فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
باب ما قيل في أولاد المسلمين
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ الجَنَائِزِ: بَابُ مَا قِيلَ فِي أَوْلاَدِ المُسْلِمِينَ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ، لَمْ يَبْلُغُوا
الحِنْثَ، كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ أَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ».
١٣٨١- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ
صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ: «مَا
مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ، يَمُوتُ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا
الحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ».
الشرح:
قوله: (باب ما قيل في أولاد المسلمين) أي:
غير البالغين. قال الزين بن المنير: تقدم في أوائل الجنائز ترجمة:
"من مات له ولد فاحتسب". وفيها الحديث المصدر به، وإنما ترجم بهذه
لمعرفة مآل الأولاد، ووجه انتزاع ذلك أن من يكون سببا في حجب النار عن أبويه أولى
بأن يحجب هو؛ لأنه أصل الرحمة وسببها. وقال النووي: أجمع من يعتد به من
علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة. وتوقف
فيه بعضهم لحديث عائشة، يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ: "توفي صبي
من الأنصار، فقلت: طوبى له لم يعمل سوءا ولم يدركه. فقال النبي ﷺ: أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة
أهلا". الحديث. قال: والجواب عنه أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من
غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة. انتهى. وقال القرطبي: نفى
بعضهم الخلاف في ذلك. وكأنه عنى ابن أبي زيد، فإنه أطلق الإجماع في ذلك،
ولعله أراد إجماع من يعتد به. وقال المازري: الخلاف في غير أولاد الأنبياء.
انتهى. ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي
هريرة الذي بدأ به كما سيأتي، فإن فيه التصريح بإدخال الأولاد الجنة مع آبائهم.
وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن عليّ مرفوعا: إن
المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ} [الطور: ٢١] الآية.
وهذا أصح ما ورد في تفسير هذه الآية، وبه
جزم ابن عباس.
قوله: (وقال أبو هريرة ... إلخ)
لم أره موصولا من حديثه على هذا الوجه، نعم عند أحمد من طريق عون،
عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة بلفظ: "ما من مسلمين يموت
لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته الجنة". ولمسلم من
طريق سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا: "لا يموت لإحداكن
ثلاثة من الولد فتحتسب إلا دخلت الجنة"، الحديث. وله من طريق أبي زرعة،
عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال لامرأة:
"دفنت ثلاثة؟ قالت: نعم. قال: لقد احتظرت بحظار شديد من النار". وفي
صحيح أبي عوانة من طريق عاصم، عن أنس: مات
ابن للزبير فجزع عليه، فقال النبي ﷺ:
"من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجابا من النار".
قوله: «كان له» كذا للأكثر، أي: كان
موتهم له حجابا، وللكشميهني: "كانوا" أي: الأولاد.
قوله: «ثلاثة من الولد» سقط قوله: "من
الولد" في رواية أبي ذر، وكذا سبق من رواية عبد الوارث،
عن عبد العزيز في: "باب فضل من مات له ولد فاحتسب". وتقدم
الكلام عليه مستوفى هناك.
١٣٨٢- حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ سَمِعَ البَرَاءَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ
لَهُ مُرْضِعًا فِي الجَنَّةِ».
الشرح:
قوله: (لما توفي إبراهيم) زاد الإسماعيلي من
طريق عمرو بن مرزوق، عن شعبة بسنده: "ابن رسول الله ﷺ". وله من طريق معاذ،
عن شعبة بسنده عن النبي ﷺ: "توفي
ابنه إبراهيم".
قوله: «إن له مرضعا في الجنة»
قال ابن التين: يقال:
امرأة مرضع، بلا هاء، مثل حائض، وقد أرضعت فهي مرضعة إذا بني من الفعل، قال الله تعالى:
{تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}
[الحج: ٢] قال: وروي "مرضعا" بفتح الميم أي إرضاعا. انتهى. وقد سبق
إلى حكاية هذا الوجه الخطابي، والأول رواية الجمهور، وفي
رواية عمرو المذكورة: "مرضعا ترضعه في الجنة". وقد تقدم
الكلام على قصة موت إبراهيم مستوفى في: "باب قول النبي ﷺ إنا بك لمحزونون".
وإيراد البخاري له في هذا الباب يشعر باختيار القول الصائر
إلى أنهم في الجنة، فكأنه توقف فيه أولا، ثم جزم به.
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال