شرح حديث / أيها الناس مالكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق
باب
الإصلاح بين الناس
شرح
الدكتور خالد بن عثمان بن على السبت
شرح حديث / أيها الناس مالكم حين
نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق
أحاديث رياض الصالحين
باب
الإصلاح بين الناس الحديث رقم ٢٥٦
عن أَبي العباس سهلِ بنِ سعدٍ
السَّاعِدِيِّ - رضي اللَّهُ عنه - أَن رسولَ اللَّه ﷺ
بلَغهُ أَنَّ بَني عَمْرِو بن عوْفٍ كان بيْنهُمْ شَرٌّ، فَخَرَجَ رسولُ اللَّه ﷺ يُصْلِحُ بَيْنَهمْ فِي أُنَاسٍ مَعَه، فَحُبِسَ
رسول اللَّه ﷺ وَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ
بِلالٌ إِلَى أَبي بَكْرٍ- رضي اللَّه عنهما - فقال: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ رسولَ
اللَّهِ ﷺ قَدْ حُبِسَ، وَحَانَتِ الصَّلاةُ،
فَهَلْ لكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاس؟ قال: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَأَقَامَ بِلالٌ
الصَّلاةَ، وَتقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ وكبَّرَ النَّاسُ، وَجَاءَ رسول
اللَّه يمْشِي في الصُّفوفِ حتَّى قامَ في الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي
التَّصْفِيقِ، وكَانَ أَبُو بَكْر - رضي اللَّه عنه - لا يَلْتَفِتُ فِي صلاتِهِ،
فَلَمَّا أَكَثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ، فَإِذَا رسولُ اللَّه ﷺ، فَأَشَار إِلَيْهِ رسول اللَّه ﷺ، فَرَفَعَ أَبْو بَكْر - رضي اللَّه عنه - يدَهُ
فَحمِد اللَّه، وَرَجَعَ القهقرى وَراءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَتَقدَّمَ
رسول اللَّه ﷺ، فَصَلَّى للنَّاسِ، فَلَمَّا
فرغَ أَقْبلَ عَلَى النَّاسِ فقال: «أَيُّهَا
النَّاسُ مالَكُمْ حِين نَابَكُمْ شَيْءٌ في الصَّلاَةِ أَخذْتمْ فِي
التَّصْفِيقِ؟ إِنَّما التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ. منْ نَابُهُ شيءٌ فِي صلاتِهِ
فَلْيَقلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ؟ فَإِنَّهُ لا يَسْمعُهُ أَحدٌ حِينَ يَقُولُ:
سُبْحانَ اللَّهِ، إِلاَّ الْتَفَتَ. يَا أَبَا بَكْرٍ: ما منعَك أَنْ تُصَلِّيَ
بِالنَّاسِ حِينَ أَشرْتُ إِلَيْكَ؟» فقال أَبُو بكْر: مَا كَانَ ينبَغِي
لابْنِ أَبي قُحافَةَ أَنْ يُصلِّيَ بِالنَّاسِ بَيْنَ يَدَيْ رسولِ اللَّه ﷺ. متفقٌ عليه.
معنى
«حُبِس»: أَمْسكُوهُ لِيُضيِّفُوه.
الشرح
أن
رسول الله ﷺ بلغه أن بني عمرو بن عوف. وهم بطن
من الأوس، ومعلوم أن الأنصار -رضي الله تعالى عنهم- كانوا على قبيلين: الأوس،
والخزرج، فهؤلاء من بطون الأوس العظام، ويتفرع منهم فروع من قبائل الأوس.
كان
بينهم شر، وجاء في بعض الروايات أنه كان بينهم كلام، وخصومة، وفي بعض الروايات أنه
وقع بينهم تراشق بالحجارة أي: اختصموا، واحتدم الأمر بينهم حتى حصل التراشق
بالحجارة، -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
فخرج
رسول الله ﷺ يصلح بينهم في أناس معه، وفي بعض
الروايات أنه ﷺ أمر بعض أصحابه أن يقوموا معه
من أجل الإصلاح بين هؤلاء.
فخرج
معه سهيل بن بيضاء، وأبي بن كعب -رضي الله تعالى عنهم- فحُبس رسول الله ﷺ وحانت الصلاة.
وجاء
في بعض الروايات أن النبي ﷺ خرج إليهم بعد أن
صلى الظهر، وكانت منازلهم في قباء، فلما أتاهم النبي ﷺ
وأصلح بينهم حُبس عن صلاة العصر، أي: حضرت صلاة العصر، ومعنى حُبس أي: أنهم أرادوا
النبي ﷺ أن يجلس معهم، وأن يستضيفوه، فالنبي ﷺ طيب خواطرهم لهذا.
وفي
هذا من الفوائد ما لا يخفى من حرص النبي ﷺ على
الإصلاح بين الناس، وهو القدوة والأسوة، فكان يأمر بذلك، ويحث عليه ويبين فضله،
ويقوم به في نفسه، وأيضًا فيه أن كبير القوم -الكبير المطاع- أنه يسعى في إصلاح
أحوال المجتمع، ولم الشمل والشعث، ورأب الصدع، وإزالة أسباب الفرقة والبغضاء بين
الناس، ولا يترفع ولا يتعالى، وإنما يذهب إليهم بنفسه إلى محالهم، ولا ينتظر منهم
أن يأتوا إليه.
ثم
فيه تواضع النبي ﷺ
مع هذا كله أيضًا يبقى عندهم، وتحضر صلاة العصر وهو -عليه الصلاة والسلام- جالس
بينهم تطييبًا لخواطرهم.
قال:
وحانت صلاة العصر، فجاء بلال إلى أبي بكر -رضي الله عنهم- فقال: يا أبا بكر إن
رسول الله ﷺ قد حبس وحانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟ قال: نعم إن شئت.
وفي
رواية عند الإمام أحمد: أن النبي ﷺ هو الذي
أمر بلالًا بذلك، أمره إن حبس أن يأتي أبا بكر، وأن يأمره أن يصلي بالناس، ففعل
بلال -رضي الله تعالى عنه- ذلك وأدى هذا بطريق العرض، فهل لك أن تصلي بالناس؟ قال:
نعم، إن شئت، فأقام بلال الصلاة وتقدم أبو بكر [١].
وفي
هذا بيان فضيلة أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-، فهو المقدم في هذه الأمة بعد
رسول الله ﷺ حيث استخلفه الرسول -عليه الصلاة
والسلام- ليصلي بالناس، وكذلك في مرض موته -عليه الصلاة والسلام-، قال: «مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. [٢]»،
وقال: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. [٣]»
فإذا
كان النبي ﷺ قد رضيه لدينهم أن يكون مقدمًا
ليصلي بهم، فمن باب أولى أن يكون قد رضيه لدنياهم؛ ولهذا فإن النبي ﷺ على الأرجح عند أهل
السنة لم يستخلف أحدًا بعده، وإنما يؤخذ من بعض الإشارات في تصرفات النبي ﷺ أنه قدم أبا بكر؛ لأنه قدمه عليهم في الصلاة، فلا
شك أن أبا بكر -رضي الله عنه- هو المقدم، وهو الأول بعد رسول الله -عليه الصلاة
والسلام-، وفضائله كثيرة جدًّا لا يسع المقام لحصرها -رضي الله تعالى عنه وأرضاه،
ولعن من لعنه.
قال:
فأقام بلال الصلاة، وتقدم أبو بكر، فكبر وكبر الناس، وجاء رسول الله ﷺ يمشي في الصفوف.
كما
جاء في بعض الروايات: يشق الصفوف حتى قام في الصف، أي: الأول، فأخذ الناس في
التصفيق، وفي بعض الروايات التصفيح، وبعض أهل العلم يقولون: التصفيح والتصفيق
بمعنى واحد، وهذا هو المشهور، ومنهم من يقول: إن التصفيح هو: الضرب بظاهر الكف،
وأما التصفيق فهو بباطنها، ومنهم من يقول: الضرب بأصبعين للتنبيه، هذا التصفيح،
والمشهور أنهما بمعنى واحد.
فالحاصل
أن هؤلاء كأنهم لم يبلغهم هدي النبي ﷺ فيما
يفعله المصلي إذا نابه أمر، أو أن يكون ذلك قبل أن يعلمهم رسول الله ﷺ، وإلا فسيأتي في هذا الحديث أن التصفيق للنساء،
فهو لا يليق بالرجال ولا يصلح لهم، لا في الصلاة، ولا في خارج الصلاة، فإذا كان لا
يصلح في الصلاة مع الحاجة، ونهاهم النبي ﷺ عنه فمن باب أولى في خارج الصلاة.
والله
-عز وجل- قال عن المشركين: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ
عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ
تَكْفُرُون} [الانفال: ٣٥]، والمكاء هو: التصفير، والتصدية هي:
التصفيق.
وقال
الله -عز وجل- عن قوم لوط: {وَتَأْتُونَ فِي
نَادِيكُمُ الْمُنكَر} [العنكبوت: ٢٩]، قال جماعة من المفسرين:
كان مما كانوا يأتون به في مجالسهم التصفيق والتصفير، قالوا: هو من عمل قوم لوط،
والنبي ﷺ لم يكن
يصفق، وكان إذا أعجبه شيء كبّر، وإذا تعجب من شيء سبح، فلا يحسن بالإنسان بأي
مناسبة من المناسبات أن يصفق، وهو في حق النساء أسهل منه في حق الرجال.
يقول:
فلما أكثر الناس التصفيق التفت فإذا رسول الله ﷺ،
فأشار إليه رسول الله ﷺ
أن يبقى، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- لا يلتفت في الصلاة، وقد يفهم من مفهوم
المخالفة أن غيره قد يلتفت، والالتفات في الصلاة من غير حاجة مكروه، كما هو معلوم،
ولحاجة يجوز، فلو أن الإمام ارتبك مثلًا وقام الناس يقولون: سبحان الله، سبحان
الله، وهو لا يدري لماذا يقولون هذا، ولم يعلم أنه سها، وأكثر الناس من هذا، فلو
أنه التفت إليهم، ونظر فإن ذلك لا يضره، وصلاته صحيحة، ولا إشكال فيها، وكذلك لو
أنه سمع صوتًا مفزعًا خاف فيه على بعض من وراءه من الناس فالتفت، فإن ذلك لا يضره.
والنبي
ﷺ حينما بعث رجلًا عينًا، فكان ينظر ويلتفت
إلى تلك الناحية من الوادي؛ لينظر هل جاء الرجل الذي أرسله أو لم يأت؟ وهو يصلي
-عليه الصلاة والسلام-، فالحاصل أن الالتفات للحاجة لا إشكال فيه.
قال:
فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فإذا رسول الله ﷺ،
أي: قد جاء، فأشار إليه رسول الله ﷺ، وقد يفهم من بعض الروايات أن إشارة النبي ﷺ كانت قبل أن يكبر، يعني رسول الله ﷺ أشار إليه، أي: أن يبقى، ولا يرجع، فرفع أبو بكر
-رضي الله عنه- يده فحمد الله، ورجع القهقرى وراءه.
وفي
بعض الروايات: رفع يديه فحمد الله وأثنى عليه على هذه النعمة والمنة والإفضال، وهي
أن النبي ﷺ جعله بهذه المنزلة، وهي رضاه أن
يكون خلفه، فهذه منقبة لأبي بكر، لو كان أبو بكر -رضي الله عنه-منافقًا-وحاشاه من
ذلك، أو نحو هذا- لما قبل النبي ﷺ
أن يصلي، وأن يتقدم بالناس، ولا أن يصلي خلفه، لكن كون النبي ﷺ يشير إليه أن يبقى، فهذه نعمة عظيمة جدًّا، ومنقبة
وتزكية لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فرفع يديه، فدل ذلك على أن رفع اليدين في
الصلاة لا إشكال فيه.
وقوله:
فحمد الله، يحتمل أنه حمد الله بصوت يسمع، وهذا لا يبطل الصلاة، باعتبار أن الحمد
من الذكر، فالمأموم أو الإمام إذا قال شيئًا من الذكر في أثناء الصلاة، ولو على
سبيل التنبيه لغيره فإن ذلك لا يبطل صلاته، وهذا جاء عن جماعة، فهذا عمر -رضي الله
عنه- كان يصلي بالناس أمام الكعبة، وهو إمام فقرأ فلما بلغ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: ٣]،
رفع بها صوته، وهكذا ذكر أهل العلم قالوا: لو أن الإمام أو المصلي عمومًا قال عند
طرق جماعة الباب: {ادْخُلُواْ الْبَابَ} [النساء:
١٥٤]، وهذا جزء من آية، قالوا: إن قصد به الكلام بطلت صلاته، وإن ذكره على
سبيل القراءة لينبه لم تبطل صلاته؛ لأنه من الذكر.
فأبو
بكر -رضي الله عنه- حمد الله، وفي بعض الروايات أن النبي ﷺ سأله عن رفع يديه بعد الصلاة، فذكر أنه حمد
الله على ذلك، فقد لا يكون حمد الله بصوت يسمع، ولو فعل ذلك لما ضره في صلاته.
ورجع
القهقرى، أي: من أجل أن لا يستدبر القبلة، يرجع إلى الوراء وهو مستقبل القبلة، رجع
القهقرى، أي: وراءه، حتى قام في الصف.
فتقدم
رسول الله ﷺ فصلى
للناس، وهذا أيضًا من أدب أبي بكر -رضي الله عنه-، فالنبي ﷺ أقره، ومع ذلك هو لم يرضَ لنفسه بهذا.
فلما
فرغ أقبل على الناس، أي: النبي ﷺ، وهذا يدل
على أن الصلاة يمكن أن يصلي فيها إمامان وأكثر، مثل هذه الصلاة افتتحها أبو بكر،
وأتمها النبي ﷺ
فهذا يقع على صور منها: لو أن الإمام انتقضت طهارته، فإنه يتراجع، ثم يتقدم آخر،
وأيضًا لو أن الإمام جاء وأرجع الذي تقدم -بعد أن توضأ- صح ذلك، ورجع هو إلى الإمامة
باعتبار أنه أحق بها، فصار الآن كأنهم ثلاثة أئمة، وهكذا لو جاء الآن مسبوق يصلي
خلف الإمام، ثم بعد ذلك يصلي بمن جاء بعده، بعد أن يقضي لنفسه، فيكون مأمومًا
ويكون إمامًا بعد ذلك، يمكن هذا.
يقول:
فلما فرغ أقبل على الناس فقال: «أيها الناس، مالكم
حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق؟ إنما التصفيق للنساء»، يعني: في
الصلاة، «من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله،
فإنه لا يسمعه أحد حين يقول: سبحان الله إلا التفت، يا أبا بكر، ما منعك أن تصلي
بالناس حين أشرت إليك؟» فقال أبو بكر: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي
بالناس بين يدي رسول الله ﷺ
[٤].
وهذا
من تواضعه -رضي الله عنه-، وأبو قحافة اسمه عثمان، ولم يذكر كنيته، ما قال: ما كان
ينبغي لأبي بكر؛ لأن ذكر الكنية فيه نوع من الإكرام والتعظيم، وهو أراد أن يضع من
نفسه عند رسول الله ﷺ وهو بين يديه، وفي
الرواية التي أشرت إليها عند الإمام أحمد: "رفعت يدي؛ لأني حمدت الله على ما
رأيت منك، ولكن لم يكن ينبغي لابن أبي قحافة أن يؤم" أي: لما رأيت منك حينما
أقررتني على الصلاة بالناس بين يديك، متفق عليه.
فهذا
الحديث يتضمن فوائد كثيرة، لكن الموضوع الأساس الذي سيق من أجله هو ما يتعلق
بالإصلاح بين الناس.
هذا،
وأسأل الله -عز وجل- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين،
وصل الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
الحمد لله رب العالمين
[١] أخرجه أحمد (٤٧٣/٣٧)، رقم: (٢٢٨١٦).
[٢]
أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب حد المريض أن يشهد الجماعة، (١/١٣٤)، رقم: (٦٦٤)،
ومسلم، كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر، وغيرهما من
يصلي بالناس، وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه،
ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام، (٣١٣/١)، رقم: (٤١٨).
[٣] أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، باب من
فضائل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، (١٨٥٧/٤)، رقم: (٢٣٨٧).
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / أيها الناس مالكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق
Reviewed by احمد خليل
on
11:58:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: