شرح حديث/ أعرستم الليلة
باب
الصَّبر
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
أحاديث رياض الصالحين: باب الصَّبر.
٤٥ - وعنْ أَنَسٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأبي
طلْحةَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- يَشْتَكي، فَخَرَجَ أبُو طَلْحة، فَقُبِضَ
الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابنِي؟ قَالَت أُمُّ
سُلَيْم وَهِيَ أُمُّ الصَّبيِّ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ
الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فرغَ قَالَتْ: وارُوا
الصَّبيَّ، فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَة أَتَى رسولَ اللَّه ﷺ فَأَخْبرهُ، فَقَالَ: «أَعرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهمَّ باركْ لَهُما» فَولَدتْ غُلاماً فقَالَ
لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ حتَّى تَأَتِيَ بِهِ النبيَّ ﷺ، وبَعثَ مَعهُ
بِتمْرَات، فَقَالَ: «أَمعهُ شْيءٌ» قَالَ:
نعمْ، تَمراتٌ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ فَمضَغَهَا، ثُمَّ
أَخذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فِيِّ الصَّبيِّ ثُمَّ حَنَّكَه وسمَّاهُ عبدَ
اللَّهِ. متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ للْبُخَاريِّ: قَالَ ابْنُ
عُيَيْنَة: فَقَالَ رجُلٌ منَ الأَنْصارِ: فَرَأَيْتُ تَسعة أَوْلادٍ كلُّهُمْ قدْ
قَرؤُوا الْقُرْآنَ، يعْنِي مِنْ أَوْلادِ عَبْدِ اللَّه الْموْلُود.
وَفي روايةٍ لمسلِم: ماتَ ابْنٌ لأبِي
طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ لأهْلِهَا: لاَ تُحَدِّثُوا أَبَا
طَلْحَةَ بابنِهِ حتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ
عَشَاءً فَأَكَلَ وشَرِبَ، ثُمَّ تَصنَّعتْ لهُ أَحْسنَ مَا كانتْ تَصَنَّعُ
قَبْلَ ذلكَ، فَوقَعَ بِهَا، فَلَمَّا أَنْ رأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعِ وأَصَابَ
مِنْها قَالتْ: يَا أَبَا طلْحةَ، أَرَأيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْماً أَعارُوا
عارِيتهُمْ أَهْل بيْتٍ فَطَلبوا عاريَتَهُم، ألَهُمْ أَنْ يمْنَعُوهَا؟ قَالَ:
لا، فَقَالَتْ: فاحتسِبْ ابْنَكَ. قَالَ: فغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: تركتنِي حتَّى
إِذَا تَلطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبرتِني بِابْني، فَانْطَلَقَ حتَّى أَتَى رسولَ اللَّه
ﷺ
فأخْبَرهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «بَاركَ اللَّه لكُما في ليْلتِكُما».
قَالَ: فحملَتْ، قَالَ: وكَانَ رسولُ
اللَّه ﷺ
في سفَرٍ وهِي مَعَهُ وكَانَ رسولُ اللَّه ﷺ إِذَا أَتَى
الْمَدِينَةِ مِنْ سَفَرٍ لاَ يَطْرُقُها طُرُوقاً فَدنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ،
فَضَرَبَهَا الْمَخاضُ، فَاحْتَبَس عَلَيْهَا أَبُو طلْحَةَ، وانْطلَقَ رسولُ اللَّه
ﷺ.
قَالَ: يقُولُ أَبُو طَلْحةَ إِنَّكَ لتعلمُ يَا ربِّ أَنَّهُ يعْجبُنِي أَنْ
أَخْرُجَ معَ رسولِ اللَّه ﷺ
إِذَا خَرَجَ، وأَدْخُلَ مَعهُ إِذَا دَخَلَ، وقَدِ احْتَبَسْتُ بِما تَرى. تقولُ
أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طلْحةَ مَا أَجِد الَّذي كنْتُ أَجِدُ، انْطَلِقْ،
فانْطَلقْنَا، وضَربهَا المَخاضُ حينَ قَدِمَا فَولَدتْ غُلاماً. فقالَتْ لِي
أُمِّي: يا أَنَسُ لا يُرْضِعُهُ أَحدٌ تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رسُول اللَّه ﷺ، فلمَّا أَصْبحَ
احتملْتُهُ فانطَلقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ اللَّه ﷺ. وذَكَرَ تمامَ
الْحَدِيثِ.
الشرح:
حديث
أنس بن مالك عن أبي طلحة أنه كان له ابنٌ يشتكي، يعني: مريضا، وأبو طلحة كان زوج
أم أنس بن مالك -رضي الله عنهم-، وكان هذا الصبي يشتكي، فخرج أبو طلحة لبعض
حاجاته، فقُبِضَ الصبي. يعني: مات، فلما رجع سأل أمه عنه فقال: كيف ابني؟ قالت: هو
أسكن ما يكون، وصدقت في قولها، هو أسكن ما يكون؛ لأنه مات، ولا سكون أعظم من
الموت.
وأبو
طلحة -رضي الله عنه- فهِمَ أنه أسكن ما يكون من المرض، وأنه في عافية، فقدمت له
العشاء فتعشى على أن ابنه برئٌ وطيب. ثم أصاب منها، يعني: جَامَعَها، فلما انتهى
قالت له: وارُوا الصبي، أي: ادفنوا الصبي؛ فإنه قد مات، فلما أصبح أبو طلحة -رضي
الله عنه- ووارى الصبي وعلم بذلك النبي ﷺ، وسأل: هل أعرستم
الليلة؟ قال: نعم. فدعا لها بالبركة «اللهم بارك لهما
في ليلتهما» فولدت غلاما سماه عبد الله، وكان لهذا الولد تسعة من الولد
كلهم يقرأون القرآن ببركة دعاء النبي ﷺ.
ففي
هذا الحديث: دليل على قوة صبر أم سليم -رضي الله عنها- وأن ابنها الذي مات بلغ بها
الحال إلى أن تقول لزوجها هذا القول وتورِّيَ هذه التورية، وقدمت له العشاء، ونال
منها، ثم قالت: ادفنوا الولد.
وفي
هذا دليل على جواز التورية، يعني: أن يتكلم الإنسان بكلام تخالف نيَّته ما في
ظاهرة هذا الكلام. فله ظاهر هو المتبادر إلى ذهن المخاطب، وله معنى آخر مرجوح، لكن
هو المراد في نية المتكلم، فيظهر خلاف ما يريد.
وهذا
جائز، ولكنه لا ينبغي إلا للحاجة، إذا احتاج الإنسان إليه لمصلحة أو دفع مضرة
فليُوَرِّ، وأما مع عدم الحاجة فلا ينبغي أن يوري؛ لأنه إذا ورى وظهر الأمر على
خلاف ما يظنه المخاطب نسب هذا الموري إلى الكذب وأساء الظن به، لكن إذا دعت الحاجة
فلا بأس.
ومن
التورية المفيدة التي يحتاج إليها الإنسان: لو أن شخصا ظالما يأخذ أموال الناس
بغير حق، وأودع إنسان عندك مالًا قال: هذا مالي عندك وديعة، أخشى أن يطلع عليه هذا
الظالم فيأخذه، فجاء الظالم إليك وسألك: هل عندك مال لفلان؟ فقلت والله ماله عندي
شيء.
المخاطَب
يظن أن هذا نفي، وأن المعنى: ما عندي له شيء. لكن أنت تنوي ب (ما) الذي، أي: الذي
عندي له شيء، فيكون هذا الكلام مثبتا لا منفيا. هذا من التورية المباحة، بل قد
تكون مطلوبة إذا دعت الحاجة إليها، وإلا ففيما عدا ذلك فلا.
وفي
هذا الحديث: أن النبي ﷺ
لما جاء أنس بن مالك بأخيه من أمه ابن أبي طلحة جاء به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-
ومعه تمرات، فأخذه النبي ﷺ
ومضغ التمرات، ثم جعلها في فِي الصبي، يعني: أدخلها فمه وحنَّكه، أي: أدخل أصبعه
وداره في حنكه؛ وذلك تبرُّكا بريق النبي -عليه الصلاة والسلام- ليكون أول ما يصل
إلى بطن الصبي ريق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وكان الصحابة يفعلون هذا إذا
وُلد لهم أولاد بنون أو بنات جاءوا بهم إلى رسول الله ﷺ وجاءوا بالتمرات معهم
من أجل أن يحنكه.
وهذا
التحنيك هل هو لبركة ريق النبي ﷺ؟
أو من أجل أن يصل طعم التمر إلى معدة الصبي قبل كل شيء؟
إن
قلنا بالأول صار التحنيك من خصائص الرسول -عليه الصلاة والسلام- فلا يحنك أحد صبيا؛
لأنه لا أحد يُتَبرَّك بريقه وعَرَقِه إلا رسول الله ﷺ.
وإن
قلنا بالثاني: إنه من أجل التمرات ليكون هو أول ما يصل إلى معدة الصبي؛ لأنه يكون
لها بمنزلة الدباغ، فإننا نقول: كل مولد يحنك.
وفي
هذا الحديث: آية من آيات النبي ﷺ
حيث دعا لهذا الصبي فبارك الله فيه وفي عقبه، وكان له كما ذكرنا تسعة من الولد،
كلهم يقرأون القرآن ببركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام.
وفيه:
أنه يستحب التسمية بعبد الله، فإن التسمية بهذا وبعبد الرحمن أفضل ما يكون، قال
النبي ﷺ:
«إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن».
وأما
ما يُروى أن خير الأسماء "ما حُمِّد وعُبِّد" فلا أصل له، وليس حديثا عن
رسول الله ﷺ،
الحديث الصحيح: «أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد
الرحمن، وأصدقها حارث وهمام». وحارث وهمام أصدق الأسماء؛ لأنها مطابقة
للواقع، فكل واحد من بني آدم فهو حارث يعمل، وكل واحد من بني آدم فهو همام يهم
وينوي ويقصد وله إرادة.
قال
الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الأِنْسَانُ إِنَّكَ
كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق: ٦]، وكل إنسان
يعمل، فأصدق الأسماء حارث وهمام؛ لأنه مطابق للواقع، وأحبها إلى الله: عبد الله،
وعبد الرحمن.
ولهذا
ينبغي للإنسان أن يختار لأبنائه وبناته أحسن الأسماء؛ لينال بذلك الأجر، وليكون محسنا
إلى أبنائه وبناته.
أما
أن تأتي بأسماء غريبة على المجتمع، فإن هذا قد يوجب مضايقات نفسية للأبناء والبنات
في المستقبل، ويكون كل همٍّ ينال الولد أو الابن أو البنت من هذا الاسم فعليك إثمه
ووباله؛ لأنك أنت المتسبب لمضايقته بهذا الاسم الغريب الذي يُشار إليه، ويقال:
انظر إلى هذا الاسم، انظر إلى هذا الاسم! ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار أحسن
الأسماء.
ويحرم
أن يسمي الإنسان بأسماء من خصائص أسماء الكفار، مثل جورج وما أشبه ذلك من الأسماء
التي يتلقب بها الكفار؛ لأن هذا من باب التشبه بهم، وقد قال النبي ﷺ: «من تشبَّهَ بقوم فهو منهم».
ويجب
علينا نحن المسلمين أن نكره الكفار كرهًا عظيما، وأن نعاديهم، وأن نعلم أنهم أعداء
لنا مهما تزيَّنوا لنا وتقربوا لنا، فهم أعداؤنا حقا، وأعداء الله عز وجل، وأعداء
الملائكة، وأعداء الأنبياء، وأعداء الصالحين، فهم أعداء ولو تلبسوا بالصداقة أو
زعموا أنهم أصدقاء، فإنهم والله هم الأعداء، فيجب أن نعاديهم، ولا فرق بين الكفار
الذين لهم شأن وقيمة في العالم أو الكفار الذين ليس لهم شأن، حتى الخدم والخادمات،
يجب أن نكره أن يكون في بلدنا خادم أو خادمة من غير المسلمين، لا سيما وأن نبينا
محمدا ﷺ
يقول: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب»
ويقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى
لا أدع إلا مسلما»، ويقول في مرض موته، في آخر حياته وهو يودِّعَ الأمة: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب».
وبعض
الناس الآن -نسأل الله العافية- يخير بين عامل مسلم وعامل كافر فيختار الكافر!
قلوب زائغة ضالة، ليست إلى الحق مائلة، يختارون الكفار! يزين لهم الشيطان أعمالهم،
ويقولون كذبا وزورا وبهتانا: إن الكافر أخلصُ في عمله من المسلم! أعوذ بالله!
يقولون:
إن الكافر لا يصلى، بل يستغل وقت الصلاة في العمل، ولا يطلب الذهاب إلى العمرة أو
الحج، ولا يصوم، هو دائما في عمل.
ولا
يهمُّهم هذا الشيء مع أن خالق الأرض والسموات يقول: {وَلَعَبْدٌ
مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ}
[البقرة: ٢٢١]، فيجب عليكم أيها الإخوة أن تناصحوا إخوانكم الذين اغترُّوا وزين
لهم الشيطان جَلْبَ الكفار إلى بلادنا خدَما وعمالا وما أشبه ذلك، يجب أن يعلموا
أن في ذلك إعانة للكفار على المسلمين؛ لأن هؤلاء الكفار يؤدون ضرائب لحكوماتهم
لتقويتها على المسلمين.
والشواهد
على هذا كثيرة، فالواجب علينا أن نتجنَّب الكفار، بقدر ما نستطيع، فلا نتسمى
بأسمائهم، ولا نوادُّهم، ولا نحترمهم، ولا نبدأهم بالسلام، ولا نفسح لهم الطريق؛
لأن النبي ﷺ
يقول: «لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا
لقيتم أحدهم في طريق فاضطرُّوهم إلى أضيقه».
أين
نحن من هذه التعليمات!؟ أين نحن من كلام الرسول ﷺ الذي لا ينطق عن
الهوى؟ لماذا لا نحذر إذا كَثُرَ فينا الخبث من الهلاك؟ استيقظ النبي -عليه الصلاة
والسلام- ذات ليلة محمرًّا وجهه فقال: «لا إله إلا
الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب» إنذار وتحذير، ويل للعرب حملة لواء
الإسلام من شر قد اقترب «فُتح اليوم من ردمِ يأجوج
ومأجوج مثل هذه» وحلَّق بأُصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب: يا رسول
الله، أنَهْلكُ وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كَثُرَ
الخبث».
الخبث
العملي والخبث البشري، فإذا كثر الخبث في أعمالنا فنحن عرضة للهلاك، وإذا كثر
البشر النجس في بلادنا فنحن عرضة للهلاك، والواقع شاهد بهذا، نسأل الله أن يحمي
بلادنا من أعدائنا الظاهرين والباطنين، وأن يكبت المنافقين والكفار، ويجعل كيدهم
في نحورهم، إنه جواد كريم.
قول
أم سليم -رضي الله عنها-: أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت ثم طلبوا
عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، فقالت: فاحتسب ابنك. يعني: أن الأولاد عندنا
عارية، وهم ملك لله -عز وجل- متى شاء أخذهم، فضربت له هذا المثل من أجل أن يقتنع
ويحتسب الأجر على الله سبحانه وتعالى.
وهذا
يدل على ذكائها -رضي الله عنها- وعلى أنها امرأة عاقلة صابرة محتسبة، وإلا فإن
الأم كالأب ينالها من الحزن على ولدها مثل ما ينال الأب، وربما تكون أشدَّ حزنا؛
لضعفها وعدم صبرها.
وفي
هذا الحديث: بركة دعاء النبي ﷺ
حيث كان له تسعة من الولد كلهم يقرأون القرآن، ببركة دعاء النبي ﷺ.
وفيه
أيضا: كرامة لأبي طلحة رضي الله عنه؛ لأن أبا طلحة كان قد خرج مع النبي ﷺ في سفر وكانت معه أم
سليم بعد أن حملت، فلما رجع النبي ﷺ من السفر أتاها
المخاض، أي: جاءها الطَّلْقُ قبل أن يصلوا إلى المدينة، وكان النبي ﷺ: لا يحِبُ أن يطرقَ
أهله طروقًا، أي: لا يحب أن يدخل عليهم ليلا دون أن يخبرهم بالقدوم.
فدعا
أبو طلحة -رضي الله عنه- ربه، وقال: اللهم إنك تعلم أنني أحب أن لا يخرج النبي ﷺ مخرجا إلا وأنا معه
ولا يرجع مرجعا إلا وأنا معه، وقد أصابني ما ترى يناجي ربه -سبحانه وتعالى- تقول
أم سليم: فما وجدتُ الذي كنت أجده من قبل. يعني: هان عليها الطلق، ولا كأنها تطلق.
قالت
أم سليم لزوجها أبي طلحة: انطلق، فانطلق، ودخل المدينة مع رسول الله ﷺ، ولما وصلوا إلى
المدينة وضعت. ففي هذا كرامة لأبي طلحة -رضي الله عنه- حيث خفف الله الطلق على
امرأته بدعائه، ثم لما وضعت قالت أم سليم لابنها أنس بن مالك وهو أخو هذا الحمل
الذي ولد، أخوه من أمه قالت: احتمله إلى رسول الله ﷺ، أي: اذهب به، كما هي
عادة أهل المدينة إذا وُلد لهم ولد، يأتون به إلى رسول الله ﷺ ومعهم تمر، فيأخذ
النبي ﷺ
التمرة فيمضغها بفمه ثم يحنِّك بها الصبي؛ لأن في ذلك فائدتين:
الفائدة
الأولى: بركة ريق النبي ﷺ
وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يتبرَّكون بريق النبي ﷺ وبعَرَقه، حتى كان من
عادتهم أنه إذا كان في الصباح وصلى الفجر أتوا بآنية فيها ماء فغمس النبي ﷺ يديه في الماء، وعرق
يديه في الماء، فيأتي الصبيان بهذا الماء ثم ينطلقون به إلى أهليهم يتبركون بأثر
النبي ﷺ.
وكان
الصحابة -رضي الله عنهم- إذا توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- كادوا يقتتلون على
وضوئه، أي: فضلِ الماء، يتبركون به، وكذلك من عَرَقه وشَعْره.
حتى
كان عند أم سلمة "إحدى زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام، وإحدى أمهات
المؤمنين" عندها جُلْجُلٌ من فضة، أي: مثل (الطابوق) فيه شعرات من شعرات
النبي ﷺ
يستشفون بها، أي: يأتون بشعرتين أو ثلاثة فيضعونه في الماء ثم يحركونها من أجل أن
يتبركوا بهذا الماء، لكن هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام.
الفائدة
الثانية من التمر الذي كان الرسول ﷺ يحنكه الصبيان: أن
التمر فيه خير وبركة، وفيه فائدة للمعدة، فإذا كان أول ما يصل إلى معدته من التمر
كان ذلك خيرا للمعدة. فحنَّكه الرسول -عليه الصلاة والسلام- ودعا له بالبركة.
والشاهد
من هذا الحديث: أن أم سليم قالت لأبي طلحة: احتسب ابنك، يعنى: اصبر على ما أصابك
من فقده، واحتسب الأجر على الله. والله الموفق.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: