باب يلبس أحسن ما يجد
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ
الجُمُعَةِ، بَابُ يَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ.
٨٨٦- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ
المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا
يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: «إِنَّمَا
يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ» ثُمَّ جَاءَتْ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى
عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا
قُلْتَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا» فَكَسَاهَا
عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا.
الشرح:
قوله: (باب يلبس أحسن ما يجد) أي:
يوم الجمعة من الجائز. أورد فيه حديث ابن عمر أن عمر رأى حلة سيراء عند
باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة، الحديث. ووجه
الاستدلال به من جهة تقريره ﷺ لعمر على
أصل التجمل للجمعة، وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرا. وقد
تعقبه الداودي بأنه ليس في الحديث دلالة على الترجمة.
وأجاب ابن بطال بأنه كان
معهودا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة، وتبعه ابن التين، وما تقدم أولى.
وقد ورد الترغيب في ذلك في حديث أبي أيوب وعبد الله بن عمر،
وعند ابن خزيمة بلفظ "ولبس من خير ثيابه" ونحوه في
رواية الليث عن ابن عجلان، ولأبي داود من طريق محمد
بن إبراهيم عن أبي سلمة وأبي أمامة عن أبي
سعيد وأبي هريرة نحو حديث سلمان وفيه "ولبس من أحسن
ثيابه" وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه أن رسول الله
ﷺ قال: ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين
لجمعته سوى ثوبي مهنته ووصله ابن عبد البر في "التمهيد"
من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة رضي
الله عنها، وفي إسناده نظر، فقد رواه أبو داود من طريق عمرو بن
الحارث وسعيد بن منصور عن ابن عيينة وعبد
الرزاق عن الثوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد
بن يحيى بن حبان مرسلا، ووصله أبو داود وابن ماجه من وجه آخر
عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن سلام، ولحديث عائشة طريق
عند ابن خزيمة وابن ماجه، وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر في
كتاب اللباس.
وقوله: (سيراء) بكسر المهملة وفتح
التحتانية ثم راء ثم مد أي حرير.
قال ابن قرقول: ضبطناه
عن المتقنين بالإضافة كما يقال ثوب خز، وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل.
قال الخطابي: يقال
حلة سيراء كناقة عشراء. ووجهه ابن التين فقال: يريد أن عشراء مأخوذ من
عشرة، أي: أكملت الناقة عشرة أشهر فسميت عشراء، وكذلك الحلة سميت سيراء؛ لأنها
مأخوذة من السيور، هذا وجه التشبيه، وعطارد صاحب الحلة هو ابن حاجب
التميمي.
وقوله: (فكساها أخا له بمكة مشركا)
سيأتي أن اسمه عثمان بن حكيم، وكان أخا عمر من أمه، وقيل غير ذلك،
وقد اختلف في إسلامه، والله أعلم.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
ليست هناك تعليقات: