باب الجمع بين الخوف والرجاء
باب الجمع بين الخوف والرجاء
باب الجمع بين الخوف والرجاء
أحاديث رياض الصالحين: باب الجمع بين الخوف والرجاء
اعْلَمْ أنَّ المختار للعبد في حال صِحَّتِهِ أنْ يَكُونَ
خَائفًا رَاجِيًا، وَيَكُونَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَواءً، وفي حَالِ المَرَضِ
يُمَحِّضُ الرَّجاءُ، وقواعِدُ الشَّرْع مِنْ نصُوصِ الكِتَابِ، والسُّنَّةِ
وغَيْرِ ذَلِكَ مُتظاهِرَةٌ عَلَى ذلك.
قال اللَّه تعالى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ
إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ٩٩].
وقال تعالى: {إِنَّهُ لَا
يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧].
وقال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: ١٠٦].
وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ
سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: ١٦٥].
وقال تعالى: {إِنَّ
الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الإنفطار:
١٣-١٤].
وقال تعالى: {فَأَمَّا مَن
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: ٦-٩].
والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ، فَيَجْتَمعُ الخَوفُ
والرجاءُ في آيَتَيْنِ مُقْتَرِنَتَيْنِ، أَو آيات، أَو آية.
٤٤٨ - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: «لَوْ يَعْلَمُ
المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العُقُوبَةِ. ما طَمِعَ بجَنَّتِهِ أَحَدٌ،
وَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ مَا عِنَد اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنطَ مِنْ
جنَّتِهِ أَحَدٌ» رواه مسلم.
٤٤٩ - وعن أبي سَعيد الخدرِيِّ -رضي اللَّه عَنه- أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قال: «إذا وُضِعتِ
الجَنَازَةُ واحْتمَلَهَا النَّاسُ أَو الرِّجالُ عَلى أَعْنَاقِهمِ ، فَإِنْ
كانَتْ صالِحَةً قالَتْ: قَدِّمُوني قَدِّمُوني، وَإنْ كانَتْ غَير صالحةٍ،
قالَتْ: يا ويْلَهَا، أَيْنَ تَذْهَبُونَ بَها ؟ يَسْمَعُ صَوتَها كُلُّ شيءٍ
إلاَّ الإِنْسَانُ، وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ» رواه البخاري.
٤٥٠ - وعن ابن مسعودٍ -رضي اللَّه عنه- قالَ: قال رسولُ اللَّه ﷺ: «الجَنَّةُ أَقْرَبُ إلى
أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِه وَالنَّارُ مِثْلُ ذلك» رواه البخاري.
الشرح:
قال المؤلف -رحمه الله-: باب الجمع بين الخوف والرجاء،
وتغليب الرجاء في حال المرض.
هذا الباب قد اختلف فيه العلماء هل الإنسان يغلب جانب
الرجاء أو جانب الخوف؟
فمنهم من قال: يغلب جانب الرجاء مطلقاً، ومنهم من قال: يغلب
جانب الخوف مطلقاً.
ومنهم من قال: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه سواء، لا يغلب هذا
على هذا، ولا هذا على هذا؛ لأنه إن غلب جانب الرجاء؛ أمن مكر الله، وإن غلب جانب
الخوف؛ يئس من رحمة الله.
وقال بعضهم: في حال الصحة يجعل رجاءه وخوفه واحداً كما
اختاره النووي -رحمه الله- في هذا الكتاب، وفي حال المرض يغلب الرجاء أو يمحضه .
وقال بعض العلماء أيضاً: إذا كان في طاعة؛ فليغلب الرجاء،
وأن الله يقبل منه، وإذا كان فعل المعصية؛ فليغلب الخوف؛ لئلا يقدم على المعصية.
والإنسان ينبغي له أن يكون طبيب نفسه، إذا رأى من نفسه أنه أمن من مكر الله، وأنه
مقيم على معصية الله، ومتمنٍ على الله. الأماني، فليعدل عن هذه الطريق، وليسلك
طريق الخوف.
وإذا رأى أن فيه وسوسة،
وأنه يخاف بلا موجب؛ فليعدل عن هذا الطريق وليغلب جانب الرجاء حتى يستوي خوفه
ورجاؤه.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- آيات جمع الله فيها ذكر ما يوجب الخوف، وذكر ما يوجب
الرجاء، ذكر فيها أهل الجنة وأهل النار، وذكر فيها صفته -عزَّ وجلَّ- وأنه شديد
العقاب وأنه غفور رحيم.
وتأمل قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا
الْبَلاغُ} [المائدة: ٩٨-٩٩]؛ حيث إنه في مقام التهديد والوعيد قدم ذكر شدة
العقاب {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وفي حالة تحدثه عن نفسه وبيان كمال صفاته قال: {نَبِّئْ
عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ
الْأَلِيمُ} [الحجر: ٤٩-٥٠] فقدم ذكر المغفرة على ذكر العذاب؛ لأنه يتحدث
عن نفسه عزَّ وجلَّ، وعن صفاته الكاملة ورحمته التي سبقت غضبه.
ثم ذكر المؤلف أحاديث في هذا المعنى تدل على أنه يجب على الإنسان أن يجمع بين
الخوف الرجاء، مثل قول النبي ﷺ: «لو يعلم المؤمن ما عند الله
من العقوبة؛ ما طمع بجنته أحد».
والمراد لو يعلم علم حقيقة وعلم كيفية، لا أن المراد لو يعلم علم نظر وخبر؛ فإن
المؤمن يعلم ما عند الله من العذاب لأهل الكفر والضلال، لكن حقيقة هذا لا تدرك
الآن، لا يدركها إلا من رقع في ذلك - أعاذنا الله وإياكم من عذابه.
«ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من
جنته أحد»، والمراد حقيقة ذلك، وإلا فإن الكافر يعلم أن الله غفور رحيم،
ويعلم معنى المغفرة، ويعلم معنى الرحمة.
وذكر المؤلف أحاديث في معنى ذلك مثل قوله: «الجنة أقرب
إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك».
شراك النعل يضرب به المثل في القرب؛ لأن الإنسان لابس نعله، فالجنة أقرب إلى أحدنا
من شراك نعله؛ لأنها ربما تحصل للإنسان بكلمة واحدة، والنار مثل ذلك، ربما تحدث
النار بسبب كلمة يقولها القائل، مثل الرجل الذي كان يمر على صاحب معصية فينهاه
ويزجره، فلما تعب قال: والله لا يغفر الله لفلان.
فقال الله تعالى: «من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر
لفلان؟ إني قد غفرت له، وأحبطت عملك»، قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت
دنياه وآخرته.
فالواجب على الإنسان أن يكون طبيب نفسه في كونه يغلب كونه الخوف أو الرجاء، إن رأى
نفسه تميل إلى الرجاء وإلى التهاون بالواجبات وإلى انتهاك المحرمات استناداً إلى
مغفرة الله ورحمته؛ فليعدل عن هذا الطريق، وإن رأى أن عنده وسواساً، وأن الله لا
يقبل منه؛ فإنه يعدل عنه هذا الطريق. وفق الله الجميع.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: