باب إذا بكى الإمام في الصلاة
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر
العسقلاني
باب إذا بكى الإمام في
الصلاة
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ
مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ بَابُ إِذَا بَكَى الإِمَامُ فِي الصَّلاَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ، وَأَنَا
فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى
اللَّهِ}
[يوسف: ٨٦].
٧١٦- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
قَالَ فِي مَرَضِهِ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي
بِالنَّاسِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ
فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ،
فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ»
قَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي
مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ
لِلنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ
صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ» قَالَتْ
حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا.
الشرح:
قوله: (باب إذا بكى الإمام في الصلاة)
أي: هل تفسد أو لا؟ والأثر والخبر اللذان في الباب يدلان على الجواز، وعن الشعبي
والنخعي والثوري أن البكاء والأنين يفسد الصلاة. وعن المالكية والحنفية إن كان
لذكر النار والخوف لم يفسد، وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه أصحها إن ظهر منه حرفان
أفسد وإلا فلا. ثانيها: وحكي عن نصه في الإملاء أنه لا يفسد مطلقا؛ لأنه ليس من
جنس الكلام ولا يكاد يبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل. ثالثها: عن القفال إن
كان فمه مطبقا لم يفسد وإلا أفسد إن ظهر منه حرفان، وبه قطع المتولي. والوجه
الثاني أقوى دليلا.
(فائدة): أطلق جماعة التسوية بين الضحك
والبكاء، وقال المتولي: لعل الأظهر في الضحك البطلان مطلقا لما فيه من هتك حرمة
الصلاة، وهذا أقوى من حيث المعنى، والله أعلم.
قوله: (وقال عبد الله بن شداد) أي: ابن
الهاد، وهو تابعي كبير له رؤية ولأبيه صحبة.
قوله: (سمعت نشيج عمر)، النشيج: بفتح
النون وكسر المعجمة وآخره جيم، قال ابن فارس: نشج الباكي ينشج نشيجا إذا غص
بالبكاء في حلقه من غير انتحاب. وقال الهروي: النشيج صوت معه ترجيع كما يردد الصبي
بكاءه في صدره. وفي "المحكم": هو أشد البكاء. وهذا الأثر وصله سعيد بن
منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد سمع عبد الله بن شداد بهذا وزاد
"في صلاة الصبح". وأخرجه ابن المنذر من طريق عبيد بن عمير عن عمر نحوه،
وقد تقدم الكلام على حديث أبي بكر وقوله فيه "من البكاء" أي: لأجل
البكاء. وفي الباب حديث عبد الله بن الشخير رأيت رسول الله ﷺ يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وإسناده قوي، وصححه ابن خزيمة وابن
حبان والحاكم، ووهم من زعم أن مسلما أخرجه. والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم القدر
إذا غلت. والأزيز بفتح الهمزة بعدها زاي ثم تحتانية ساكنة ثم زاي أيضا وهو صوت
القدر إذا غلت وفي لفظ "كأزيز الرحى".
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح
الأعمال
ليست هناك تعليقات: