فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ الجَنَائِزِ: بَابُ الصَّلاَةِ عَلَى الجَنَائِزِ
بِالْمُصَلَّى وَالمَسْجِدِ.
١٣٢٧- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
المُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الحَبَشَةِ، يَوْمَ الَّذِي
مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ».
١٣٢٨- وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَفَّ
بِهِمْ بِالْمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا.
الشرح:
قوله: (باب الصلاة على الجنائز
بالمصلى والمسجد) قال ابن
رشيد: لم
يتعرض المصنف لكون الميت بالمصلى أو لا؛ لأن المصلى عليه كان غائبا، وألحق حكم
المصلى بالمسجد بدليل ما تقدم في العيدين وفي الحيض من حديث أم عطية: "ويعتزل
الحيض المصلى". فدل على أن للمصلى حكم المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه ويلحق
به ما سوى ذلك، وقد تقدم الكلام على ما في قصة الصلاة على النجاشي قبل خمسة أبواب.
وقوله هنا: "وعن ابن شهاب" هو
معطوف على الإسناد المصدر به، وسيأتي الكلام على عدد التكبير بعد ثلاثة أبواب.
١٣٢٩- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ
اليَهُودَ، جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ
بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا. فَأَمَرَ بِهِمَا، فَرُجِمَا قَرِيبًا
مِنْ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ.
الشرح:
ثم أورد المصنف حديث ابن
عمر في رجم اليهوديين، وسيأتي الكلام عليه مبسوطا في كتاب الحدود، إن شاء
الله تعالى. وحكى ابن بطال، عن ابن حبيب: أن مصلى الجنائز بالمدينة
كان لاصقا بمسجد النبي ﷺ من ناحية جهة المشرق.
انتهى، فإن ثبت ما قال، وإلا فيحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا المصلى المتخذ
للعيدين والاستسقاء؛ لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيأ فيه الرجم، وسيأتي
في قصة ماعز: "فرجمناه بالمصلى". ودل حديث ابن
عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها، فقد يستفاد منه أن
ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض، أو لبيان الجواز. والله
أعلم. واستدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد، ويقويه
حديث عائشة: "ما صلى رسول الله ﷺ
على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد". أخرجه مسلم، وبه قال الجمهور،
وقال مالك: لا يعجبني، وكرهه ابن أبي ذئب، وأبو حنيفة وكل من
قال بنجاسة الميت، وأما من قال بطهارته منهم فلخشية التلويث، وحملوا الصلاة
على سهيل بأنه كان خارج المسجد، والمصلون داخله، وذلك جائز اتفاقا، وفيه
نظر؛ لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد
على حجرتها لتصلي عليه، واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك؛ لأن الذين أنكروا
ذلك على عائشة كانوا من الصحابة، ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك
الإنكار سلموا لها، فدل على أنها حفظت ما نسوه، وقد روى ابن أبي
شيبة وغيره: إن عمر صلى على أبي بكر في المسجد،
وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد. زاد في رواية: "ووضعت
الجنازة في المسجد تجاه المنبر". وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك.
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال