شرح حديث/ ألا أريك امرأة من أهل الجنة
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن
عثيمين رحمه الله
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصَّبر
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصَّبر
شرح حديث/ ألا أريك امرأة من أهل الجنة
أحاديث رياض الصالحين
باب الصبر الحديث رقم
36
عن
عطاء بن أبى رباح قال: قال لي ابن عباس-رضي الله عنهما-ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟
فقلت بلى، قال: هذه المرأة السوداء. أتت النبي ﷺ فقالت:
إني أُصرع، وإني أتكشَّف، فادع الله تعالى لي قال: (إن
شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يُعافيكِ) فقالت: أصبر.
فقالت: إني اتكشف، فادع الله أن لا أتكشف. فدعا لها متفق عليه.
الشرح
قوله (ألا
أريك امرأة من أهل الجنة) يعرض عليه أن يريَهُ امرأة من أهل الجنة. وذلك لأن
أهل الجنة ينقسمون إلى قسمين: قسم نشهد لهم بالجنة بأوصافهم، وقسم نشهد لهم بالجنة
بأعيانهم.
1
-أما الذين نشهد لهم بالجنة بأوصافهم فكل مؤمن، كل متَّق، فإننا نشهد بأنه من
أهل
الجنة. كما قال الله سبحانه وتعالى في الجنة:﴿ أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ ﴾ (آل عمران: 133)،
وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ
رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا ﴾ (البينة:7،8) ،
فكل مؤمن متقٍ يعمل الصالحات فإننا نشهد بأنه من أهل الجنة. ولكن لا نقول هو فلان
وفلان، لأننا لا ندري ما يُختمُ له، ولا ندري هل باطنه كظاهره، فلذلك لا نشهد له
بعَيْنه. فإذا مات رجل مشهود له بالخير قلنا: نرجو أن يكون من أهل الجنة، لكن لا
نشهد أنه من أهل الجنة.
2
-قسم آخر نشهد له بعينه، وهم الذين شَهِدَ لهم النبي ﷺ بأنهم في الجنة، مثل العشرة المبشرين بالجنة، وهم
أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف،
وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، والزبير بن العوام، رضي الله
عنهم.
ومثل
ثابت بن قيس بن شماس، ومثل سعد بن معاذ، ومثل عبد الله بن سلام، ومثل بلال بن
رباح، وغيرهم، رضي الله عنهم، ممَّن عينهم الرسول عليه الصلاة والسلام، فهؤلاء
نشهد لهم بأعيانهم، نقول: نشهد بأن أبا بكر في الجنة، ونشهد بأن عمر في الجنة،
ونشهد بأن عثمان في الجنة، نشهد بأن عليا في الجنة، وهكذا.
ومن
ذلك هذه المرأة التي قال ابن عباس لتلميذه عطاء بن أبي رباح: (ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى! قال: هذه
المرأة السوداء).
امرأة
سوداء لا يؤبه لها في المجتمع، كانت تُصرع وتنكشف، فأخبرت النبي عليه الصلاة
والسلام وسألته أن يدعو الله لها، فقال لها (إن
شئت دعوت الله لك، وإن شئت صبرت ولك الجنة، قالت: أصْبر)، وإن كانت
تتألم وتتأذى من الصرع، لكنها صبرت من أجل أن تكون من أهل الجنة. ولكنها قالت: يا
رسول الله إني أتكشَّف، فادع الله أن لا أتكشف. فدعا الله أن لا تتكشف، فصارت
تُصرع ولا تتكشف.
والصرع-نعوذ
بالله منه-نوعان:
1
-صرع بسبب تشنُّج الأعصاب: وهذا مرض عضوي يمكن أن يعالج من قبل الأطباء الماديين،
بإعطاء العقاقير التي تُسكِّنه أو تزيله تماماً.
2
-وقسم آخر بسبب الشياطين والجن، يتسلط الجني على الإنسي فيصرعه ويدخل فيه،
ويضرب به على الأرض، ويغمى عليه من شدة الصرع، ولا يحس، ويتلبَّس الشيطان أو الجني
بنفس الإنسان ويبدأ يتكلم على لسانه، الذي يسمع الكلام يقول إن الذي يتكلم الإنسي،
ولكنه الجني، ولهذا تجد في بعض كلامه الاختلاف، لا يكون ككلامه وهو مستيقظ؛ لأنه
يتغير بسبب نطق الجني.
هذا
النوع من الصرع-نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه ومن غيره من الآفات -هذا النوع
علاجه بالقراءة من أهل العلم والخير، يقرأون على هذا المصروع.
فأحياناً
يخاطبهم الجني ويتكلم معهم، ويُبَيِّنُ السبب الذي جعله يصرع هذا الإنسي، وأحياناً
لا يتكلم.
وقد
ثبت صرع الجنى للإنسي بالقرآن، والسنة، والواقع.
ففي
القرآن قال الله سبحانه:﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ
مِنَ الْمَسِّ ﴾(البقرة: 275)،
وهذا دليل على أن الشيطان يتخبط الإنسان من المس وهو الصرع.
وفي
السنة: روى الإمام أحمد في مسنده (أن
النبي ﷺ كان
في سفر من أسفاره، فمرَّ بامرأة معها صبي يُصرع، فأتت به إلى النبي عليه الصلاة
والسلام، وخاطب الجني وتكلم معه وخرج الجني. فأعطت أم الصبي الرسول ﷺ هدية على ذلك).
وكذلك
أيضاً كان أهل العلم يخاطبون الجني في المصروع ويتكلمون معه، ومنهم شيخ الإسلام
ابن تيميه رحمه الله، ذكر ابن القيم -وهو تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية -أنه جيء
إلى شيخ الإسلام برجل مصروع، فجعل يقرأ عليه ويُخاطبه ويقول لها: اتقي الله أخرجي-لأنها
امرأة-فتقول له: أريد هذا الرجل وأحبُّه، فقال لها شيخ الإسلام: لكنه لا يحبك
اخرجي، قالت إني أريد أن أحج به. قال هو لا يريد أن تحجي به اخرجي. فأبت، فجعل
يقرأ عليها ويضرب الرجل ضربا عظيماً، حتى إن يد شيخ الإسلام أوجعته من شدة الضرب.
فقالت
الجنية: أنا أخرج كرامة للشيخ، قال: لا تخرجي كرامة لي، اخرجي طاعة لله ورسوله.
فما زال بها حتى خرجت، ولما خرجت استيقظ الرجل فقال: ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ؟
قالوا: سبحان الله ! أما أحسست بالضرب الذي كان يضربك أشد ما يكون؟ قال
ما أحسست بالضرب ولا أحسست بشيء. والأمثلة على هذا كثيرة.
هذا
النوع من الصرع له علاج يدفعه، وله علاج يرفعه.
فهو
نوعان:
1
-أما دفعه: فبأن يحرص الإنسان على الأوراد الشرعية الصباحية والمسائية.
وهي معروفة في كتب أهل العلم، منها: آية الكرسي، فإن من قرأها في ليلة لم يزل
عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح. ومنها سورة الإخلاص والفلق
والناس، ومنها أحاديث وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام، فليحرص الإنسان
عليها صباحاً ومساء، فإن ذلك من أسباب دفع أذيَّةِ الجن.
2
-وأما الرفع: فهو إذا وقع بالإنسان فإنه يقرأ عليه آيات من القرآن فيها تخويف
وتحذير وتذكير واستعاذة بالله عز وجل حتى يخرج. الشاهد من هذا الحديث
قول النبي ﷺ لهذه المرأة (إن شئت صبرت ولك الجنة، فقالت: أصبر) ففي هذا
دليل على فضيلة الصبر، وأنه سبب لدخول الجنة. والله الموفق
شرح حديث/ ألا أريك امرأة من أهل الجنة
Reviewed by احمد خليل
on
1:54:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: