باب فضل العلم
فتح الباري لابن حجر شرح صحيح البخاري
باب فضل العلم
فتح
الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ العِلْمِ بَابُ فَضْلِ العِلْمِ
وَقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ} [المجادلة: ١١] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤].
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (كتاب العلم) باب فضل العلم، هكذا في رواية الأصيلي، وكريمة،
وغيرهما، وفي رواية أبي ذر تقديم البسملة وقد قدمنا توجيه ذلك في (كتاب الإيمان)
وليس في رواية المستملي لفظ "باب" ولا في رواية رفيقه لفظ "كتاب
العلم".
(فائدة) قال القاضي أبو بكر بن العربي: بدأ المصنف بالنظر في فضل
العلم قبل النظر في حقيقته، وذلك لاعتقاده أنه في نهاية الوضوح فلا يحتاج إلى
تعريف؛ أو لأن النظر في حقائق الأشياء ليس من فن الكتاب وكل من القدرين ظاهر؛ لأن
البخاري لم يضع كتابة لحدود الحقائق وتصورها بل هو جار على أساليب العرب القديمة
فأنهم يبدؤون بفضيلة المطلوب للتشويق إليه إذا كانت حقيقته مكشوفة معلومة وقد أنكر
بن العربي في (شرح الترمذي) على من تصدى لتعريف العلم، وقال: هو أبين من أن يبين.
قلت: وهذه طريقة الغزالي، وشيخه الإمام أن العلم لا يحد لوضوحه أو
لعسره.
قوله: (وقول الله: عز وجل) ضبطناه في الأصول بالرفع عطفا على كتاب أو
على الاستئناف.
قوله: {يَرْفَعِ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١] قيل في تفسيرها: يرفع الله المؤمن العالم على
المؤمن غير العالم، ورفعة الدرجات تدل على الفضل إذ المراد به كثرة الثواب وبها
ترتفع الدرجات، ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت والحسية
في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة، وفي صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي
وكان عامل عمر على مكة أنه لقيه بعسفان فقال له: من استخلفت؟ فقال: استخلفت بن
أبزى مولى لنا، فقال عمر: استخلفت مولى، قال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض،
فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ} [يوسف: ٧٦] قال: بالعلم.
قوله: (وقوله عز وجل: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤]) واضح الدلالة في فضل العلم؛ لأن الله تعالى، لم يأمر
نبيه ﷺ بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم، والمراد بالعلم: العلم الشرعي
الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته، ومعاملاته، والعلم
بالله، وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص ومدار ذلك على
التفسير والحديث، والفقه، وقد ضرب هذا "الجامع الصحيح" في كل من الأنواع
الثلاثة بنصيب فرضي الله عن مصنفه، وأعاننا على ما تصدينا له من توضيحه بمنه
وكرمه.
فإن قيل لم لم يورد المصنف في هذا الباب شيئًا من الحديث. فالجواب: أنه إما أن يكون اكتفى بالآيتين الكريمتين،
وإما بيض له ليلحق فيه ما يناسبه فلم يتيسر، وإما أورد فيه حديث بن عمر الآتي بعد
باب رفع العلم، ويكون وضعه هناك من تصرف بعض الرواة وفيه نظر على ما سنبينه هناك
إن شاء الله تعالى.
ونقل الكرماني عن بعض أهل
الشام: أن البخاري بوب الأبواب، وترجم التراجم، وكتب الأحاديث وربما بيض لبعضها
ليلحقه.
وعن بعض أهل العراق: أنه
تعمد بعد الترجمة عدم إيراد الحديث إشارة إلى أنه لم يثبت فيه شيء عنده على شرطه.
قلت: والذي يظهر لي أن هذا
محله حيث لا يورد فيه آية أو أثرا، أما إذا أورد آية أو أثرا فهو إشارة منه إلى ما
ورد في تفسير تلك الآية وأنه لم يثبت فيه شيء على شرطه، وما دلت عليه الآية كاف في
الباب وإلى أن الأثر الوارد في ذلك يقوى به طريق المرفوع وإن لم يصل في القوة إلى
شرطه والأحاديث في فضل العلم كثيرة صحح مسلم منها حديث أبي هريرة رفعه: «من التمس طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة» ولم يخرجه البخاري؛ لأنه اختلف فيه على الأعمش، والراجح أنه بينه
وبين أبي صالح فيه واسطة. والله أعلم.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: