فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب
التَّهَجُّدِ:
بَابُ صَلاَةِ الضُّحَى فِي السَّفَرِ.
١١٧٥- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ تَوْبَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ، قَالَ: قُلْتُ
لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لاَ،
قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ:
فَالنَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: لاَ إِخَالُهُ.
الشرح:
قوله: (باب صلاة الضحى في السفر) ذكر
فيه حديث مورق: "قلت لابن عمر أتصلي الضحى؟ قال: لا. قلت:
فعمر؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا. قلت: فالنبي ﷺ؟
قال: لا إخاله. وحديث أم
هانئ في صلاة الضحى يوم فتح مكة. وقد أشكل دخول هذا
الحديث في هذه الترجمة، وقال ابن بطال: ليس هو من هذا الباب،
وإنما يصلح في "باب من لم يصل الضحى"، وأظنه من غلط الناسخ.
وقال ابن المنير: الذي
يظهر لي أن البخاري لما تعارضت عنده الأحاديث نفيا كحديث ابن
عمر هذا، وإثباتا كحديث أبي هريرة في الوصية له أنه يصلي الضحى،
نزل حديث النفي على السفر، وحديث الإثبات على الحضر، ويؤيد ذلك أنه ترجم
لحديث أبي هريرة: "صلاة الضحى في الحضر"، وتقدم عن ابن
عمر أنه كان يقول: "لو كنت مسبحا لأتممت في السفر". وأما
حديث أم هانئ ففيه إشارة إلى أنها تصلي في السفر بحسب السهولة لفعلها.
وقال ابن رشيد: ليس في
حديث أبي هريرة التصريح بالحضر، لكن استند ابن
المنير إلى قوله فيه: "ونم على وتر ..."،
فإنه يفهم منه كون ذلك في الحضر؛ لأن المسافر غالب حاله الاستيفاز وسهر الليل، فلا
يفتقر لإيصاء أن لا ينام إلا على وتر، وكذا الترغيب في صيام ثلاثة أيام.
قال ابن رشيد: والذي يظهر لي أن المراد باب صلاة الضحى في السفر نفيا
وإثباتا، وحديث ابن عمر ظاهره نفي ذلك حضرا وسفرا، وأقل ما يحمل عليه
نفي ذلك في السفر لما تقدم في "باب من لم يتطوع في السفر" عن ابن
عمر قال: صحبت النبي ﷺ، فكان لا يزيد على
ركعتين. قال:
ويحتمل أن يقال: لما نفى صلاتها مطلقا من غير تقييد بحضر ولا سفر -وأقل ما يتحقق
حمل اللفظ عليه السفر، ويبعد حمله على الحضر دون السفر- فحمل على السفر؛ لأنه
المناسب للتخفيف، لما عرف من عادة ابن عمر أنه كان لا يتنفل في السفر
نهارا. قال: وأورد حديث أم هانئ ليبين أنها إذا كانت في السفر حال
طمأنينة تشبه حالة الحضر كالحلول بالبلد شرعت الضحى، وإلا فلا.
قلت: ويظهر لي أيضا
أن البخاري أشار بالترجمة المذكورة إلى ما رواه أحمد من
طريق الضحاك بن عبد الله القرشي، عن أنس بن مالك، قال: رأيت رسول الله ﷺ صلى في السفر سبحة الضحى ثمان ركعات. فأراد
أن تردد ابن عمر في كونه صلاها أو لا، لا يقتضي رد ما جزم به أنس،
بل يؤيده حديث أم هانئ في ذلك، وحديث أنس المذكور
صححه ابن خزيمة، والحاكم.
قوله: (عن توبة) بمثناة
مفتوحة، وواو ساكنة، ثم موحدة مفتوحة، وهو ابن كيسان العنبري البصري، تابعي
صغير ما له عند البخاري سوى هذا الحديث، وحديث آخر.
قوله: (عن مورق) بفتح
الواو، وكسر الراء الثقيلة، وفي رواية غندر، عن شعبة عند الإسماعيلي: سمعت مورقا
العجلي، وهو بصري ثقة، وكذا من دونه في الإسناد،
وليس لمورق في البخاري، عن ابن عمر سوى هذا الحديث.
قوله: (لا إخاله) بكسر الهمزة، وتفتح أيضا،
والخاء معجمة، أي: لا أظنه. وكأن سبب توقف ابن عمر في ذلك أنه بلغه عن
غيره أنه صلاها، ولم يثق بذلك عمن ذكره، وقد جاء عنه الجزم بكونها محدثة،
فروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح، عن مجاهد، عن ابن عمر، أنه قال:
"إنها محدثة، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا". وسيأتي في أول أبواب العمرة من
وجه آخر عن مجاهد قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد،
فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون الضحى،
فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة". وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح،
عن الحكم بن الأعرج، عن الأعرج قال: سألت ابن
عمر عن صلاة الضحى، فقال: بدعة، ونعمت البدعة. وروى عبد
الرزاق بإسناد صحيح عن سالم، عن أبيه قال: لقد قتل عثمان، وما أحد يسبحها،
وما أحدث الناس شيئا أحب إليّ منها. وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح،
عن الشعبي، عن ابن عمر قال: "ما صليت الضحى منذ أسلمت، إلا أن
أطوف بالبيت". أي: فأصلي في ذلك الوقت لا على نية صلاة الضحى، بل على نية الطواف.
ويحتمل أنه كان ينويهما معا. وقد جاء عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك في
وقت خاص كما سيأتي بعد سبعة أبواب من طريق نافع، أن ابن عمر كان لا
يصلي الضحى إلا يوم يقدم مكة، فإنه كان يقدمها ضحى فيطوف بالبيت، ثم يصلي ركعتين.
ويوم يأتي مسجد قباء. وروى ابن
خزيمة من وجه آخر، عن نافع، عن ابن عمر: كان
النبي ﷺ لا يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة. فأما مسجد
قباء، فقال سعيد بن منصور: حدثنا ابن
عيينة، عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان لا يصلي
الضحى إلا أن يأتي قباء. وهذا
يحتمل أيضا أن يريد به صلاة تحية المسجد في وقت الضحى لا صلاة الضحى.
ويحتمل أن يكون ينويهما معا كما قلناه في الطواف.
وفي الجملة ليس في أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى؛ لأن نفيه محمول على عدم رؤيته، لا على عدم الوقوع في نفس الأمر، أو الذي نفاه صفة مخصوصة كما سيأتي نحوه في الكلام على حديث عائشة. قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المساجد وصلاتها جماعة، لا أنها مخالفة للسنة. ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود أنه رأى قوما يصلونها فأنكر عليهم، وقال: إن كان ولا بد ففي بيوتكم.
١١٧٦- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ أَبِي لَيْلَى، يَقُولُ: مَا حَدَّثَنَا أَحَدٌ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ
فَإِنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ
دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِيَ
رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلاَةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ
الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ.
الشرح:
قوله: (ما حدثنا أحد) في رواية ابن
أبي شيبة من وجه آخر عن ابن أبي ليلى: أدركت
الناس وهم متوافرون، فلم يخبرني أحد أن النبي ﷺ
صلى الضحى، إلا أم هانئ. ولمسلم من
طريق عبد الله بن الحارث الهاشمي قال: سألت
وحرصت على أن أجد أحدا من الناس يخبرني أن النبي ﷺ
سبح سبحة الضحى، فلم أجد غير أم هانئ بنت أبي طالب حدثتني. فذكر
الحديث. وعبد الله بن الحارث هذا هو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب مذكور
في الصحابة لكونه ولد على عهد النبي ﷺ.
وبين ابن ماجه في روايته وقت سؤال عبد الله بن الحارث عن ذلك،
ولفظه: "سألت في زمن عثمان والناس متوافرون".
قوله: (غير) بالرفع؛ لأنه بدل من قوله:
أحد.
قوله: (أم هانئ) هي
بنت أبي طالب أخت عليّ شقيقته، وليس لها في البخاري سوى هذا،
وحديث آخر تقدم في الطهارة.
قوله: (دخل بيتها يوم
فتح مكة فاغتسل وصلى) ظاهره أن الاغتسال وقع في بيتها، ووقع في
الموطأ ومسلم من طريق أبي مرة عن أم هانئ أنها ذهبت
إلى النبي ﷺ وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل، وجمع
بينهما بأن ذلك تكرر منه. ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من
طريق مجاهد عن أم هانئ وفيه أن أبا ذر ستره
لما اغتسل، وفي رواية أبي مرة عنها أن فاطمة بنته هي التي سترته.
ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة، وكانت هي في بيت آخر بمكة فجاءت
إليه فوجدته يغتسل، فيصح القولان. وأما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في
ابتداء الغسل، والآخر في أثنائه، والله أعلم.
قوله: (ثمان ركعات) زاد كريب عن أم
هانئ: فسلم
من كل ركعتين. أخرجه ابن
خزيمة. وفيه
رد على من تمسك به في صلاتها موصولة سواء صلى ثمان ركعات أو أقل.
وفي الطبراني من حديث ابن أبي أوفى أنه صلى الضحى ركعتين،
فسألته امرأته، فقال: إن النبي ﷺ صلى يوم
الفتح ركعتين. وهو محمول على أنه رأى من صلاة النبي ﷺ
ركعتين، ورأت أم هانئ بقية الثمان، وهذا يقوي أنه صلاها مفصولة، والله
أعلم.
قوله: (فلم أر صلاة قط أخف منها) يعني:
من صلاة النبي ﷺ. وقد تقدم في أواخر أبواب
التقصير بلفظ: "فما رأيته صلى صلاة قط أخف منها". وفي رواية عبد
الله بن الحارث المذكورة: لا أدري أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجوده، كل
ذلك متقارب. واستدل
به على استحباب تخفيف صلاة الضحى، وفيه نظر؛ لاحتمال أن يكون السبب فيه
التفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به، وقد ثبت من فعله ﷺ
أنه صلى الضحى، فطول فيها. أخرجه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة.
واستدل بهذا الحديث على إثبات سنة الضحى،
وحكى عياض عن قوم أنه ليس في حديث أم هانئ دلالة على ذلك، قالوا:
وإنما هي سنة الفتح، وقد صلاها خالد بن الوليد في بعض فتوحه كذلك.
وقال عياض أيضا: ليس حديث أم هانئ بظاهر في أنه قصد ﷺ بها سنة الضحى، وإنما فيه أنها أخبرت عن وقت صلاته
فقط، وقد قيل: إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيه.
وتعقبه النووي بأن الصواب صحة الاستدلال به، لما رواه أبو
داود وغيره من طريق كريب، عن أم هانئ أن النبي ﷺ صلى سبحة الضحى، ولمسلم في كتاب الطهارة
من طريق أبي مرة، عن أم هانئ في قصة اغتساله ﷺ يوم الفتح: ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى. وروى ابن
عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد، عن أم هانئ قالت: قدم رسول الله ﷺ مكة، فصلى ثمان ركعات، فقلت: ما هذه؟ قال:
هذه صلاة الضحى.
واستدل به على أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعات.
واستبعده السبكي، ووجه بأن الأصل في العبادة التوقف، وهذا أكثر ما ورد في ذلك
من فعله ﷺ، وقد ورد من فعله دون ذلك،
كحديث ابن أبي أوفى، أن النبي ﷺ صلى
الضحى ركعتين. أخرجه ابن
عدي، وسيأتي من حديث عتبان قريبا مثله. وحديث عائشة عند مسلم: كان يصلي الضحى أربعا. وحديث جابر عند الطبراني في
الأوسط، أنه ﷺ صلى الضحى ست ركعات، وأما
ما ورد من قوله ﷺ ففيه زيادة على ذلك
كحديث أنس مرفوعا: من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة. أخرجه الترمذي،
واستغربه. وليس في إسناده من أطلق عليه الضعف. وعند الطبراني من
حديث أبي الدرداء مرفوعا: من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين، ومن
صلى أربعا كتب من التائبين، ومن صلى ستا كفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانيا كتب من العابدين،
ومن صلى ثنتي عشرة بنى الله له بيتا في الجنة. وفي إسناده ضعف أيضا،
وله شاهد من حديث أبي ذر رواه البزار، وفي إسناده ضعف أيضا، ومن ثم
قال الروياني ومن تبعه: أكثرها ثنتا عشرة. وقال النووي في شرح
المهذب: فيه حديث ضعيف، كأنه يشير إلى حديث أنس، لكن إذا ضم إليه
حديث أبي ذر، وأبي الدرداء قوي وصلح للاحتجاج به. ونقل الترمذي،
عن أحمد: أن
أصح شيء ورد في الباب حديث أم هانئ. وهو كما قال، ولهذا
قال النووي في الروضة: أفضلها ثمان وأكثرها ثنتا عشرة صلاة الضحى،
ففرق بين الأكثر والأفضل. ولا يتصور ذلك إلا فيمن صلى الاثنتي عشرة بتسليمة واحدة،
فإنها تقع نفلا مطلقا عند من يقول: إن أكثر سنة الضحى ثمان ركعات، فأما من فصل
فإنه يكون صلى الضحى، وما زاد على الثمان يكون له نفلا مطلقا، فتكون صلاته اثنتي
عشرة في حقه أفضل من ثمان، لكونه أتى بالأفضل وزاد، وقد ذهب قوم، منهم أبو
جعفر الطبري وبه جزم الحليمي، والروياني من الشافعية إلى أنه
لا حد لأكثرها. وروى من طريق إبراهيم النخعي، قال: سأل رجل الأسود بن يزيد: كم
أصلي الضحى؟ قال: كم شئت. وفي حديث عائشة عند مسلم: كان يصلي الضحى أربعا،
ويزيد ما شاء الله. وهذا
الإطلاق قد يحمل على التقييد، فيؤكد أن أكثرها اثنتا عشرة ركعة، والله أعلم. وذهب
آخرون إلى أن أفضلها أربع ركعات، فحكى الحاكم في كتابه المفرد في
صلاة الضحى عن جماعة من أئمة الحديث، أنهم كانوا يختارون أن تصلى الضحى أربعا
لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك كحديث أبي الدرداء، وأبي
ذر عند الترمذي مرفوعا عن الله تعالى: ابن آدم، اركع لي أربع ركعات
من أول النهار أكفك آخره. وحديث نعيم
بن حماد عند النسائي، وحديث أبي أمامة، وعبد الله بن
عمرو، والنواس بن سمعان كلهم بنحوه عند الطبراني، وحديث عقبة
بن عامر، وأبي مرة الطائفي كلاهما عند أحمد بنحوه،
وحديث عائشة عند مسلم كما تقدم، وحديث أبي موسى، رفعه: من
صلى الضحى أربعا بنى الله له بيتا في الجنة أخرجه الطبراني في
الأوسط، وحديث أبي أمامة مرفوعا: أتدرون قوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ} [النجم: ٣٧] قال:
وفي عمل يومه بأربع ركعات الضحى. أخرجه الحاكم.
وجمع ابن القيم في
الهدي الأقوال في صلاة الضحى، فبلغت ستة: الأول: مستحبة، واختلف في عددها، فقيل:
أقلها ركعتان، وأكثرها اثنتا عشرة، وقيل: أكثرها ثمان، وقيل: كالأول لكن لا تشرع
ستا ولا عشرة، وقيل: كالثاني، لكن لا تشرع ستا، وقيل: ركعتان فقط، وقيل: أربعا فقط،
وقيل: لا حد لأكثرها.
القول الثاني: لا تشرع إلا لسبب، واحتجوا
بأنه ﷺ لم يفعلها إلا بسبب، واتفق وقوعها وقت
الضحى، وتعددت الأسباب: فحديث أم هانئ في صلاته يوم الفتح كان بسبب
الفتح، وأن سنة الفتح أن يصلي ثمان ركعات، ونقله الطبري من
فعل خالد بن الوليد لما فتح الحيرة، وفي حديث عبد الله بن أبي
أوفى، أنه ﷺ صلى الضحى حين بشر
برأس أبي جهل، وهذه صلاة شكر كصلاته يوم الفتح، وصلاته في
بيت عتبان إجابة لسؤاله أن يصلي في بيته مكانا يتخذه مصلى، فاتفق أنه
جاءه وقت الضحى، فاختصره الراوي، فقال: صلى في بيته الضحى. وكذلك
حديث بنحو قصة عتبان مختصرا، قال أنس: ما
رأيته صلى الضحى إلا يومئذ. وحديث عائشة: لم يكن يصلي الضحى إلا
أن يجيء من مغيبه؛ لأنه كان ينهى عن الطروق ليلا، فيقدم في أول النهار، فيبدأ بالمسجد،
فيصلي وقت الضحى.
القول الثالث: لا تستحب أصلا، وصح
عن عبد الرحمن بن عوف أنه لم يصلها، وكذلك ابن مسعود.
القول الرابع: يستحب فعلها تارة وتركها تارة،
بحيث لا يواظب عليها، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد. والحجة فيه
حديث أبي سعيد: كان
النبي ﷺ يصلي الضحى، حتى نقول: لا يدعها،
ويدعها حتى نقول: لا يصليها. أخرجه الحاكم. وعن عكرمة: كان ابن
عباس يصليها عشرا، ويدعها عشرا. وقال الثوري، عن منصور: كانوا
يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة. وعن سعيد بن جبير: إني
لأدعها وأنا أحبها مخافة أن أراها حتما علي.
الخامس: تستحب صلاتها والمواظبة عليها في
البيوت، أي: للأمن من الخشية المذكورة.
السادس: أنها بدعة، صح ذلك من
رواية عروة، عن ابن عمر، وسئل أنس عن صلاة الضحى فقال: "الصلوات
خمس. وعن أبي بكرة أنه رأى ناسا يصلون الضحى، فقال: "ما صلاها رسول
الله ﷺ، ولا عامة أصحابه. وقد
جمع الحاكم الأحاديث الواردة في صلاة الضحى في جزء مفرد، وذكر لغالب هذه
الأقوال مستندا، وبلغ عدد رواة الحديث في إثباتها نحو العشرين نفسا من الصحابة.
(لطيفة): روى الحاكم من
طريق أبي الخير، عن عقبة بن عامر قال: أمرنا
رسول الله ﷺ أن نصلي الضحى بسور؛ منها: {والشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {الضُّحَى}.
انتهى. ومناسبة ذلك ظاهرة جدا.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ
اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل
اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
