شرح حديث/ قاربوا وسددوا

شرح حديث/ قاربوا وسددوا
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح أحاديث رياض الصالحين باب الاستقامة
شرح حديث/ قاربوا وسددوا
أحاديث رياض الصالحين
باب الاستقامة الحديث رقم 87 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  :(قاربوا وسدِّدوا، واعلموا أنه لنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِهِ) قالوا: و لا أنت يا رسول الله؟ قالو لا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمة منه و فضل (رواه مسلم.

و(المقاربة) القصد الذي لا غُلُوَّ فيه ولا تقصير. و(السداد) الاستقامة والإصابة، و(يتغمدني) يُلبِسَني ويستُرني. قال العلماء: معنى الاستقامة: لُزُومُ طاعة الله تعالى، قالوا: وهي من جوامع الكلم، وَهِيَ نظام الأمور، وبالله التوفيق.


الشرح
هذا الحديث يدل على أنَّ الاستقامة على حسب الاستطاعة، وهو قول النبي (قارِبوا وسَدِّدوا) أي: قاربوا ما أمرتم به، واحرصوا على أن تقرُبوا منه بقدر المسْتَطَاع. وقوله ) سدِّدُوا أي سدِّدُوا على الإصابة؛ أي: احْرصوا على أن تكون أعمالكم مصيبةً للحق بقدر المستطاع، وذلك لأن الإنسان مهما بلغ من التقوى، فإنه لابد أن يخطىءَ، كما جاء في الحديث عن النبي أنه قال ) كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطائين التوابون( ، وقال عليه والصلاة السلام( لو لم تُذنِبوا لذهب الله بكم، وَلَجَاءَ بقوم يُذنِبون فيستغفرون اللهَ فيغفرُ لهم ) . فالإنسان مأمور أن يقارب ويُسدد بقدر ما يستطيع. ثم قال عليه الصلاة والسلام(واعلموا أنَّه لن يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِه) أي: لن ينجو من النار بعمله. وذلك لأن العمل لا يبلغ ما يجب لله_ عز وجل _ من الشُّكر، وما يجب له على عباده من الحقوق، ولكن يتغمد الله_ سبحانه وتعالى _ العبد برحمته فيغفر له. فلما قال(لَنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِه) قالوا له: ولا أنت؟قال  ) ولا أنا حتى النبي عليه الصلاة والسلام لن ينجو بعمله ( إلا أن يتغمدني الله برحمة منه). فدلَّ ذلك على أن الإنسان مهما بلغ من المرتبة والولاية، فإنه لن ينجوَ بعمله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام، لولا أن الله مَنَّ عليه بأن غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، ما أنْجاه عمله. فإن قال قائل: هناك نُصُوص من الكتاب والسنة تدل على أن العمل الصالح ينجي من النار ويُدخل الجنة، مثل قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل:97(، فكيف يُجمَع بين هذا وبين الحديث السابق؟ والجواب عن ذلك: أن يقال: يُجمع بينهما بأن المنفيَّ دخول الإنسان الجنة بالعمل في المقابلة، أما المثْبتُ: فهو أن العمل سبب وليس عوضا. فالعمل _ لا شكَّ_ أنه سَبَب لدخول الجنة والنجاة من النار، لكنه ليس هو العوض، وليس وحده الذي يدخل به الإنسان الجنة، ولكن فضل الله ورحمته هما السَّبب في دخول الجنة وهما اللذان يوصلان الإنسان إلى الجنة وينجيانه من النار.
وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الإنسان لا يعجب بعمله، مهما عملت من الأعمال الصالحة لا تُعْجَبْ بعملك، فعملُكَ قليل بالنسبة لحق الله عليك. وفيه أيضا من الفوائد: أنه ينبغي على الإنسان أن يُكثر من ذكر الله دائما، ومن السؤال بأن يتغمَّده الله برحمته ،فأكثر من ذلك ،وقل دائما(اللَّهم تغمدني برحمة منك وفضل) لأن عملك لن يوصلك إلى مرضاة الله، إلا برحمة الله عز وجل. وفيه دليل على حرص الصحابة_ رضي الله عنهم _ على العلم؛ ولهذا لما قال(لَنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِه) استفصلوا، هل هذا العموم شامل له أم لا؟ فبَيَّنَ لهم أنَّه شامل له.
و من تدبر أحوال الصحابة - رضي الله عنهم - مع النبي . وجد أنَّهم أحرص الناس على العلم، وأنهم لا يتركون شئيا يحتاجون إليه في أُمور دينهم و دنياهم إلا ابتدروه و سألوا عنه. و الله الموفق.

الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ 
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0