باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة

باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة
المؤلف احمد خليل
تاريخ النشر
آخر تحديث

فتح الباري شرح صحيح البخاري

ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

باب – ما – ينهى – عنه – من – الكلام – في - الصلاة

باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة

 فتح الباري شرح صحيح البخاري: أَبْوَابُ العَمَلِ فِي الصَّلاَةِ: بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ.

١١٩٩- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَقَالَ: «إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلًا».

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ، حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ نَحْوَهُ.

 

الشرح:

قوله: (باب ما ينهى من الكلام في الصلاة)، في رواية الأصيلي والكشميهني: "ما ينهى عنه" وفي الترجمة إشارة إلى أن بعض الكلام لا ينهى عنه كما سيأتي حكاية الخلاف فيه.

 

قوله: (كنا نسلم على النبي وهو في الصلاة)، في رواية أبي وائل: "كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا" وفي رواية أبي الأحوص: "خرجت في حاجة ونحن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة" وسيأتي للمصنف بعد باب نحوه في حديث التشهد.


قوله: (فلم يرد علينا)، زاد مسلم في رواية ابن فضيل "فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا" وكذا في رواية أبي عوانة التي في "الهجرة".


قوله: (النجاشي) بفتح النون وحكي كسرها وستأتي تسميته والإشارة إلى شيء من أمره في "كتاب الجنائز" إن شاء الله تعالى.


(فائدة): روى ابن أبي شيبة من مرسل ابن سيرين أن النبي ، رد على ابن مسعود في هذه القصة السلام بالإشارة، وقد عقد المصنف لمسألة الإشارة في الصلاة ترجمةً مفردةً ستأتي في أواخر "سجود السهو" قريبًا.

 

قوله: «إن في الصلاة شغلًا»، في رواية أحمد عن ابن فضيل "لشغلًا" بزيادة لام التأكيد والتنكير فيه للتنويع، أي: بقراءة القرآن والذكر والدعاء أو للتعظيم، أي: شغلًا، وأي شغل؛ لأنها مناجاة مع الله تستدعي الاستغراق في خدمته فلا يصلح فيها الاشتغال بغيره، وقال النووي: معناه أن وظيفة المصلي الاشتغال بصلاته وتدبر ما يقوله فلا ينبغي أن يعرج على غيرها من رد سلام ونحوه، زاد في رواية أبي وائل: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث ألا تكلموا في الصلاة" وزاد في رواية كلثوم الخزاعي: "إلا بذكر الله وما ينبغي لكم فقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت".

 

قوله: (حدثنا ابن نمير) هو محمد بن عبد الله بن نمير نسب إلى جده، ولم يدرك البخاري عبد الله.


قوله: (هريم) بهاء وراء مصغر و(السلولي) بفتح المهملة ولامين الأولى خفيفة مضمومة، ورجال الإسناد من الطريقين كلهم كوفيون و(سفيان) هو الثوري، ورواية الأعمش بهذا الإسناد مما عد من أصح الأسانيد.


قوله: (نحوه) ظاهر في أن لفظ رواية هريم غير متحد مع لفظ رواية ابن فضيل وأن معناهما واحد، وكذا أخرج مسلم الحديث من الطريقين وقال في رواية هريم أيضًا "نحوه" ولم أقف على سياق لفظ هريم إلا عند الجوزقي فإنه ساقه من طريق إبراهيم بن إسحاق الزهري عنه، ولم أر بينهما مغايرةً إلا أنه قال "قدمنا" بدل "رجعنا" وزاد "فقيل له يا رسول الله" والباقي سواء وسيأتي في "الهجرة" من طريق أبي عوانة عن الأعمش أوضح من هذا، وللحديث طرق أخرى منها عند أبي داود والنسائي من طريق أبي وائل عن ابن مسعود، وعند النسائي من طريق كلثوم الخزاعي عنه، وعند ابن ماجه والطحاوي من طريق أبي الأحوص عنه، وسيأتي التنبيه عليه في "باب قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩]" من أواخر كتاب التوحيد.


١٢٠٠- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى هُوَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ.

 

الشرح:

قوله: (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد، والحارث بن شبيل ليس له في البخاري غير هذا الحديث، وأبوه بمعجمة وموحدة، وآخره لام مصغرا، وليس لأبي عمر، وسعد بن إياس الشيباني شيخه عن زيد بن أرقم غيره.


قوله: (إن كنا لنتكلم) بتخفيف النون، وهذا حكمه الرفع، وكذا قوله: "أمرنا" لقوله فيه: "على عهد النبي "، حتى ولو لم يقيد بذلك لكان ذكر نزول الآية كافيا في كونه مرفوعا.


قوله: (يكلم أحدنا صاحبه بحاجته) تفسير لقوله: "نتكلم"، والذي يظهر أنهم كانوا لا يتكلمون فيها بكل شيء، وإنما يقتصرون على الحاجة من رد السلام ونحوه.


قوله: (حتى نزلت) ظاهر في أن نسخ الكلام في الصلاة وقع بهذه الآية، فيقتضي أن النسخ وقع بالمدينة؛ لأن الآية مدنية باتفاق، فيشكل ذلك على قول ابن مسعود: إن ذلك وقع لما رجعوا من عند النجاشي، وكان رجوعهم من عنده إلى مكة، وذلك أن بعض المسلمين هاجر إلى الحبشة، ثم بلغهم أن المشركين أسلموا، فرجعوا إلى مكة، فوجدوا الأمر بخلاف ذلك، واشتد الأذى عليهم، فخرجوا إليها أيضا، فكانوا في المرة الثانية أضعاف الأولى، وكان ابن مسعود مع الفريقين، واختلف في مراده بقوله: "فلما رجعنا"، هل أراد الرجوع الأول أو الثاني، فجنح القاضي أبو الطيب الطبري وآخرون إلى الأول، وقالوا: كان تحريم الكلام بمكة، وحملوا حديث زيد على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ، وقالوا: لا مانع أن يتقدم الحكم، ثم تنزل الآية بوفقه. وجنح آخرون إلى الترجيح، فقالوا: يترجح حديث ابن مسعود بأنه حكى لفظ النبي ، بخلاف زيد بن أرقم، فلم يحكه، وقال آخرون: إنما أراد ابن مسعود رجوعه الثاني، وقد ورد أنه قدم المدينة والنبي يتجهز إلى بدر، وفي مستدرك الحاكم من طريق أبي إسحاق، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله إلى النجاشي ثمانين رجلا. فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: "فتعجل عبد الله بن مسعود فشهد بدرا". وفي السير لابن إسحاق: أن المسلمين بالحبشة لما بلغهم أن النبي هاجر إلى المدينة رجع منهم إلى مكة ثلاثة وثلاثون رجلا، فمات منهم رجلان بمكة وحبس منهم سبعة، وتوجه إلى المدينة أربعة وعشرون رجلا، فشهدوا بدرا. فعلى هذا كان ابن مسعود من هؤلاء، فظهر أن اجتماعه بالنبي بعد رجوعه كان بالمدينة، وإلى هذا الجمع نحا الخطابي ولم يقف من تعقب كلامه على مستنده، ويقوي هذا الجمع رواية كلثوم المتقدمة، فإنها ظاهرة في أن كلا من ابن مسعود، وزيد بن أرقم حكى أن الناسخ قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}.

 

وأما قول ابن حبان: كان نسخ الكلام بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين، قال: ومعنى قول زيد بن أرقم: "كنا نتكلم"، أي: كان قومي يتكلمون؛ لأن قومه كانوا يصلون قبل الهجرة مع مصعب بن عمير الذي كان يعلمهم القرآن، فلما نسخ تحريم الكلام بمكة بلغ ذلك أهل المدينة فتركوه، فهو متعقب بأن الآية مدنية باتفاق، وبأن إسلام الأنصار وتوجه مصعب بن عمير إليهم إنما كان قبل الهجرة بسنة واحدة، وبأن في حديث زيد بن أرقم: كنا نتكلم خلف رسول الله . كذا أخرجه الترمذي، فانتفى أن يكون المراد الأنصار الذين كانوا يصلون بالمدينة قبل هجرة النبي إليهم. وأجاب ابن حبان في موضع آخر بأن زيد بن أرقم أراد بقوله: "كنا نتكلم" من كان يصلي خلف النبي  بمكة من المسلمين، وهو متعقب أيضا بأنهم ما كانوا بمكة يجتمعون إلا نادرا، وبما روى الطبراني من حديث أبي أمامة، قال: "كان الرجل إذا دخل المسجد فوجدهم يصلون سأل الذي إلى جنبه، فيخبره بما فاته، فيقضي، ثم يدخل معهم، حتى جاء معاذ يوما، فدخل في الصلاة". فذكر الحديث، وهذا كان بالمدينة قطعا؛ لأن أبا أمامة، ومعاذ بن جبل إنما أسلما بها.


قوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ... الآية) كذا في رواية كريمة، وساق في رواية أبي ذر، وأبي الوقت الآية إلى آخرها، وانتهت رواية الأصيلي إلى قوله: {الْوُسْطَىٰ} وسيأتي الكلام على المراد بالوسطى وبالقنوت في تفسير البقرة، وحديث زيد بن أرقم ظاهر في أن المراد بالقنوت السكوت.


قوله: (فأمرنا بالسكوت) أي: عن الكلام المتقدم ذكره لا مطلقا، فإن الصلاة ليس فيها حال سكوت حقيقة. قال ابن دقيق العيد: ويترجح بما دل عليه لفظ "حتى" التي للغاية والفاء التي تشعر بتعليل ما سبق عليها، لما يأتي بعدها.


(تنبيه): زاد مسلم في روايته: "ونهينا عن الكلام"، ولم يقع في البخاري، وذكرها صاحب العمدة، ولم ينبه أحد من شراحها عليها، واستدل بهذه الزيادة على أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده، إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله: "ونهينا عن الكلام" وأجيب: بأن دلالته على ضده دلالة التزام، ومن ثم وقع الخلاف، فلعله ذكر لكونه أصرح، والله أعلم.

قال ابن دقيق العيد: هذا اللفظ أحد ما يستدل به على النسخ، وهو تقدم أحد الحكمين على الآخر، وليس كقول الراوي: هذا منسوخ؛ لأنه يطرقه احتمال أن يكون قاله عن اجتهاد، وقيل: ليس في هذه القصة نسخ؛ لأن إباحة الكلام في الصلاة كان بالبراءة الأصلية، والحكم المزيل لها ليس نسخا. وأجيب: بأن الذي يقع في الصلاة ونحوها مما يمنع أو يباح إذا قرره الشارع كان حكما شرعيا، فإذا ورد ما يخالفه كان ناسخا، وهو كذلك هنا.

قال ابن دقيق العيد: وقوله: "ونهينا عن الكلام" يقتضي أن كل شيء يسمى كلاما، فهو منهي عنه حملا للفظ على عمومه، ويحتمل أن تكون اللام للعهد الراجع إلى قوله: "يكلم الرجل منا صاحبه بحاجته"، وقوله: "فأمرنا بالسكوت"، أي: عما كانوا يفعلونه من ذلك.


(تكميل): أجمعوا على أن الكلام في الصلاة -من عالم بالتحريم عامد لغير مصلحتها، أو إنقاذ مسلم- مبطل لها، واختلفوا في الساهي والجاهل، فلا يبطلها القليل منه عند الجمهور، وأبطلها الحنفية مطلقا كما سيأتي في الكلام على حديث ذي اليدين في السهو، واختلفوا في أشياء أيضا، كمن جرى على لسانه بغير قصد أو تعمد إصلاح الصلاة لسهو دخل على إمامه، أو لإنقاذ مسلم لئلا يقع في مهلكة، أو فتح على إمامه، أو سبح لمن مر به، أو رد السلام، أو أجاب دعوة أحد والديه، أو أكره على الكلام، أو تقرب بقربة كأعتقت عبدي لله، ففي جميع ذلك خلاف محل بسطه كتب الفقه، وستأتي الإشارة إلى بعضه حيث يحتاج إليه. قال ابن المنير في الحاشية: الفرق بين قليل الفعل للعامد فلا يبطل، وبين قليل الكلام أن الفعل لا تخلو منه الصلاة غالبا لمصلحتها، وتخلو من الكلام الأجنبي غالبا مطردا، والله أعلم.


الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين

اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم

تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال

تعليقات

عدد التعليقات : 0