باب تحريم التعذيب بالنار
كتاب الأمور المنهي عنها: باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوانٍ حَتَّى النملة ونحوها
شرح العلامة
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
باب تحريم التعذيب بالنار
أحاديث رياض الصالحين: باب تحريم
التعذيب بالنار في كل حيوانٍ حَتَّى النملة ونحوها.
١٦١٧ - عنْ أَبي هُريْرة -رَضِّيَّ
اللهُ عَنْهُ- قَال: بعثنا رسُولُ اللَّه ﷺ في بعثٍ فَقال: «إنْ وجَدْتُم فُلانًا وفُلانًا» -لِرجُلَيْنِ مِنْ
قُريش سمَّاهُمَا- «فأَحْرِقُوهُمَا بالنَّارِ»،
ثُمَّ قَال رسُولُ اللَّهِ ﷺ
حِينَ أردْنا الخُرُوج: «إنِّي كُنْتُ أمَرْتُكمْ أنْ
تُحْرِقُوا فُلانًا وفُلانًا، وإنَّ النَّار لا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّه،
فَإنْ وجَدْتُموهُما فَاقْتُلُوهُما» رواه البخاري.
١٦١٨ - وعن ابنِ مسْعُودٍ -رَضِّيَّ
اللهُ عَنْهُ- قَال: كُنَّا مَعَ رسُولِ اللَّه ﷺ في سفَرٍ،
فَأنْطَلَقَ لحَاجتِهِ، فَرأيْنَا حُمَّرةً معَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا
فَرْخَيْها، فَجَاءت الحُمَّرةُ فجعلت تَعْرِشُ، فجاءَ النَّبيُّ ﷺ فَقَالَ: «مَنْ فَجع هذِهِ بِولَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدهَا إليهَا»،
وَرأى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حرَّقْنَاهَا، فَقال: «مَنْ
حرَّقَ هذِهِ؟» قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: «إنَّهُ لا ينْبَغِي أنْ يُعَذِّب
بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ» رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
قوله: (قرية نمل) معناه: موضع النمل مع
النمل.
الشيخ:
الحمد لله، وصلَّ الله وسلَّم على رسول
الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد سبقت عدَّةُ أحاديث في بيان تحريم
تعذيب الحيوانات وإيذائها بغير حقٍّ، سواء كانت تعقل أو لا تعقل، وسواء كانت من
بني آدم أو من غير بني آدم، فلا يجوز للمسلم أن يُعذِّب عبادَ الله: لا أولاده،
ولا زوجته، ولا أرقاءه، ولا دوابّه، ويجب عليه أن يتقيَّد بالشرع ولا يتعدَّاه،
فالتأديب الشرعي للزوجة والولد والخادم لا بأس به، أما التأديب الذي ليس داخلًا في
الأدب الشرعي وإنما يصدر من أجل الغضب أو الحقد أو ما أشبه ذلك فهذا لا يجوز،
فالواجب على المؤمن التقيد بالشرع.
وتقدم أن الرسول ﷺ أنكر على مَن ضرب
العبدَ بغير حقٍّ، وتقدم حديث الهِرَّة، وأنَّ امرأةً عُذِّبَتْ في النار في
هرَّةٍ حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش
الأرض، فعُذِّبَتْ في ذلك، فإذا كانت المرأة عُذِّبَتْ في هرةٍ -وهي بهيمة لا
تُؤْكَل ومع هذا عُذِّبَتْ فيها مَن حبستها لأنَّها ظلمتها- فكيف بمَن يُعذِّب بني
آدم بغير حقٍّ، ويُعذِّب الحيوانات المباحة الطيبة بغير حقٍّ؟ فإنَّ عذابه أشد.
وفي هذين الحديثين الدلالة على أنه لا
يجوز التعذيب بالنار: لا يُعَذِّب بالنار إلا ربّ النار.
ولهذا لما أمر النبيُّ ﷺ بعضَ أصحابه وقال
لهم: «إن وجدتم فلانًا وفلانًا فأحرقوهما بالنار»، ثم قال لهم: «كنتُ أمرتُكم
بكذا، فإن وجدتموها فاقتلوهما»؛ فإن النار لا ينبغي أن يُعذِّب بها إلا الله
سبحانه وتعالى.
وهكذا لما رأى قريةَ النمل قد
حُرِّقَتْ أنكر على مَن حرَّقها وقال: إنَّ ربَّ النار هو الذي يُعذِّب بالنار،
فلا يجوز تحريق قرى النمل ولا غير النمل: كالجعران، والقعس، والعصافير، وغير ذلك،
يجب ترك ذلك، فإذا أراد الإنسانُ التخلص من أذاها يستعمل شيئًا آخر من المبيدات
التي تُبيدها من دون تعذيبٍ بالنار، وفي هذا رحمة للحيوان.
وكونه ﷺ رحم الحمرة التي
جاءت إليه كأنها تشكو وقد أُخِذَ فرخَيْها، فأمر أن يُرَدَّا عليها لما رأى من
جزعها على فرخيها؛ فهذا فيه الرحمة للحيوان، فإذا أراد الإنسان أخذها فلا بأس،
صيدٌ يصيدها ويأكلها وفرخيها، أما أن يُعذِّبها فيأخذ فرخيها ويتركها فلا، يتركها
وأفراخها جميعًا أو يأخذهم جميعًا، وهكذا الحمام ونحوه، فهو صيدٌ مباح، لكن يتحرى
الإنسان الرحمة في مثل هذه المسائل، فإذا أخذ الطير وفرخه وانتفع بها لا بأس، أما
أن يتساهل فيأخذ الفروخ ويترك الأم؛ فهذا ليس من الرحمة، بل ترك هذا أولى، فإما أن
يأخذهم جميعًا أو يدعهم جميعًا. وفَّق الله
الجميع.
الحمد لله رب
العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: