به إخوانه من الأمراض الخطيرة التي عجز الطب
الحديث عن علاج بعضها ليحمد الله - عز وجل - صباحًا ومساءً على نعمة العافية، وصدق
الله إذ يقول: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾
)إبراهيم: 34(.
قوله: "عنده قوت يومه"،
أي: قدر ما يغديه ويعشيه، والطعام من نعم الله العظيمة، قال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ ( قريش: 3، 4).
وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ بالله
من الجوع، روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي ﷺ
كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع"(9).
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
يسأل ربه الكفاف، أي مقدار ما يكفيه، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي
الله عنه -: أن النبي ﷺكان يقول: "اللهم اجعل رزق
آل محمد قوتًا"(10).
ومما
تقدم يتبين أن من اجتمعت له هذه الخصال الثلاث في يومه، فكأنما ملك الدنيا
كلها، وقد اجتمع لكثير من الناس أضعاف أضعاف ما ذكر في هذا الحديث، ومع ذلك فهم
منكرون لها، محتقرون ما هم فيه، فهم كما قال تعالى: ﴿ يَعْرِفُونَ
نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴾
(النحل:
83).
وقال
تعالى:
﴿ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ (النحل: 71).
ودواء هذا الداء أن ينظر المرء إلى من
حرم هذه النعم، أو بعضها، كما أرشد إلى ذلك النبي ﷺ في
الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: أن النبي ﷺقال: " انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو
أجدر ألا تزدروا نعمة الله"(11).
قال
ابن جرير وغيره: هذا حديث جامع لأنواع من الخير؛ لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في
الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد
ليلحق بذلك أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس، وأما إذا نظر في أمور الدنيا
إلى من هو دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى عليه فشكرها وتواضع وفعل فيه الخير.
اهـ(12)
وأختم
بهذا الحديث الذي يبين أن كثيرًا من الناس يعيشون عيشة الملوك:
روى
مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أن رجلًا سأله
فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال:
نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. قال: فإن لي خادمًا.
قال: فأنت من الملوك(13).
قال
الشاعر:
إذا اجتمع الإسلام والفوت للفتى
وأضحى صحيحًا جسمه وهو في أمنِ
فقد ملك الدنيا جميعًا وحازها
وحق عليه الشكر لله ذي المنِّ
|
والحمد
لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله
رب العالمين
[1]
وحيزت:
جمعت.
[2] برقم (2346)، وحسنه الألباني في صحيح
سنن الترمذي (2/274) برقم
(1913).
[3] (20/309) برقم ( ١٣٠٠٤)
وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[4] برقم (٥٠٧٤)
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/957) برقم
(2349).
[5] برقم (3558)،
وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/180) برقم
(2821).
[6] برقم (٦٤١٢).
[7] (5/435) برقم (٧٩١٦)،
وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح
الجامع الصغير برقم (1077).
[8] برقم (٦٤١٦).
[9] برقم (١٥٤٧)
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/288)، برقم
(1368).
[10] البخاري برقم (٦٤٦٠)، ومسلم برقم (١٠٥٥).
[11]
البخاري
برقم (٦٤٩٠)، ومسلم برقم (٢٩٦٣).
[12] صحيح مسلم بشرح النووي
(6/97).
[13]
برقم
(2979).
اللهُم إِرحَم
مَوتانا مِن
المُسلِمين وَإجمَعنا
بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
.
تقبل الله
منا ومنكم
صالح الأعمال
لاتحرمنا التعليق
شرح الحديث النبوى الشريف ( من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده) من رياض الصالحين
Reviewed by احمد خليل
on
9:47:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: