Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

باب ما جاء في الثوم الني والبصل والكراث

 فتح الباري شرح صحيح البخاري

ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

باب – ما – جاء – في – الثوم – الني – والبصل - والكراث

باب ما جاء في الثوم الني والبصل والكراث


فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ أَبْوَابُ صِفَةِ الصَّلاَةِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيِّ وَالبَصَلِ وَالكُرَّاثِ.

وَقَوْلِ النَّبِيِّ : «مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوِ البَصَلَ -مِنَ الجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ- فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا».

٨٥٣- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يَعْنِي الثُّومَ- فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا».

 

الشرح:

قوله: (باب ما جاء في الثوم) هذه الترجمة والتي بعدها من أحكام المساجد. وأما التراجم التي قبلها فكلها من صفة الصلاة. لكن مناسبة هذه الترجمة وما بعدها لذلك من جهة أنه بنى صفة الصلاة على الصلاة في الجماعة، ولهذا لم يفرد ما بعد كتاب الأذان بكتاب؛ لأنه ذكر فيه أحكام الإقامة ثم الإمامة ثم الصفوف ثم الجماعة ثم صفة الصلاة، فلما كان ذلك كله مرتبطا بعضه ببعض واقتضى فضل حضور الجماعة بطريق العموم ناسب أن يورد فيه من قام به عارض كأكل الثوم، ومن لا يجب عليه ذلك كالصبيان، ومن تندب له في حالة دون حالة كالنساء، فذكر هذه التراجم فختم بها صفة الصلاة.


قوله: (الثوم) بضم الثاء المثلثة، (والنيء) بكسر النون وبعدها تحتانية ثم همزة وقد تدغم، وتقييده بالنيء حمل منه للأحاديث المطلقة في الثوم على غير النضيج منه. وقوله في الترجمة "والكراث" لم يقع ذكره في أحاديث الباب التي ذكرها، لكنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر كما سأذكره، وهذا أولى من قول بعضهم إنه قاسه على البصل. ويحتمل أن يكون استنبط الكراث من عموم الخضرات فإنه يدخل فيها دخولا أولويا؛ لأن رائحته أشد.


قوله: (وقول النبي ) هو بكسر اللام، وقوله: (من الجوع أو غيره) لم أر التقييد بالجوع وغيره صريحا لكنه مأخوذ من كلام الصحابي في بعض طرق حديث جابر وغيره، فعند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر قالنهى النبي عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة" الحديث. وله من رواية أبي نضرة عن أبي سعيدلم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس جياع" الحديث. وقال ابن المنير في الحاشية: ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بآكل الثوم في المنع من المسجد، قال: وفيه نظر؛ لأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع، والمجذوم علته سماوية. قال: لكن قوله من جوع أو غيره يدل على التسوية بينهما. انتهى. وكأنه رأى قول البخاري في الترجمة وقول النبي إلخ فظنه لفظ حديث، وليس كذلك، بل هو من تفقه البخاري وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى.


قوله: «من أكل» قال ابن بطال هذا يدل على إباحة أكل الثوم؛ لأن قوله: "من أكل" لفظ إباحة.

وتعقبه ابن المنير بأن هذه الصيغة إنما تعطي الوجود لا الحكم، أي: من وجد منه الأكل، وهو أعم من كونه مباحا أو غير مباح، وفي حديث أبي سعيد الذي أشرت إليه عند مسلم الدلالة على عدم تحريمه كما سيأتي.


قوله: (حدثنا يحيى) هو القطان وعبيد الله هو ابن عمر.


قوله: (قال في غزوة خيبر) قال الداودي أي حين أراد الخروج أو حين قدم. وتعقبه ابن التين بأن الصواب أنه قال ذلك وهو في الغزاة نفسها، قال ولا ضرورة تمنع أن يخبرهم بذلك في السفر. انتهى.
فكأن الذي حمل الداودي على ذلك قوله في الحديث فلا يقربن مسجدنا؛ لأن الظاهر أن المراد به مسجد المدينة فلهذا حمل الخبر على ابتداء التوجه إلى خيبر أو الرجوع إلى المدينة، لكن حديث أبي سعيد عند مسلم دال على أن القول المذكور صدر منه عقب فتح خيبر فعلى هذا فقوله: "مسجدنا" يريد به المكان الذي أعد ليصلي فيه مدة إقامته هناك أو المراد بالمسجد الجنس والإضافة إلى المسلمين، أي: فلا يقربن مسجد المسلمين. ويؤيده رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ "فلا يقربن المساجد"، ونحوه لمسلم وهذا يدفع قول من خص النهي بمسجد النبي كما سيأتي، وقد حكاه ابن بطال عن بعض أهل العلم ووهاه. وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء هل النهي للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد؟ قال: لا بل في المساجد.


قوله: (من هذه الشجرة يعني الثوم) لم أعرف القائل، يعني: ويحتمل أن يكون عبيد الله بن عمر، فقد رواه السراج من رواية يزيد بن الهادي عن نافع بدونها ولفظه "نهى رسول الله عن أكل الثوم يوم خيبر"، وزاد مسلم من رواية ابن نمير عن عبيد الله "حتى يذهب ريحها". وفي قوله: شجرة مجاز؛ لأن المعروف في اللغة أن الشجرة ما كان لها ساق وما لا ساق له يقال له نجم، وبهذا فسر ابن عباس وغيره قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: ٦]؛ ومن أهل اللغة من قال: كل ما ثبتت له أرومة، أي أصل في الأرض يخلف ما قطع منه فهو شجر، وإلا فنجم. وقال الخطابي: في هذا الحديث إطلاق الشجر على الثوم والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له ساق اهـ. ومنهم من قال: بين الشجر والنجم عموم وخصوص، فكل نجم شجر من غير عكس كالشجر والنخل، فكل نخل شجر من غير عكس.

 

٨٥٤- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلاَ يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا» قُلْتُ: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلَّا نِيئَهُ. وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: إِلَّا نَتْنَهُ.

 

الشرح:

قوله: (حدثنا عبد الله بن محمد) هو المسندي وأبو عاصم هو النبيلي وهو شيخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا.

 

قوله: (يريد الثوم) لم أعرف الذي فسره أيضا وأظنه ابن جريج فإن في الرواية التي تلي هذه عن الزهري عن عطاء الجزم بذكر الثوم. على أنه قد اختلف في سياقه عن ابن جريج فقد رواه مسلم من رواية يحيى القطان عن ابن جريج بلفظ "من أكل من هذه البقلة الثوم"، وقال مرة "من أكل البصل والثوم والكراث" ورواه أبو نعيم في المستخرج من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج مثله وعين الذي قال، وقال مرة ولفظه: قال ابن جريج وقال عطاء في وقت آخرالثوم والبصل والكراث" ورواه أبو الزبير عن جابر بلفظ "نهى النبي عن أكل البصل والكراث، قال: ولم يكن ببلدنا يومئذ الثوم" هكذا أخرجه ابن خزيمة من رواية يزيد بن إبراهيم وعبد الرزاق عن ابن عيينة كلاهما عن أبي الزبير. قلت: هذا لا ينافي التفسير المتقدم إذ لا يلزم من كونه لم يكن بأرضهم أن لا يجلب إليهم، حتى لو امتنع هذا الحمل لكانت رواية المثبت مقدمة على رواية النافي، والله أعلم.


قوله: «فلا يغشانا» كذا فيه بصيغة النفي التي يراد بها النهي، قال الكرماني: أو على لغة من يجري المعتل مجرى الصحيح، أو أشبع الراوي الفتحة فظن أنها ألف. والمراد بالغشيان الإتيان، أي: فلا يأتنا.


قوله: «في مسجدنا»، في رواية الكشميهني وأبي الوقت" مساجدنا" بصيغة الجمع.


قوله: (قلت ما يعني به) لم أقف على تعيين القائل والمقول له وأظن السائل ابن جريج والمسئول عطاء، في مصنف عبد الرزاق ما يرشد إلى ذلك، وجزم الكرماني بأن القائل عطاء والمسئول جابر، وعلى هذا فالضمير في "أراه" للنبي وهو بضم الهمزة، أي: أظنه، و "نيئه" تقدم ضبطه.


قوله: (وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج إلا نتنه) بفتح النون وسكون المثناة من فوق بعدها نون أخرى، ولم أجد طريق مخلد هذه موصولة بالإسناد المذكور، وقد أخرج السراج عن أبي كريب عن مخلد هذا الحديث لكن قال: عن أبي الزبير" بدل" عطاء عن جابر، ولم يذكر المقصود من التعليق المذكور، إلا أنه قال فيه ألم أنهكم عن هذه البقلة الخبيثة أو المنتنة فإن كان أشار إلى ذلك وإلا فما أظنه إلا تصحيفا، فقد رواه أبو عوانة في صحيحه من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج كما قال أبو عاصم، ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج بلفظ "أراه، يعني: النيئة التي لم تطبخ" وكذا لأبي نعيم في المستخرج من طريق ابن أبي عدي عن ابن جريج بلفظ "يريد النيء الذي لم يطبخ" وهو تفسير للنيء بأنه الذي لم يطبخ وهو حقيقته كما تقدم، وقد يطلق على أعم من ذلك وهو ما لم ينضج فيدخل فيه ما طبخ قليلا ولم يبلغ النضج.

 

٨٥٥- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، زَعَمَ عَطَاءٌ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا -أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا- وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ». وَأَنَّ النَّبِيَّ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ البُقُولِ، فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا». إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ: «كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لاَ تُنَاجِي».

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: عَنْ ابْنِ وَهْبٍ "أُتِيَ بِبَدْرٍ" وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ.

وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ، وَأَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ، قِصَّةَ القِدْرِ فَلاَ أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الحَدِيثِ.

 

الشرح:

قوله: (عن يونس) هو ابن يزيد.


قوله: (زعم عطاء) هو ابن أبي رباح وفي رواية الأصيلي" عن عطاء"، ولمسلم من وجه آخر عن ابن وهب "حدثني عطاء".


قوله: (أن جابر بن عبد الله زعم) قال الخطابي لم يقل زعم على وجه التهمة، لكنه لما كان أمرا مختلفا فيه أتى بلفظ الزعم؛ لأن هذا اللفظ لا يكاد يستعمل إلا في أمر يرتاب به أو يختلف فيه. قلت: وقد يستعمل في القول المحقق أيضا كما تقدم، وكلام الخطابي لا ينفي ذلك، وفي رواية أحمد بن صالح الآتية عن جابر ولم يقل "زعم".


قوله: (فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا) شك من الراوي وهو الزهري، ولم تختلف الرواة عنه في ذلك قوله: (أو ليقعد في بيته) كذا لأبي ذر بالشك أيضا، ولغيره وليقعد في بيته بواو العطف، وكذا لمسلم، وهي أخص من الاعتزال؛ لأنه أعم من أن يكون في البيت أو غيره.


قوله: (وأن النبي ) هذا حديث آخر، وهو معطوف على الإسناد المذكور، والتقدير وحدثنا سعيد بن عفير بإسناده أن النبي أتي، وقد تردد البخاري فيه هل هو موصول أو مرسل كما سيأتي وهذا الحديث الثاني كان متقدما على الحديث الأول بست سنين؛ لأن الأول تقدم في حديث ابن عمر وغيره أنه وقع منه في غزوة خيبر وكانت سنة سبع، وهذا وقع في السنة الأولى عند قدومه إلى المدينة ونزوله في بيت أبي أيوب الأنصاري كما سأبينه.


قوله: (أتي بقدر) بكسر القاف وهو ما يطبخ فيه، ويجوز فيه التأنيث والتذكير، والتأنيث أشهر، لكن الضمير في قوله "فيه خضرات" يعود على الطعام الذي في القدر، فالتقدير أتي بقدر من طعام فيه خضرات، ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث حيث قال "فأخبر بما فيها" وحيث قالث: «قربوها»، وقوله "خضرات" بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين كذا ضبط في رواية أبي ذر، ولغيره بفتح أوله وكسر ثانيه وهو جمع خضرة، ويجوز مع ضم أوله ضم الضاد وتسكينها أيضا.


قوله: (إلى بعض أصحابه) قال الكرماني فيه النقل بالمعنى، إذ الرسول لم يقله بهذا اللفظ بل قال قربوها إلى فلان مثلا، أو فيه حذف، أي: قال قربوها مشيرا أو أشار إلى بعض أصحابه.
قلت: والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري، ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب في قصة نزول النبي عليه قال فكان يصنع للنبي طعاما فإذا جيء به إليه، أي: بعد أن يأكل النبي منه، سأل عن موضع أصابع النبي فصنع ذلك مرة فقيل له: لم يأكل، وكان الطعام فيه ثوم، فقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا ولكن أكرهه.


قوله: «كل فإني أناجي من لا تناجي»، أي: الملائكة، وفي حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة وابن حبان من وجه آخر أن رسول الله أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث فلم ير فيه أثر رسول الله فأبي أن يأكل، فقال له: ما منعك؟ قال: لم أر أثر يدك قال: أستحي من ملائكة الله وليس بمحرم، ولهما من حديث أم أيوب قالت: نزل علينا رسول الله فتكلفنا له طعاما فيه بعض البقول، فذكر الحديث نحوه وقال فيه كلوا، فإني لست كأحد منكم، إني أخاف أوذي صاحبي.


قوله: (وقال أحمد بن صالح عن ابن وهب أتي ببدر) مراده أن أحمد بن صالح خالف سعيد بن عفير في هذه اللفظة فقط وشاركه في سائر الحديث عن ابن وهب بإسناده المذكور، وقد أخرجه البخاري في الاعتصام قال "حدثنا أحمد بن صالح" فذكره بلفظ "أتي ببدر" وفيه قول ابن وهب" يعني طبقا فيه خضرات"، وكذا أخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح، لكن أخر تفسير ابن وهب فذكره بعد فراغ الحديث.

وأخرجه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب فقال "بقدر" بالقاف ورجح جماعة من الشراح رواية أحمد بن صالح لكون ابن وهب فسر "البدر" بالطبق فدل على أنه حدث به كذلك، وزعم بعضهم أن لفظة "بقدر" تصحيف؛ لأنها تشعر بالطبخ وقد ورد الإذن بأكل البقول مطبوخة، بخلاف الطبق فظاهره أن البقول كانت فيه نيئة. والذي يظهر لي أن رواية "القدر" أصح لما تقدم من حديث أبي أيوب وأم أيوب جميعا، فإن فيه التصريح بالطعام، ولا تعارض بين امتناعه من أكل الثوم وغيره مطبوخا وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخا، فقد علل ذلك بقوله إني لست كأحد منكم وترجم ابن خزيمة على حديث أبي أيوب ذكر ما خص الله نبيه به من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخا، وقد جمع القرطبي في "المفهم" بين الروايتين بأن الذي في القدر لم ينضج حتى تضمحل رائحته فبقي في حكم النيء.


قوله: (ببدر) بفتح الموحدة وهو الطبق، سمي بذلك لاستدارته تشبيها له بالقمر عند كماله.


قوله: (ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر) أما رواية الليث فوصلها الذهلي في "الزهريات" وأما رواية أبي صفوان وهو الأموي فوصلها المؤلف في الأطعمة عن عليّ بن المديني عنه واقتصر على الحديث الأول وكذا اقتصر عقيل عن الزهري كما أخرجه ابن خزيمة.


قوله: (فلا أدري إلخ) هو من كلام البخاري، ووهم من زعم أنه كلام أحمد بن صالح أو من فوقه، وقد قال البيهقي: الأصل أن ما كان من الحديث متصلا به فهو منه حتى يجيء البيان الواضح بأنه مدرج فيه.

 

٨٥٦- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: مَا سَمِعْتَ نَبِيَّ اللَّهِ يَقُولُ فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبْنَا -أَوْ: لاَ يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا».

 

الشرح:

قوله: (عن عبد العزيز) هو ابن صهيب.


قوله: (سأل رجل) لم أقف على تسميته، وقد تقدم الكلام على إطلاق الشجرة على الثوم، وقوله "فلا يقربن" بفتح الراء والموحدة وتشديد النون، وليس في هذا تقييد النهي بالمسجد فيستدل بعمومه على إلحاق المجامع بالمساجد كمصلى العيد والجنازة ومكان الوليمة، وقد ألحقها بعضهم بالقياس والتمسك بهذا العموم أولى، ونظيره قولهوليقعد في بيته" كما تقدم، لكن قد علل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة وترك أذى المسلمين، فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهي بالمساجد وما في معناها، وهذا هو الأظهر، وإلا لعم النهي كل مجمع كالأسواق، ويؤيد هذا البحث قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم من أكل من هذه الشجرة شيئا فلا يقربنا في المسجد قال القاضي ابن العربي: ذكر الصفة في الحكم يدل على التعليل بها، ومن ثم رد على المازري حيث قال: لو أن جماعة مسجد أكلوا كلهم ما له رائحة كريهة لم يمنعوا منه، بخلاف ما إذا أكل بعضهم؛ لأن المنع لم يختص بهم بل بهم وبالملائكة، وعلى هذا يتناول المنع من تناول شيئا من ذلك ودخل المسجد مطلقا ولو كان وحده. واستدل بأحاديث الباب على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين. قال ابن دقيق العيد؛ لأن اللازم من منعه أحد أمرين: إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحا فتكون صلاة الجماعة ليست فرض عين، أو حراما فتكون صلاة الجماعة فرضا. وجمهور الأمة على إباحة أكلها فيلزم أن لا تكون الجماعة فرض عين. وتقريره أن يقال: أكل هذه الأمور جائز، ومن لوازمه ترك صلاة الجماعة، وترك الجماعة في حق آكلها جائز، ولازم الجائز جائز وذلك ينافي الوجوب، ونقل عن أهل الظاهر أو بعضهم تحريمها بناء على أن الجماعة فرض عين، وتقريره أن يقال: صلاة الجماعة فرض عين، ولا تتم إلا بترك أكلها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فترك أكل هذا واجب فيكون حراما اهـ. وكذا نقله غيره عن أهل الظاهر، لكن صرح ابن حزم منهم بأن أكلها حلال مع قوله بأن الجماعة فرض عين، وانفصل عن اللزوم المذكور بأن المنع من أكلها مختص بمن علم بخروج الوقت قبل زوال الرائحة. ونظيره أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها، ومع ذلك تسقط بالسفر. وهو في أصله مباح، لكن يحرم على من أنشأه بعد سماع النداء. وقال ابن دقيق العيد أيضا: قد يستدل بهذا الحديث على أن أكل هذه الأمور من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة، وقد يقال: إن هذا الكلام خرج مخرج الزجر عنها فلا يقتضي ذلك أن يكون عذرا في تركها إلا أن تدعو إلى أكلها ضرورة. قال: ويبعد هذا من وجه تقريبه إلى بعض أصحابه، فإن ذلك ينفي الزجر اهـ. ويمكن حمله على حالتين، والفرق بينهما أن الزجر وقع في حق من أراد إتيان المسجد، والإذن في التقريب وقع في حالة لم يكن فيها ذلك، بل لم يكن المسجد النبوي إذ ذاك بني، فقد قدمت أن الزجر متأخر عن قصة التقريب بست سنين. وقال الخطابي: توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة، وإنما هو عقوبة لآكله على فعله إذ حرم فضل الجماعة اهـ. وكأنه يخص الرخصة بما لا سبب للمرء فيه كالمطر مثلا، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون أكلها حراما، ولا أن الجماعة فرض عين.


واستدل المهلب بقوله فإني أناجي من لا تناجي على أن الملائكة أفضل من الآدميين. وتعقب بأنه لا يلزم من تفضيل بعض الأفراد على بعض تفضيل الجنس على الجنس، واختلف هل كان أكل ذلك حراما على النبي أو لا؟ والراجح الحل لعموم قوله : وليس بمحرم، كما تقدم من حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة. ونقل ابن التين عن مالك قال: الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم. وقيده عياض بالجشاء. قلت: وفي الطبراني الصغير من حديث أبي الزبير عن جابر التنصيص على ذكر الفجل في الحديث، لكن في إسناده يحيى بن راشد وهو ضعيف. وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر أو به جرح له رائحة. وزاد بعضهم فألحق أصحاب الصنائع كالسماك، والعاهات كالمجذوم، ومن يؤذي الناس بلسانه، وأشار ابن دقيق العيد إلى أن ذلك كله توسع غير مرضي.


(فائدة): حكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه، ولذلك كان إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلى البقيع كما ثبت في مسلم عن عمر رضي الله عنه.


(تنبيه): وقع في حديث حذيفة عند ابن خزيمة من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا، ثلاثا. وبوب عليهتوقيت النهي عن إتيان الجماعة لآكل الثوم" وفيه نظر، لاحتمال أن يكون قوله "ثلاثا" يتعلق بالقول، أي: قال ذلك ثلاثا، بل هذا هو الظاهر؛ لأن علة المنع وجود الرائحة وهي لا تستمر هذه المدة.


الْحمْد لِلَّه ربِّ الْعالمين

اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم

تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال

باب ما جاء في الثوم الني والبصل والكراث Reviewed by احمد خليل on 4:42:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.