باب كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بصلاة من بين الليالي
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
أحاديث رياض الصالحين: باب كراهة تخصيص
يوم الجمعة بصيام أَوْ ليلته بصلاة من بين الليالي.
١٧٦٩- عَنْ أَبي هُرَيْرة رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لاَ تَخُصُّوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْن اللَّيَالي،
وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الجُمُعَة بِصيَامٍ مِنْ بيْنِ الأَيَّامِ إِلاَّ أَنْ
يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» [١] رواه مسلم.
١٧٧٠- وعَنْ أَبي هُرَيْرة رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
يَقُولُ: «لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ
الجُمُعَةِ إِلاَّ يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» [٢] متفقٌ
عَلَيْهِ.
١٧٧١- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ:
سَأَلْتُ جَابِراً رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ صَوْمِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. [٣] متفقٌ
عَلَيْهِ.
١٧٧٢- وَعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ
جُوَيْريَةَ بنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللَّه عَنهَا، أَنَّ النَّبيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا يوْمَ الجُمُعَةَ وَهَيَ
صائمَةٌ، فَقَالَ:
«أَصُمْتِ أَمْسِ؟» قَالَتْ: لا، قَالَ:
«تُرِيدينَ أَنْ تَصُومِي غَداً» قَالَتْ:
لاَ، قَالَ: «فَأَفْطِري» [٤] رَوَاهُ
البُخاري.
الشيخ:
الحمد لله، وصلّى الله وسلم على رسول
الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بيوم
الجمعة، يوم الجمعة لا يجوز تخصيص نهارها بصوم ولا ليلتها بقيام، لما كان يوم
الجمعة يومًا فاضلا وهو خير أيام الأسبوع، فمن رحمة الله أنه نهى عن تخصيصه؛ لأن
بعض الناس إذا سمع فضله قد يخصه بقيام أو يخصه بصيام، فمن رحمة الله أنه نهى عن
ذلك حتى لا يتكلف الناس ولا يشقوا على أنفسهم، ولهذا قال ﷺ:
"لا تخصوه يوم الجمعة بصيام إلا أن يكون من صوم يصومه أحدكم، ولا تخصوا ليلة
الجمعة بقيام"، هذا يدل على أنه لا يجوز تخصيص ليلتها بالقيام ولا
النهار بالصيام.
وفي حديث جابر أن الرسول ﷺ: نهى عن صوم يوم الجمعة، وقال: نهى عن ذلك ورب
الكعبة! يعني: عن إفراده في الصوم، وفي حديث أبي هريرة يقول ﷺ: "لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يومًا
قبله أو يومًا بعده" إما يصوم معه السبت، أو يصوم معه الخميس، وهكذا
حديث جويرية رضي الله عنها، بنت الحارث أم المؤمنين زوج النبي ﷺ، دخل عليها النبي يوم الجمعة وهي صائمة فقال: صمت
أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غدًا؟ قالت: لا، قال: أفطري. فدل ذلك
على أن يوم الجمعة لا يصام إلا إذا صيم معه يومًا قبله ويومًا بعده، وفيه الدلالة
على أنه يوم السبت لا بأس أن يصام، والحديث الذي فيه النهي عن صوم يوم السبت حديث
ضعيف مضطرب لا يصح، فلا بأس أن يصام يوم السبت وحده، أو مع الجمعة، أو مع الأحد،
لا بأس.
وأما حديث: "لا تصوموا يومَ السبتِ،
إلا فيما افتُرِضَ عليكم، فإن لم يَجِدْ أحدُكم إلا لِحَاءَ عنبةٍ أو عودَ
شجرةٍ فلْيَمْضُغْهُ" [٥] فحديث ضعيف، ذكر العلماء أنه مضطرب، وأنه
لا يصح ومخالف للأحاديث الصحيحة المذكورة في الباب، فإن حديث أبي هريرة وأحاديث
أخرى تدل على أنه لا بأس أن يصام يوم السبت مع الجمعة، أو مفردًا، أو مع الأحد،
وكان النبي ﷺ يصوم يوم السبت ويوم الأحد
أيضًا، ويقول: "إنهما يوما عيد المشركين، فأنا أحب أن
أخالفهما" يوم السبت عيد لليهود، والأحد عيد النصارى، فإذا صامه المسلم
صامه خلافًا لهم، كان هذا فيه فضل كبير، وفق الله الجميع.
[١] صحيح مسلم: (١١٤٤).
[٢] صحيح البخاري: (١٩٨٥)، مسلم: (١١٤٤).
[٣] صحيح البخاري: (١٩٨٤)، مسلم:
(١١٤٣).
[٤] صحيح البخاري: (١٩٨٦).
[٥] أخرجه أبو داود: (٢٤٢١)،
والترمذي: (٧٤٤)، وابن ماجه: (١٧٢٦)، واللفظ لهم.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: