شرح حديث/ من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا

شرح حديث/ من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث

باب تعظيم حُرمات المُسلمين

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح – حديث – من – مر – في – شيء – من – مساجدنا – أو - أسواقنا

شرح حديث/ من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا


أحاديث رياض الصالحين: باب تعظيم حُرمات المُسلمين.

٢٢٨- وعن أَبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه : «مَن مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا، أَوْ أَسْوَاقِنَا، ومَعَه نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ، أَوْ لِيَقْبِضْ عَلَى نِصالِهَا بِكفِّهِ أَنْ يُصِيب أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ» [١] مُتَّفَقٌ عليه.

٢٣٠- وعن أَبي هُريْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قبَّل النَّبِيُّ الْحسنَ بن عَليٍّ رضي اللَّه عنهما، وَعِنْدَهُ الأَقْرعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشرةً مِنَ الْولَدِ مَا قَبَّلتُ مِنْهُمْ أَحدًا فنَظَر إِلَيْهِ رسولُ اللَّه فقَالَ: «مَن لا يَرْحمْ لاَ يُرْحَمْ» [٢] متفقٌ عَلَيهِ.

 

الشرح:

ذكر المؤلف رحمه الله، جملة من أحاديث الرفق بالمسلمين، منها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي  قال: "مَن مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا، أَوْ أَسْوَاقِنَا، ومَعَه نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ، أَوْ لِيَقْبِضْ عَلَى نِصالِهَا بِكفِّهِ".

النبل: السهام التي يُرمى بها، وأطرافها تكون دائمًا دقيقة تنفذ فيما تصيبه من المرمي، فإذا أمسك الإنسان بها وقى الناس شرها. وإذا تركها هكذا فربما تؤذي أحدًا من الناس، ربما يأتي أحدٌ بسرعة فتخدشه، أو يمرّ الرجل الذي يمسك بها وهي مفتوحة غير ممسكة فتخدشهم أيضًا.

ومثل ذلك أيضًا العصيّ، إذا كان معك عصّا فامسكها طولًا، يعني اجعل رأسها إلى السماء ولا تجعلها عرضًا؛ لأنك إذا جعلتها عرضًا آذيت الناس الذين وراءك، ربما تؤذى الذين أمامك. ومثله الشمسية أيضًا؛ إذا كان معك شمسية وأنت في السوق فارفعها، لئلا تؤذي الناس.

فكل شيء يؤذي المسلمين أو يُخشى من أذيته فإنه يتجنبه الإنسان؛ لأن أذية المسلمين ليست بالهينة. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٥٨].

 

ومن الأحاديث التي ذكرها المصنف حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي  قبل الحسن بن عَليٍّ بن أبي طالب، وكان عنده الأقرع بن حابس، والحسن بن عَليٍّ بن أبي طالب هو ابن فاطمة بنت رسول الله ، فجده من أمه رسول الله ، وأبوه عَليٍّ بن أبي طالب ابن عم النبي ، وكان النبي  يحبُ الحسن والحسين؛ لأنهما سبطاه، يفضل الحسن على الحسين، لأن الحسن قال فيه النبي : «إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُصْلِحَ به بيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ» [٣]. فكان الأمر كما قال النبي  لما حصلت الفتنة في زمن معاوية، وآلت الخلافة إلى الحسن بعد أبيه عَليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه، تنازل عنها رضي الله عنه، لمعاوية بن أبي سفيان حقنًا لدماء المسلمين؛ لأنه يعلم أن في الناس أشرارًا، وأنهم ربما يأتون إليه ويغرونه كما فعلوا بأخيه الحسين بن عَليٍّ رضي الله عنهم، غرّه أهل العراق وحصل ما حصل من المقتلة العظيمة في كربلاء وقُتل الحسين.

أما الحسن رضي الله عنه، فإنه تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، فصار ذلك مصداقًا لقول النبي : «ولَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُصْلِحَ به بيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ».

 

كان عند النبي ، الأقرع بن حابس من زعماء بني تميم، والغالب أن أهل البادية وأشباههم يكون يهم جفاء، فقبل النبي  الحسن، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحدًا منهم، أعوذ بالله من قلب قاسٍ لا يقبلهم ولو كانوا صغارًا، فنظر إليه النبي  وقال: «مَن لا يَرْحمْ لاَ يُرْحَمْ»، يعني: أن الذي لا يرحم عباد الله لا يرحمه الله، ويُفهم من هذا أن من رحم عباد الله رحمه الله، وهو كذلك فقد قال النبي : «الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ» [٤].

ففي هذا دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يستعمل الرحمة في معاملة الصغار ونحوهم، وأنه ينبغي للإنسان أن يقبل أبناءه، وأبناء بناته، وأبناء أبنائه، يقبلهم رحمة بهم، واقتداءً برسول الله ، أما ما يفعله بعض الناس من الجفاء والغلظة بالنسبة للصبيان، فتجده لا يمكن صبيه من أن يحضر على مجلسه، لا أن يمكِّن صبيه من أن يطلب منه شيئًا، وإذا رآه عند الرجال انتهره، فهذا خلاف السُّنَّة وخلاف الرحمة.

 

كان النبي عيه الصلاة والسلام، يصلي بالناس إحدى صلاتي العشي، إما العصر وإما الظهر، فجاءته بنت بنته "أمامه"، فكان النبي  يحملها وهو يصلي بالناس؛ إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها [٥]. فأين هذا الخلق من أخلاقنا اليوم؟ الآن لو يجد الإنسان صبيه في المسجد أخرجه فضلًا عن كونه يحمله في الصلاة.

وكان النبي  يومًا من الأيام ساجدًا فجاءه الحسن أو الحسين فركب عليه، أي: جعله راحلة له، فأطال النبي  السجود، فلما سلم قال: «ابْني ارْتَحَلَني، فكرِهْتُ أنْ أُعْجِلَهُ حتَّى يَقضيَ نهمته» [٦].

 

وكان  ليخطب في الناس يومًا على المنبر، فأقبل الحسن والحسين وعليهما ثوبان جديدان يعثران بهما، فنزل النبي  وحملهما بين يديه، وقال: «صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: ١٥]، نظرتُ إلى هذينِ الصَّبيَّينِ يمشيانِ ويعثُرانِ فلم أصبِر» [٧]، يعني: فما طابت نفسه حتى نزل وحملهما.

ففي هذا كله وأمثاله دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يرحم الصغار، ويلطف بهم، وأن ذلك سبب لرحمة الله عزَّ وجلَّ، نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته ولطفه وإحسانه.

 

[١] أخرجه البخاري: رقم (٧٠٧٥)، ومسلم: رقم (٢٦١٥).

[٢] أخرجه البخاري: رقم (٥٩٩٧)، ومسلم: رقم (٢٣١٨).

[٣] أخرجه البخاري: رقم (٧١٠٩).

[٤] أخرجه أبو داود: كتاب الأدب، باب في الرحمة، رقم (٤٩٤١) والترمذي: كتاب البر والصلة، باب ما جاء ي رحمة الناس، رقم (١٩٢٤) وقال الترمذي: حديثٌ حسن غريب.

[٥] أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، رقم (٥١٦) ومسلم: كتاب المساجد، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، رقم (٥٤٣).

[٦] أخرجه النسائي: كتاب التطبيق، باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدة، رقم (١١٤١)، وأحمد: في المسند (٣/٤٩٤).

[٧] أخرجه أبو داود: (١١٠٩)، والترمذي: (٣٧٧٤) واللفظ له، والنسائي: (١٤١٣)، وابن ماجه: (٣٦٠٠)، وأحمد: (٢٢٩٩٥).


الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين

اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم

تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0