شرح حديث / اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء
باب
فضل الزهد في الدنيا والحثّ عَلَى التَّقلل منها وفضل الفقر
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء
أحاديث
رياض الصالحين: باب فضل الزهد في الدنيا والحثّ عَلَى التَّقلل منها وفضل الفقر
٤٨٨- وعن
عبدِ اللَّه بن مُغَفَّلٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رجُلٌ
للنَّبِيِّ ﷺ: يا رسولَ اللَّه، واللَّه
إِنِّي لأُحِبُّكَ، فقال: «انْظُرْ ماذا تَقُولُ؟»
قال: وَاللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فقال: «إِنْ كُنْتَ تُحبُّني فَأَعِدَّ لَلفقْر تِجْفافاً، فإِنَّ
الفَقْر أَسْرَعُ إلى من يُحِبُّني مِنَ السَّيْل إلى مُنْتَهَاهُ» رواه
الترمذي وقال حديث حسن.
«التِّجْفَافُ» بكسرِ التاءِ المثناةِ فوقُ وإسكان الجيم وبالفاءِ المكررة،
وَهُوَ شَيْءُ يَلْبِسُهُ الفَرسُ، لِيُتَّقَى بِهِ الأَذَى، وَقَدْ يَلْبَسُهُ
الإِنْسَان.
٤٩٠ - وعن
عبدِ اللَّه بن مَسْعُودٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قال: نَامَ رسولُ اللَّه ﷺ على حَصيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في
جَنْبِهِ، قُلْنَا: يا رَسُولَ الَّله لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: «مَالي وَلَلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكبٍ
اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
٤٩١ -
وعن أبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ-
قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: «يَدْخُلُ الفُقَراءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ
بِخَمْسِمائَةِ عَامٍ» رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.
٤٩٢ -
وعن ابن عَبَّاسِ، وعِمْرَانَ بن
الحُصَيْن -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُم- عن النبيِّ ﷺ قال:
«اطَّلعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهلِهَا
الفُقَراءَ. وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّساءَ»
متفقٌ عليه. من رواية ابن عباس.
٤٩٣ - ورواه
البخاري أيْضاً من روايةِ عِمْرَان بنِ الحُصَينِ.
٤٩٤ -
وعن أُسامةَ بنِ زيدٍ -رَضِّيَّ اللهُ
عَنْهُما- عن النبيِّ ﷺ قال: «قُمْتُ عَلى بَاب الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ
دَخَلَهَا المَساكينُ. وأَصَحَابُ الجِدِّ محبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصحَابَ
النَّار قَد أُمِرَ بِهمْ إلى النَّارِ» متفقٌ عليه.
و «الجَدُّ» الحَظُّ وَالغِنَى. وقد سبق بيان هذا الحديث في باب فضلِ
الضَّعَفَةِ.
٤٩٥ - وعن
أبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- عن النَّبِيِّ ﷺ قال:
«أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ
لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شيْءٍ ما خَلا اللهَ بَاطِلُ» متفقٌ عليه.
الشرح:
هذه
الأحاديث ذكره المؤلف رحمه الله تعالى، في باب الزهد في الدنيا، منها حديث عبد
الله بن مغفل -رضي الله عنه- أن رجلًا قال للنبي ﷺ:
والله إني لأحبك، فقال النبي ﷺ: «انظر ماذا تقول؟» قال: والله إني لأحبك، فرددها
ثلاثًا، فقال النبي ﷺ: «إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا، فإن الفقر أسرع إلى من
يحبني من السيل إلى منتهاه» لأن السيل إذا كان له منتهى وقد جاء من مرتفع
يكون سريعًا.
ولكن
هذا الحديث لا يصح عن النبي ﷺ؛ لأنه لا ارتباط
بين الغنى ومحبة النبي ﷺ، فكم من إنسان غني
يحب الرسول عليه الصلاة والسلام، وكم من إنسان فقير أبغض ما يكون إليه الرسول عليه
الصلاة والسلام، فهذا الحديث لا يصح عن النبي صل الله عليه وسلم.
ولكن
علامة محبة الرسول ﷺ أن يكون الإنسان أشد
اتباعًا له، وأشد تمسكًا بسنته، كما قال تعالى: {قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٣١].
فالميزان
هو اتباع الرسول -عليه الصلاة والسلام- من كان للرسول أتبع فهو له أحب، وأما الفقر
والغنى فإنه بيد الله -عز وجلَّ.
وكذلك أيضًا من الزهد في الدنيا ما كان النبي ﷺ
من شظف العيش وقلة ذات اليد، حيث كان ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه.
فيقال
له: الا نجعل لك وطاءً، يعني: فراشًا تطؤه وتنام عليه؟ فقال: «مالي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة
ثم راح وتركها».
فالرسول
ﷺ ليس له هم في الدنيا، ولا يبقى عنده مال بل
كله ينفقه في سبيل الله، ويعيش عيشة الفقراء.
ثم ذكر المؤلف أحاديث في أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء، وأن الفقراء أكثر
أهل الجنة، وذلك لأن الفقراء ليس عندهم ما يطغيهم، فهم متمسكنون خاضعون.
ولهذا
إذا تأملت الآيات؛ وجدت أن الذين يكذبون الرسل هم الملأ، الأشراف، والأغنياء، وأن
المستضعفين هم الذين يتعبون الرسول، فلهذا كانوا أكثر أهل الجنة، وكانوا يدخلون
الجنة قبل الأغنياء بتقادير اختلفت فيها الأحاديث عن النبي ﷺ، ويجمعها أن السير يختلف، فقد يكون السير في عشرة
أيام لشخص مسرع يسيره الآخر في عشرين يومًا مثلًا.
ثم ذكر قول النبي -عليه الصلاة والسلام- في كلمة لبيد الشاعر المشهور، قال: «أصدق كلمة قالها شاعر؛ كلمة لبيد: الا كلُّ شيء ما خلا الله
باطل».
كل
شيء سوى الله فهو باطل ضائع لا ينفع، وأما ما كان لله؛ فإنه هو الذي ينفع صاحبه
ويبقى له، ومن ذلك الدنيا فإنها باطل، كما قال تعالى: {اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ
وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد: ٢٠]، إلا ما كان
فيها من ذكر الله وطاعته، فإنه حق وخير.
وفي
هذا الحديث إشارة إلى أن الحق يقبل حتى لو كان من الشعراء، فالحق مقبول من كل أحد
جاء به، حتى لو كان كافرًا وقال بالحق فإنه يقبل منه، ولو كان شاعرًا أو فاسقًا
وقال بالحق فإنه يقبل منه.
وأما
من قال بالباطل فقوله مردود ولو كان مسلمًا؛ يعني: العبرة بالمقالات لا بالقائلين،
ولهذا ينبغي على الإنسان أن ينظر إلى الإنسان من خلال فعله لا من شخصه. وفق الله
الجميع.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: