كتاب الأمور المنهي عنها: باب تحريم تصوير الحيوان في بسَاطٍ
أو حجر أو ثوب أو درهم أو مخدَّة أو دينار أو وسادة وغير ذلك، وتحريم اتّخاذ الصور
في حائطٍ وسقفٍ وسترٍ وعمامة وثوب ونحوها، والأمر بإتلاف الصّورة
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
باب تحريم تصوير الحيوان وتحريم اتخاذ الصور في حائط
أحاديث
رياض الصالحين: باب تحريم تصوير الحيوان في بسَاطٍ أو حجر أو ثوب أو درهم أو
مخدَّة أو دينار أو وسادة وغير ذلك، وتحريم اتّخاذ الصور في حائطٍ وسقفٍ وسترٍ وعمامة
وثوب ونحوها، والأمر بإتلاف الصّورة.
١٦٨٧
- عَن ابْنِ عُمَرَ -رضي اللَّه عَنْهُما- أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
قَالَ: «إنَّ الَّذِين يَصْنَعونَ هذِهِ الصُّورَ
يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»
متفقٌ عَلَيهِ.
١٦٨٨
- وعَنْ عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنهَا- قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فيهِ تماثيلُ، فَلَمَّا
رَآهُ رسُولُ اللَّه ﷺ تَلَوَّنَ وَجْهُه وقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أشدُّ الناسِ عَذابًا عِنْدَ اللَّه يَوْم الْقِيامةِ
الَّذِينَ يُضَاهُون بخَلْقِ اللَّه»، قَالَتْ: فَقَطَعْنَاهُ، فَجَعَلنا
مِنْهُ وِسادةً أَوْ وِسادَتَيْن. متفقٌ عليه.
(القِرَامٍ)
بكسر القاف، هو: الستر. (والسَهْوَة) بفتح السين المهملة وهي: الصفة تكون بين يدي
البيت، وقيل: هي الطاق النافذ في الحائط.
١٦٨٩
- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ
يَقُولُ: «كُلُّ مُصَوِّرٍ في النَّارِ، يُجْعَلُ
لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسٌ، فَيُعَذِّبُهُ في جهَنَّم»، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَإنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعِ
الشَّجَرَ وَما لا رُوح فِيهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ:
الحمد
لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما
بعد:
فهذه
الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها كلها تتعلق بالتصوير، والتصوير من أكبر
السّيئات، ومن أكبر الكبائر، وهو تصوير ذوات الأرواح، من حيوانات طائرة أو ماشية،
كلها يحرم تصويرها، كالإبل والبقر والغنم وبني آدم والطيور وكل ذي روح لا يجوز
تصويره؛ لقوله ﷺ: «إنَّ
الذين يصنعون هذه الصور هم أشد الناس عذابًا يوم القيامة»، وفي اللفظ
الآخر: «يُعذَّبون يوم القيامة، ويُقال لهم: أحيوا ما
خلقتم»، وفي اللفظ الآخر: «أشد الناس عذابًا
يوم القيامة المصورون»، وفي اللفظ الآخر: «الذين
يُضاهئون بخلق الله»، وفي حديث ابن عباسٍ: «كلّ
مصورٍ في النار، يُجْعَل له بكل صورةٍ صوَّرها نفسٌ يُعَذَّب بها في جهنم»،
وفي حديث أبي جُحيفة: «لعن رسولُ الله ﷺ آكل الربا، ومُوكله، وكاتبه، والواشمة، والمستوشمة، والمصور».
فالواجب
على كل مؤمنٍ أن يحذر ذلك، فإن كان ولا بدّ -كما قال ابنُ عباسٍ- فتصوير الشجر
والجماد لا بأس به، فيُصور: شجرةً، جمادًا، صورةً، طائرةً، لا بأس بذلك، أما تصوير
الحيوان -آدمي أو غير آدمي- فلا يجوز، بل يجب الحذر من ذلك؛ فإنه مُضاهاة لخلق
الله، والله جل وعلا لا يرضى بذلك، بل سبحانه يمنع ذلك؛ ولأن التصوير وسيلة إلى
شرٍّ كثيرٍ، فتصوير المُعَظَّمين وسيلةٌ إلى عبادتهم من دون الله، وتصوير النساء
وسيلةٌ للفواحش، وتصوير غيرهم وسيلةٌ إلى شرورٍ كثيرةٍ.
وقد
هلك قومُ نوح بأسباب الصور، لما صوَّروا ودًّا وسُواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا
ونصبوها في مجالسهم، فعُظمت بعد ذلك، واتُّخِذَتْ أوثانًا وأصنامًا تُعْبَد من دون
الله، فكان أول حدثٍ وقع في الشرك بأسباب الصور، صورة ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر،
فقد أتى الشيطانُ قومَهم لما ماتوا في زمنٍ متقاربٍ وهم رجال صالحون فقال: صوّروا
صورهم، وانصبوها في مجالسهم؛ حتى تذكروا أعمالَهم. وقصد الخبيث أن يُغريهم بعد طول
المدة أو غيرهم حتى يعبدوهم من دون الله، فوقع ذلك، فأرسل الله إليهم نوحًا،
ودعاهم إلى توحيد الله، واستمر في دعوتهم ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا، فأصرُّوا، ولم
يُؤمن به إلا القليل، حتى أهلكهم الله بالطوفان، ولم ينجو مع نوح إلا مَن كان معه
في السَّفينة.
وهكذا
جعله في الخِرَقِ، أو في الجرائد، أو في سترٍ، أو في جدارٍ، كله دربٌ واحدٌ لا
يجوز مطلقًا، ولهذا لما رأى النبيُّ ﷺ
الصورة في سترٍ عند عائشة على الباب غضب وتغير وجهه، وفي اللفظ الآخر:
"فهتكه" يعني: قطعه، وقال: إنَّ أصحاب هذه الصور يُعذَّبون يوم القيامة،
قالت: "فجعلنا منه وسادةً أو وسادتين"، وهذا يدل على أن الصورة إذا كانت
في شيءٍ يُوطَأ ويُمْتَهَن فلا بأس: في بساطٍ، في وسادةٍ، لكن لا يجوز التصوير،
فإذا وُجِدَت الصورة في بساطٍ أو في وسادةٍ فهذه تُمتهن، فلا حرج، لكن أن توجد في
شيءٍ يُلْبَس أو يُعَلَّق لا يجوز. وفَّق الله الجميع.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم
مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
