Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

باب قول النبي صل الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع

فتح الباري لابن حجر شرح صحيح البخاري

باب – قول – النبي – صل – الله – عليه – وسلم – رب – مبلغ – أوعى – من – سامع

باب قول النبي صل الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع


فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ العِلْمِ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ : «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ».

 

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، ذَكَرَ النَّبِيَّ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ -أَوْ بِزِمَامِهِ- قَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا»، فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا» فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ بِذِي الحِجَّةِ» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ».

 

الشرح:

قوله: (باب قول النبي رب مبلغ أوعى من سامع) هذا الحديث المعلق أورد المصنف في الباب معناه وأما لفظه فهو موصول عنده في "باب الخطبة بمنًى"من" كتاب الحج" أورد فيه هذا الحديث من طريق قرة بن خالد عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن -حميد بن عبد الرحمن- كلاهما عن أبي بكرة، قال: خطبنا رسول الله يوم النحر، قال: «أتدرون أي يوم هذا» وفي آخره هذا اللفظ وغفل القطب الحلبي ومن تبعه من الشراح في عزوهم له إلى تخريج الترمذي من حديث ابن مسعود فأبعدوا النجعة وأوهموا عدم تخريج المصنف له والله المستعان.

 

و«رب» للتقليل وقد ترد للتكثير و«مبلغ» بفتح اللام و«أوعى» نعت له والذي يتعلق به «رب» محذوف وتقديره يوجد أو يكون ويجوز على مذهب الكوفيين في أن «رب» اسم أن تكون هي مبتدأً و«أوعى» الخبر فلا حذف ولا تقدير والمراد رب مبلغ عني أوعى _أي: أفهم لما أقول_ من سامع مني وصرح بذلك أبو القاسم ابن منده في روايته من طريق هوذة عن ابن عون ولفظه: «فإنه عسى أن يكون بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهد».

 

قوله: (بشر) هو ابن المفضل ورجال الإسناد كلهم بصريون.

 

قوله: (ذكر النبي ) بنصب (النبي) على المفعولية وفي (ذكر) ضمير يعود على الراوي، يعني: أن أبا بكرة كان يحدثهم فذكر النبي فقال قعد على بعيره وفي رواية النسائي ما يشعر بذلك ولفظه عن أبي بكرة قال وذكر النبي فالواو إما حالية وإما عاطفة والمعطوف عليه محذوف وقد وقع في رواية ابن عساكر: "عن أبي بكرة أن النبي قعد" ولا إشكال فيه.

 

قوله: (وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه) الشك من الراوي والخطام والزمام بمعنًى: وهو الخيط الذي تشد فيه الحلقة التي تسمى بالبرة -بضم الموحدة وتخفيف الراء المفتوحة- في أنف البعير وهذا الممسك سماه بعض الشراح بلالًا واستند إلى ما رواه النسائي من طريق أم الحصين قالت: حججت فرأيت بلالًا يقود بخطام راحلة النبي انتهى. وقد وقع في السنن من حديث عمرو بن خارجة قال: كنت آخذًا بزمام ناقة النبي فذكر بعض الخطبة فهو أولى أن يفسر به المبهم من بلال، لكن الصواب أنه هنا أبو بكرة الراوي -رضي الله عنه- فقد ثبت ذلك في رواية الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون ولفظه: (خطب رسول الله على راحلته يوم النحر وأمسكت إما قال: بخطامها، وإما قال: بزمامها) واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبي بكرة لا منه، وفائدة إمساك الخطام صون البعير عن الاضطراب حتى لا يشوش على راكبه.

 

قوله: «أي يوم هذا» سقط من رواية المستملي والحمويي السؤال عن الشهر والجواب الذي قبله فصار هكذا "أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال اليس بذي الحجة" وكذا في رواية الأصيلي وتوجيهه ظاهر وهو من إطلاق الكل على البعض، ولكن الثابت في الروايات عند مسلم وغيره ما ثبت عند الكشميهني وكريمة وكذلك وقع في (مسلم) وغيره السؤال عن البلد وهذا كله في رواية ابن عون وثبت السؤال عن الثلاثة عند المصنف في (الأضاحي) من رواية أيوب وفي (الحج) من رواية قرة كلاهما عن ابن سيرين.

قال القرطبي: سؤاله عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهومهم وليقبلوا عليه بكليتهم ويستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه ولذلك قال بعد هذا: «فإن دماءكم» إلى آخره مبالغةً في بيان تحريم هذه الأشياء انتهى.

 

ومناط التشبيه في قوله: «كحرمة يومكم» وما بعده ظهوره عند السامعين؛ لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم مقررًا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبةً من المشبه؛ لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع.

ووقع في الروايات التي أشرنا إليها عند المصنف وغيره أنهم أجابوه عن كل سؤال بقولهم: (الله ورسوله أعلم) وذلك من حسن أدبهم؛ لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب وأنه ليس مراده مطلق الإخبار بما يعرفونه ولهذا قال في رواية الباب: (حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه) ففيه إشارة إلى تفويض الأمور الكلية إلى الشارع ويستفاد منه الحجة لمثبتي الحقائق الشرعية.

 

قوله: «فإن دماءكم» إلى آخره هو على حذف مضاف أي: سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه.

 

قوله: «ليبلغ الشاهد» أي: الحاضر في المجلس «الغائب» عنه والمراد إما تبليغ القول المذكور أو تبليغ جميع الأحكام.

 

وقوله: «منه» صلة لـ (أفعل) التفضيل وجاز الفصل بينهما؛ لأن في الظرف سعةً وليس الفاصل أيضًا أجنبيا.

تكملة وقع في حديث الباب (فسكتنا) بعد السؤال وعند المصنف في "الحج" من حديث ابن عباس: (أن رسول الله خطب الناس يوم النحر فقال: أي يوم هذا قالوا يوم حرام) وظاهرهما التعارض والجمع بينهما أن الطائفة الذين كان فيهم ابن عباس أجابوا والطائفة الذين كان فيهم أبو بكرة لم يجيبوا بل قالوا: الله ورسوله أعلم. كما أشرنا إليه أو تكون رواية ابن عباس بالمعنى؛ لأن في حديث أبي بكرة عند المصنف في "الحج" وفي "الفتن" أنه لما قال: («اليس يوم النحر» قالوا: بلى) فقولهم (بلى) بمعنى قولهم (يوم حرام) بالاستلزام وغايته أن أبا بكرة نقل السياق بتمامه واختصره ابن عباس وكأن ذلك بسبب قرب أبي بكرة منه لكونه كان آخذًا بخطام الناقة، وقال بعضهم: يحتمل تعدد الخطبة فإن أراد أنه كررها في يوم النحر فيحتاج لدليل فإن في حديث ابن عمر عند المصنف في "الحج" أيضًا أن ذلك كان يوم النحر بين الجمرات في حجته.

 

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحث على تبليغ العلم وجواز التحمل قبل كمال الأهلية وأن الفهم ليس شرطًا في الأداء وأنه قد يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة واستنبط ابن المنير من تقليل كون المتأخر أرجح نظرًا من المتقدم أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره، وفيه جواز القعود على ظهور الدواب وهي واقفة إذا احتيج إلى ذلك وحمل النهي الوارد في ذلك على ما إذا كان لغير ضرورة، وفيه الخطبة على موضع عال ليكون أبلغ في إسماعه الناس ورؤيتهم إياه.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال 

باب قول النبي صل الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع Reviewed by احمد خليل on 4:44:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.