Top Ad unit 728 × 90

شرح الحديث القدسي/ العز إزاري والكبرياء ردائي

باب تحريم الكِبْر والإِعجاب

شرح أبو عبد الرحمن عصام الدين الصبابطى

شرح – الحديث – القدسي – العز – إزاري – والكبرياء – ردائي

شرح الحديث القدسي/ العز إزاري والكبرياء ردائي


أحاديث رياض الصالحين: باب تحريم الكِبْر والإِعجاب

 

٦٢٣ - وعن أبي هريرة -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ : «قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: العِزُّ إِزاري، والكِبْرياءُ رِدَائِي، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقَدْ عذَّبتُه» رواه مسلم.

معاني المفردات

«نازعني» المعنى: اتصف بهذه الصفات وتخلق بها.

«قذفته» أي: رميته من غير مبالاة به.

«قصمته» القصم الكسر، وكل شيء كسرته فقد قصمته.

 

شرح الحديث

هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر والاستعلاء على الخلق، ومعناه أن العظمة والكبرياء صفتان لله سبحانه، اختص بهما، لا يجوز أن يشاركه فيهما أحد، ولا ينبغي لمخلوق أن يتصف بشيء منهما، وضُرِب الرِّداءُ والإزارُ مثالًا على ذلك، فكما أن الرداء والإزار يلصقان بالإنسان ويلازمانه، ولا يقبل أن يشاركه أحد في ردائه وإزاره، فكذلك الخالق جل وعلا، جعل هاتين الصفتين ملازمتين له ومن خصائص ربوبيته والوهيته، فلا يقبل أن يشاركه فيهما أحد.

 

وإذا كان كذلك فإن كل من تعاظم وتكبر، ودعا الناس إلى تعظيمه وإطرائه والخضوع له، وتعليق القلب به محبة وخوفا ورجاء، فقد نازع الله في ربوبيته والوهيته، وهو جدير بأن يهينه الله غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت أقدام خلقه، قال : «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال» رواه الترمذي وحسنه الالباني.

 

وإذا كان المصَوِّر الذي يصنع الصورة بيده من أشد الناس عذابا يوم القيامة، لتشبهه بالخالق جل وعلا، في مجرَّد الصنعة، فما الظن بالتشبه به في خصائص الربوبية والالوهية، وقل مثل ذلك فيمن تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا له وحده، كمن تسمى بـ"ملك الملوك" و"حاكم الحكام" ونحو ذلك، وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال: «أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك»، فهذا مقت الله وغضبه على من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا له سبحانه فكيف بمن نازعه صفات ربوبيته والوهيته.

 

الكبر ينافي حقيقة العبودية

وأول ذنب عُصي الله به هو الكبر، وهو ذنب إبليس حين أبى واستكبر وامتنع عن امتثال أمر الله له بالسجود لآدم، ولذا قال سفيان بن عيينه: "من كانت معصيته في شهوة فارجُ له التوبة، فإن آدم عليه السلام، عصى مشتهيًا فغُفر له، ومن كانت معصيته من كِبْر فاخشَ عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبرًا فلُعِن"، فالكبر إذًا ينافى حقيقة العبودية والاستسلام لرب العالمين؛ وذلك لأن حقيقة دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه هي أن يستسلم العبد لله وينقاد لأمره، فالمستسلم له ولغيره مشرك، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر، قال سبحانه: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: ١٤٦]، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠]، وثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر».

 

والكبر هو خلق باطن تظهر آثاره على الجوارح، يوجب رؤية النفس والاستعلاء على الغير، وهو بذلك يفارق العجب في أن العجب يتعلق بنفس المعجب ولا يتعلق بغيره، وأما الكبر فمحله الآخرون، بأن يرى الإنسان نفسه بعين الاستعظام فيدعوه ذلك إلى احتقار الآخرين وازدرائهم والتعالي عليهم، وشر أنواعه ما منع من الاستفادة من العلم وقبول الحق والانقياد له، فقد تتيسر معرفة الحق للمتكبر، ولكنه لا تطاوعه نفسه على الانقياد له كما قال سبحانه عن فرعون وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤]، ولهذا فسر النبي ، الكبر بأنه بطر الحق، أي: رده وجحده، وغمط الناس أي: احتقارهم وازدراؤهم.

 

من تواضع لله رفعه

والصفة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم هي التواضع، تواضعٌ في غير ذلة، ولينٌ في غير ضعف ولا هوان، وقد وصف الله عباده بأنهم يمشون على الأرض هونًا في سكينة ووقار غير أشرين ولا متكبرين، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله قال: «إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد».

 

أسوته في ذلك أشرف الخلق، وأكرمهم على الله نبينا محمد الذي كان يمر على الصبيان فيسلم عليهم، وكانت الأَمَةُ تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت، وكان إذا أكل لعق أصابعه الثلاث، وكان يكون في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء، وكان كريم الطبع، جميل المعاشرة، طلق الوجه، متواضعًا في غير ذلة، خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم، وكان يقول: «الا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار، على كل قريب هين سهل» رواه الترمذي، ويقول: «لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلى ذراع أو كراع لقبلت» رواه البخاري، وكان يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، فهذا هو خلق رسول الله ولا عز ولا رفعة في الدنيا والآخرة إلا في الاقتداء به، واتباع هديه، ومن أعظم علامات التواضع الخضوع للحق والانقياد له، وقبوله ممن جاء به.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

شرح الحديث القدسي/ العز إزاري والكبرياء ردائي Reviewed by احمد خليل on 1:14:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.