فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ الأَذَانِ بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ.
٦١٠- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا غَزَا
بِنَا قَوْمًا، لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ
سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ
عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ
لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ، وَرَكِبْتُ خَلْفَ
أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: فَخَرَجُوا
إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ ﷺ، قَالُوا: مُحَمَّدٌ
وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ، قَالَ: فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ،
إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ
صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: ١٧٧]».
الشرح:
قوله: (باب ما يحقن بالأذان من الدماء)
قال الزين بن المنير: قصد البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها استيفاء ثمرات
الأذان، فالأولى فيها فضل التأذين لقصد الاجتماع للصلاة، والثانية فيها فضل أذان
المنفرد لإيداع الشهادة له بذلك، والثالثة فيها حقن الدماء عند وجود الأذان. قال:
وإذا انتفت عن الأذان فائدة من هذه الفوائد لم يشرع إلا في حكايته عند سماعه،
ولهذا عقبه بترجمة ما يقول إذا سمع المنادي اهـ.
كلامه ملخصا. ووجه الاستدلال للترجمة من حديث الباب ظاهر، وباقي المتن من متعلقات
الجهاد.
الحديث قد أورده المصنف في الجهاد بهذا
الإسناد وسياقه هناك أتم مما هنا، وسيأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله
تعالى. وقد روى مسلم طرفه المتعلق بالأذان وسياقه أوضح، أخرجه من طريق حماد بن
سلمة عن ثابت عن أنس قال: كان رسول الله ﷺ يغير إذا طلع الفجر،
وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار. قال الخطابي: فيه أن الأذان
شعار الإسلام، وأنه لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان
قتالهم عليه اهـ.
وهذا أحد أقوال العلماء كما تقدم، وهو أحد الأوجه في المذهب. وأغرب ابن عبد البر
فقال: لا أعلم فيه خلافا، وأن قول أصحابنا من نطق بالتشهد في الأذان حكم بإسلامه
إلا إذا كان عيسويا فلا يرد عليه مطلق حديث الباب؛ لأن العيسوية طائفة من اليهود
حدثت في آخر دولة بني أمية فاعترفوا بأن محمدا رسول الله ﷺ، لكن إلى العرب فقط،
وهم منسوبون إلى رجل يقال له أبو عيسى أحدث لهم ذلك.
(تنبيه):
وقع في سياق حديث الباب "لم يكن يغر بنا" واختلف في ضبطه، ففي رواية
المستملي "يغر" من الإغارة مجزوم على أنه بدل من قوله يكن، وفي رواية
الكشميهني "يغد" بإسكان الغين وبالدال المهملة من الغدو، وفي رواية
كريمة "يغزو" بزاي بعدها واو من الغزو، وفي رواية الأصيلي
"يغير" كالأول لكن بإثبات الياء، وفي رواية غيرهم بضم أوله وإسكان الغين
من الإغراء، ورواية مسلم تشهد لرواية من رواه من الإغارة، والله أعلم.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
