فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ الجَنَائِزِ: بَابُ إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إِلَّا مَا
يُوَارِي رَأْسَهُ، أَوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى رَأْسَهُ.
١٢٧٦- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ
بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ،
حَدَّثَنَا خَبَّابٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا
عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا،
مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ
فَهُوَ يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا
بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا
رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ
أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ.
الشرح:
قوله: (باب إذا لم يجد كفنا إلا ما
يواري رأسه أو قدميه)، أي: رأسه مع بقية جسده إلا قدميه أو العكس، كأنه قال: ما
يواري جسده إلا رأسه، أو جسده إلا قدميه، وذلك بين من حديث الباب حيث قال: "خرجت
رجلاه". ولو كان المراد أنه يغطي رأسه فقط دون سائر جسده لكان تغطية العورة أولى.
ويستفاد منه أنه إذا لم يوجد ساتر ألبتة أنه يغطي جميعه بالإذخر، فإن لم
يوجد فبما تيسر من نبات الأرض، وسيأتي في كتاب الحج قول العباس: "إلا الإذخر،
فإنه بيوتنا وقبورنا". فكأنها كانت عادة لهم استعماله في القبور. قال المهلب: وإنما
استحب لهم النبي ﷺ التكفين في تلك الثياب التي
ليست سابغة؛ لأنهم قتلوا فيها. انتهى. وفي هذا الجزم نظر، بل الظاهر أنه لم يجد
لهم غيرها كما هو مقتضى الترجمة.
قوله: (حدثنا شقيق) هو
ابن سلمة أبو وائل، وخباب بمعجمة وموحدتين، الأولى مثقلة، هو ابن
الأرت، والإسناد كله كوفيون.
قوله: (لم يأكل من أجره شيئا) كناية عن
الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح، وكأن المراد بالأجر ثمرته، فليس مقصورا
على أجر الآخرة.
قوله: (أينعت) بفتح الهمزة وسكون التحتانية،
وفتح النون، أي: نضجت.
قوله: (فهو يهدبها) بفتح أوله، وكسر المهملة،
أي: يجتنيها، وضبطه النووي بضم الدال، وحكى ابن التين تثليثها.
قوله: (ما نكفنه به) سقط لفظ "به"
من رواية غير أبي ذر، وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الرقاق، إن شاء
الله تعالى.
الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا
بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال