شرح حديث / لا كرب على أبيك بعد اليوم
باب
الصَّبر
شرح
العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
أحاديث
رياض الصالحين: باب الصبر
٢٩
- وعنْ أَنسٍ -رضِيَ الله عنْهُ- قَالَ: لمَّا ثقُلَ النَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ يتغشَّاهُ
الكرْبُ فقَالتْ فاطِمَةُ رَضِيَ الله عنْهَا: واكَرْبَ أبَتَاهُ، فَقَالَ: «ليْسَ عَلَى أَبيكِ كرْبٌ بعْدَ اليَوْمِ» فلمَّا
مَاتَ قالَتْ: يَا أبتَاهُ اَجَابَ رَبًّا دعَاهُ، يَا أبتَاهُ جنَّةُ
الفِرْدَوْسِ مأوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جبْريلَ نْنعَاهُ، فلَمَّا دُفنَ قالتْ
فاطِمَةُ رَضِيَ الله عَنهَا: أطَابتْ أنفسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رسُول الله ﷺ التُّرابَ؟ روَاهُ
البُخاريُّ.
الشيخ:
بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه
ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذا
الحديث فيه الحث على الصبر والاحتساب عند المصائب، وأن الواجب على كل مؤمن ومؤمنة
عند المصيبة الصبر وعدم الجزع، فهذه أمور كتبها الله وقدرها لا حيلة فيها، فالواجب
عند المصيبة الصبر وعند النعمة الشكر، وهذه دار الابتلاء والامتحان ولهذا يقول -جل
وعلا-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ
بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠]، ويقول
سبحانه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
[الأنفال: ٤٦]،
ويقول لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {وَاصْبِرْ وَمَا
صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧].
فالمؤمن
لا بدّ أن يبتلى تارة في نفسه وتارة في أولاده وتارة في أقاربه تارة في أحبائه
وتارة في المسلمين، لا بدّ من الصبر ولهذا يقول ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا
للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له»
هكذا المؤمن صبور عند البلاء شكور عند الرخاء، والصبر عند البلاء وهو أن يكف لسانه
عما لا ينبغي ويكف جوارحه عما لا ينبغي ويكون قلبه مطمئنًا شرحًا لا جزعًا هذا
الصبر.
أما
الجزع فلا يرد عن صاحبه شيئًا يأثم بلا فائدة شق الثوب، لطم الخد الصياح النياحة،
كل هذه منكر ولا ينفع يأثم ولا ينفعه؛ ولهذا يقول ﷺ: «ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية»
ويقول ﷺ:
«أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة»
الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة،
والشاقة التي تشق ثوبها عند المصيبة، وأخذ على النساء عند البيعة الا ينحن على
أمواتهن.
ولما
اشتد به الكرب عند موته -عليه الصلاة والسلام- أصابه شدة عند موته -عليه الصلاة
والسلام- وكان يضع يده في الماء ثم يرفعها ويقول: «إن
للموت لسكرات» عليه الصلاة والسلام، فلما رأت ذلك فاطمة قالت: واكرب أبتاه!
يعني: وشدة كربته، فقال ﷺ:
«ليس على أبيك كرب بعد اليوم!» يعني: نهاية
الكرب الدنيا، ما يقع عند الموت من الشدة وبعدها المؤمن في راحة في قبره، وبعد ذلك
في الجنة، فما يلقى من الشدة عند الموت تكفر بها الخطايا وترفع بها الدرجات، وليس
على المؤمن كرب بعد ذلك.
وقالت:
يا أبتاه أجاب ربًا دعاه! المقصود أنه من باب التوجع، وأبتاه يعني: تتوجع مما
أصابه -عليه الصلاة والسلام- ثم قالت: جنة الفردوس مأواه، والمقصود أن هذا مما
يسلي المؤمن ويعزيه ويكون المؤمن ليس عليه كرب بعد اليوم نهاية كرب المؤمن عند
الموت، ثم له الراحة في قبره وفي دار كرامته في الجنة فهذه نهاية المؤمن.
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: